بين الحرب والتهجير.. غزة في مواجهة المشروع الاستيطاني الجديد
مخططات التهجير في غزة.. حماس تفضح الحملة الخبيثة والفخ “الإسرائيلي”
في خضم الحرب المستعرة على قطاع غزة، التي أكملت عامها الأول والنصف، تتصاعد الأصوات المحذرة من مخططات خبيثة تستهدف تهجير سكان القطاع تحت مسمى “الهجرة الطوعية”.
خلال الأيام الماضية، ضجت وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الإعلام بتقارير وشائعات حول مغادرة آلاف الغزيين عبر معابر إسرائيلية، بتسهيلات مقدمة من أطراف غامضة، فيما وصفه مكتب الإعلام الحكومي في غزة بأنها “حملة مسمومة” يقودها الاحتلال الإسرائيلي.
هذا المقال التحليلي يغوص في أعماق هذه القضية الحساسة، مستعرضًا تفاصيل المخطط الصهيوني، أساليب تنفيذه، والجهات التي تقف خلفه، مع تقييم تأثيراته على صمود الشعب الفلسطيني والقضية الوطنية.
سياق الحرب والهدف “الإسرائيلي”
منذ اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر 2023، واجه القطاع دمارًا غير مسبوق، حيث استهدفت الآلة العسكرية الإسرائيلية البنية التحتية، المستشفيات، المدارس، وحتى المنازل السكنية.
أكثر من 18 شهرًا من القصف اليومي، الحصار الخانق، والتجويع المتعمد خلقت واقعًا إنسانيًا كارثيًا، يعاني فيه الغزيون من نقص حاد في الغذاء، الدواء، والمأوى.
في هذا السياق، برزت تقارير عن مخطط إسرائيلي لتهجير سكان غزة، يهدف إلى تفريغ القطاع من سكانه الأصليين، في خطوة تتماشى مع أهداف الاحتلال طويلة الأمد لتغيير الواقع الديموغرافي والسياسي في فلسطين.
المخطط، كما كشفت مصادر فلسطينية، يعتمد على إجبار السكان على الهجرة تحت ذريعة “الطواعية”، مستغلاً الظروف المأساوية التي يعيشونها، لكن الرفض الفلسطيني والعربي القاطع لهذا المشروع لم يمنع ظهور تقارير حديثة تشير إلى بدء تنفيذه بشكل خفي، عبر تسهيلات مقدمة لآلاف الغزيين لمغادرة القطاع نحو دول عربية، إسلامية، وأوروبية، هذه التقارير، التي وصفت بأنها “مفاجآت من العيار الثقيل”، أثارت قلقًا واسعًا، لاسيما مع انتشار شائعات عن تورط شخصيات مشبوهة وجهات سرية في تنفيذ هذا المخطط.
تحذيرات حماس.. حملة خبيثة لزعزعة الصمود
سارعت حكومة غزة، التي تديرها حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، إلى الرد على هذه الشائعات ببيان صحفي وصفه الكثيرون بأنه “مفصلي”.
أكد مكتب الإعلام الحكومي أن الأنباء المتداولة حول هجرة جماعية من غزة هي “معلومات مضللة” جزء من حملة خبيثة يقودها الاحتلال الإسرائيلي، البيان شدد على أن هذه الحملة تهدف إلى “زعزعة صمود الشعب الفلسطيني، والنيل من وعيه الوطني، ودفعه نحو الهجرة القسرية تحت ضغط المعاناة”.
وأشار البيان إلى أن الاحتلال يستخدم أساليب “ناعمة” لتمرير مخططات التهجير، بعد فشله في فرضها بالقوة العسكرية، من بين هذه الأساليب، الترويج لما تسمى “الهجرة الآمنة” عبر وثائق مزيفة، توكيلات قانونية بلا قيمة، وحسابات وهمية على وسائل التواصل الاجتماعي، كما حذر من تداول أرقام هواتف مشبوهة، قد تُستخدم كأدوات تجنيد أمني لاستدراج الشباب الفلسطيني، في محاولة لاختراق النسيج الاجتماعي والوطني.
البيان أكد أن الحالات القليلة التي غادرت غزة مؤخرًا تقتصر على مرضى وجرحى سافروا لتلقي العلاج عبر معبر كرم أبو سالم، وليسوا مهاجرين كما تروج الشائعات، ودعا الشعب الفلسطيني إلى الحذر من الانسياق وراء هذه الدعاية، مؤكدًا أن “فلسطين ليست للبيع”، وأن الرباط في الأرض المقدسة هو “شرف ومقاومة”.
أساليب الموساد.. فخ مغلف بالوعود الكاذبة
كشفت تحقيقات ميدانية ومصادر مقربة من حماس عن تفاصيل مثيرة حول الأساليب التي يستخدمها الاحتلال لتنفيذ هذا المخطط، من أبرز هذه الأساليب، الترويج لشخصيات وهمية أو مشبوهة كوسطاء للهجرة، مثل المحامي الإسرائيلي يورام يهودا، الذي اشتهر بقضايا الطلاق وليس له علاقة بملفات الهجرة، ومع ذلك، انتشر رقم هاتفه كوسيلة للتواصل مع “منسقين” يطرحون أسئلة أمنية خطيرة، تشمل تفاصيل شخصية وعائلية وحتى معلومات عن الجيران والسكن.
وفقًا لتقارير، يتحدث الأشخاص الذين يردون على هذه الأرقام بالعربية بطلاقة، ويُرجح أنهم ضباط في جهاز “الموساد”، يستغلون معاناة الغزيين لاستدراجهم، كما كشف ناشطون، مثل ماجد مقداد ومحمد عبد الباري، عن تورط أفراد مثل محمد أبو حجر في الترويج لإعلانات مضللة، تعطي انطباعًا بإمكانية السفر عبر توكيلات قانونية، هذه التوكيلات، في الواقع، تمنح الاحتلال صلاحيات كاملة على ممتلكات الفلسطينيين، وتفتح الباب لتجنيدهم كعملاء.
إضافة إلى ذلك، انتشرت رسائل نصية تدعو المواطنين للتواصل مع “كابتن إسرائيلي” عبر معبر نتساريم، في سيناريو يبدو مدروسًا لاستدراج الشباب إلى فخ أمني، هذه الأساليب تعتمد على استغلال اليأس والحاجة، مع تقديم وعود كاذبة بالهجرة الآمنة، بينما الهدف الحقيقي هو جمع معلومات، إضعاف النسيج الاجتماعي، ودفع الفلسطينيين إلى التخلي عن أرضهم.
التأثير على الصمود الفلسطيني
إن نجاح مثل هذه المخططات، حتى لو بشكل جزئي، يمثل تهديدًا وجوديًا للقضية الفلسطينية، فالهجرة القسرية، حتى لو تم تسويقها كـ”طوعية”، تعني تفريغ الأرض من سكانها الأصليين، وهو الهدف الاستراتيجي الذي طالما حلم به الاحتلال، في ظل الحرب والحصار، يصبح الشعب الفلسطيني أكثر عرضة لهذه الضغوط، حيث يدفع اليأس والمعاناة البعض إلى التفكير في خيارات قد تبدو مغرية في لحظات الضعف.
ومع ذلك، يظل الصمود الفلسطيني عاملاً حاسمًا في إفشال هذه المخططات، رد حكومة غزة السريع، وتحذيراتها الواضحة، عززت من وعي الشعب بخطورة هذه الحملات، كما أن الرفض الشعبي الواسع لفكرة الهجرة، والتمسك بالأرض رغم الظروف القاسية، يعكسان عمق الوعي الوطني وقوة الإرادة الفلسطينية.
التحديات والحلول
تواجه القضية الفلسطينية تحديات معقدة في ظل هذه الحملات، أول هذه التحديات هو غياب آليات فعالة لمواجهة الشائعات وتفنيدها بشكل فوري، ما يتطلب تعزيز الإعلام الوطني وتفعيل قنوات تواصل مباشرة مع الشعب، كما ينبغي تصعيد الحملات القانونية والسياسية في المحافل الدولية لفضح هذه المخططات ومحاسبة الاحتلال على جرائمه، إن توثيق هذه الحملات، وكشف تورط أجهزة مثل الموساد، يمكن أن يحشد دعمًا دوليًا أوسع للقضية الفلسطينية، وخاصة في ظل التعاطف المتزايد مع الشعب الفلسطيني عالميًا.
في الختام، في زمن الحرب والحصار، تظل غزة رمزًا للصمود والمقاومة، مخططات التهجير، مهما كانت متطورة أو مغلفة بالوعود الكاذبة، لن تنجح في اقتلاع شعب تمسك بأرضه لعقود، تحذيرات حماس ووعي الشعب الفلسطيني يشكلان درعًا واقيًا ضد هذه الحملات الخبيثة، إن المطلوب اليوم هو تعزيز الوحدة الوطنية، وتفعيل أدوات المقاومة الإعلامية والسياسية، لضمان بقاء غزة عصية على مخططات الاحتلال، كما أكد بيان حكومة غزة، أن “أرض مقدسة، وشعبها لن يُقتلع منها”، فالرباط فيها شرف، والهجرة منها وهم قاتل.