بعد 6 أعوام على عدوانهم.. بنو سعود يستجدون الخلاص من اليمن
عادل الجبوري
من غير الواضح ما إذا كانت مصادفة أم لا، أنه بعد ستة أعوام من الحرب العدوانية العبثية ضد اليمن، التي خلفت خسائر وأضرارا بشرية ومادية هائلة، راحت المملكة العربية السعودية تتوسل وتستنجد للخروج من المأزق الذي وضعت نفسها فيه، من خلال طرح مبادرات للسلام والتسوية، لأنها وصلت الى نتيجة مفادها أنه رغم كل ما أنفقته من أموال طائلة وما حشدته من وسائل إعلام ومنابر سياسية، إلا أنها فشلت فشلا ذريعًا في تحقيق أي من أهدافها، فلا هي نجحت في فرض النظام السياسي الذي تريده في اليمن، سواء من حيث المناهج والولاءات، أو من حيث الشخوص والمسميات، ولا هي نجحت في القضاء على المقاومة اليمنية، أيًا كانت عناوينها، بل والأكثر من ذلك أنها أخفقت أيّما إخفاق في إضعاف وتحجيم هذه المقاومة.
ولا شك أن مأزقها سيكون كبيرًا جدًا حينما تكتشف أنه بدلًا من أن تفرض إرادتها وأجنداتها بعد كل ما أنفقته من مال وجهد مدعوم من قوى إقليمية ودولية، فإنها باتت في مرمى صواريخ وطائرات المقاومة اليمنية.
لقد تحشدت قوى دولية واقليمية عديدة، تمتلك من الإمكانيات العسكرية والموارد المالية، والقدرات البشرية، الشيء الكثير، وتكالبت على شعب صغير أعزل، أنهكته التدخلات والمؤامرات الخارجية، والصراعات الداخلية، على امتداد عقود من الزمن.
إن المفارقة الأبرز، تمثلت في أن الحرب العدوانية التي انطلقت قبل ستة أعوام بقيادة المملكة العربية السعودية، في إطار ما سمي بالتحالف العربي، اتخذت عنوان (عاصفة الحزم)، لمدة شهر، ليعاد تسميتها بـ(عملية إعادة الأمل)، وهنا تحديدًا تكمن المفارقة، فأي أمل هذا الذي أرادت مملكة الرياض تسويقه وايهام العالم به، وهي التي سعت جاهدة مع حلفائها وأصدقائها الى إهلاك الحرث والنسل؟
أي أمل هذا الذي أرادت الرياض أن تعيده، حينما راحت طائراتها وأسلحتها المختلفة -ومعها الإمارات، ومدعومة من واشنطن و”تل ابيب”- تحصد أرواح الناس الأبرياء من أبناء الشعب اليمني المظلوم، دون أن تستثني طفلًا أو امرأة أو شيخًا عجوزا؟
أي أمل هذا الذي أرادت الرياض أن تعيده، حينما عاثت في الأرض فسادًا ودمارًا وخرابًا، واندفعت بدون أي وازع أخلاقي أو ديني أو انساني، تلقي حمم نيران أسلحتها المختلفة على البيوت والمستشفيات والمدارس والجامعات والطرقات والجسور؟
أي أمل هذا الذي أرادت الرياض أن تعيده، وهي التي عملت بكل جهدها، على جعل اليمني يقتل أخاه اليمني، حينما راحت تبث الفرقة وتثير الفتن من منطلقات طائفية ومذهبية تكفيرية مقيتة؟
المفارقة الأخرى، هي أنه رغم كل الإمكانيات والحشود والقدرات التي تم تسخيرها في الحرب العدوانية على اليمن، إلا إن الهزائم والانكسارات التي منيت بها السعودية والإمارات ومن يقف وراءهما، كانت هائلة جدًا وغير متوقعة، وبدلًا من أن تقضي على من استهدفته في صنعاء وبقية المدن اليمنية الأخرى، بات حكام الرياض وأبو ظبي يواجهون أصعب الظروف، وهم يقفون عاجزين يائسين أمام صواريخ المقاومة اليمنية التي طالت ووصلت الى قصورهم المحصنة ومدنهم العامرة.
إن أسبابًا وعوامل عديدة، أفضت الى تلك النتيجة المؤلمة والمخزية للسعودية ومن كان يدعمها ويساندها عسكريًا وسياسيًا وإعلاميًا، لتنتهي الى السعي المحموم نحو إنهاء الحرب بأي طريقة كانت والركون الى إبرام اتفاق سلام مع العدو الذي استعصى على حكام الرياض إنهاؤه بل وحتى إضعافه.
ولم يكن الموقف السعودي الأخير، بالجنوح نحو السلام مفاجئًا لمن يقرأ الوقائع والأحداث بدقة وعمق، فالصراعات الداخلية بين أركان الأسرة الحاكمة بلغت مستوى خطيرًا في ظل هيمنة محمد بن سلمان على مقاليد الأمور، وتفشي وباء كورونا بات كابوسًا يقض مضاجع حكام المملكة وانخفاض أسعار النفط عمّق ذلك الكابوس، هذا ناهيك عن بقاء السعودية وحدها في الميدان.
هذه المعطيات وغيرها بتراكماتها لستة أعوام هي التي رسمت وصاغت صورة المشهد اليمني الراهن، ولتثبت أن خيار العدوان، وإن خلّف الكثير من الدمار والخراب والمآسي والويلات، إلا أنه لا بد أن ينهار وينهزم، عاجلًا أم آجلًا، أمام خيار المقاومة، وكما يقول القائم بأعمال السفارة اليمنية في بغداد الشيخ محمد القبلي في حوار سابق معه “بالتأكيد فإن المعتدين مُنُوا بفشل ذريع في تحقيق أي من أهدافهم، والحل الواقعي والعملي يتمثل بوقف العدوان ورفع الحصار، ليتمكن الشعب اليمني من التمتع بحقه في العيش الحر الكريم واعادة بناء ما دمرته الحرب الظالمة، وفي الواقع، فإن اليمن تجاوز أصعب المراحل بحمد الله بشجاعة واقتدار، ولا شك أن استمرار العدوان يعني مزيدًا من الهزائم للعدو، ونحن كنا وما نزال حريصين منذ اليوم الأول على الحل السلمي”.
ولعل الحرب العدوانية التي قدّر حكام الرياض وابو ظبي، وزعماء البيت الأبيض، وساسة “تل ابيب”، أنها ستكون سريعة وخاطفة، تحولت الى كابوس مرعب لا يعرفون سبيلًا للخلاص منه، ولعل حساباتهم كانت شبيهة بحسابات نظام صدام حينما شن حربه العدوانية على الجمهورية الاسلامية الايرانية في عام 1980، معتقدًا هو ومن دفعه الى ذلك، أن الإطاحة بنظام الحكم الجديد في طهران لن يحتاج سوى الى شهور أو حتى أسابيع قلائل من الحرب الخاطفة.
ويخطئ من يتصور أن مبادرة ابن سلمان الأخيرة لوقف الحرب، ولدت ونضجت وتبلورت من داخل قصور الرياض، بل إنها -وإن كانت السعودية راغبة فيها وساعية إليها بقوة، للخروج من مآزقها العديدة، وهي التي هرولت لاستجداء الصلح مع قطر بعد أعوام من المقاطعة العقيمة لها- صيغت ووضعت في واشنطن، وأخرجت من الرياض، لكنها لن تنقذ حكام آل سعود من الغرق، فيما لم يأتوا بجديد، يفضي إلى طي صفحة العدوان، وفتح صفحة أخرى تختفي منها مشاهد الدماء المسفوكة، والأجساد المقطعة، والمباني المهدمة.