بعامه الجديد.. اليمن بين خياري السلام أو الوجع الكبير
بشكل كبير خيمت التعقيدات على مساعي السلام والملف السياسي في اليمن خلال العام ٢٠١٩ رغم ما شهد هذا الملف من تحولات وتحركات لم تكن كافية لحلحلة الأزمة القائمة منذ قرابة ٥ سنوات وما رافقها من عدوان وحصار جائرين.
الحراك السياسي خلال العام ٢٠١٩ بدأ من المساعي لتنفيذ اتفاقيات السويد على الأرض من خلال تعيين بعثة مراقبة أممية في الحديدة وعقد عدة اجتماعات لم تثمر خلال عام كامل أي نتائج على الأرض باستثناء ما قُدمت من خطوات أحادية الجانب من طرف صنعاء تمثلت في اعادة الانتشار والانسحاب من موانيء الحديدة والصليف ورأس عيسى يقابلها تعنت من طرف حكومة عبدربه منصور هادي، مما تسبب في تعثر الاتفاقيات الأخرى المتعلقة بملف الأسرى وفتح مطار صنعاء وحلحلة الوضع الاقتصادي وكذا التهدئة في تعز، ولم تفلح كل تحركات وجولات المبعوث الأممي مارتن غريفيث في إحداث أي تقدم للعملية السياسية المفترضة.
مع انسداد الأفق السياسي تزايدت الأزمات الإنسانية وتصاعدت وتيرة العمليات العسكرية من قبل تحالف العدوان في الأشهر الأولى من العام، وهو ما اضطر صنعاء أن تتحول من حالة الدفاع إلى الهجوم بتنفيذ عدة ضربات نوعية وصاروخية على منشئات حيوية سعودية أبرزها استهداف منشأة أرامكو في “الثالث عشر من سبتمبر”، ليُحدِث هذا التطور تداعيات عديدة وتحولات على المسار السياسي تمثلت في إعلان صنعاء في “الخامس والعشرين من سبتمبر” لمبادرة سلام بوقف الهجمات الصاروخية مقابل أن تلتزم الرياض بالمثل، وهي الخطوة التي مهدت إلى الدخول في حوارات غير معلنة بين صنعاء والرياض رافقها غموض في نتائجها سوى ما لوحظ من تخفيض جزئي للعمل العسكري.
السلطة في صنعاء لم تستلم لحالة الجمود في الملف السياسي والتعقيدات التي تفرضها السعودية وتحالفها لإفشال هذا الملف، فإلى جانب تقديم المبادرات كثف وفد صنعاء المفاوض من لقاءاته مع مسؤولي وسفراء عدد من الدول المؤثرة، في وقت شهدت صفوف تحالف العدوان حالة من التشظي والتفكك ترجمها الصراع بين فصائله في جنوب البلاد وأسفرت عن سيطرة القوات المدعومة إمارتياً على عدن والمناطق المحيطة بها في شهر أغسطس، لتسارع السعودية لرعاية ما اسمي باتفاق الرياض في “الخامس من نوفمبر” بهدف إنهاء حالة الصراع القائم، لكن لم يتغير شيء بعد على الأرض وبدى الاتفاق الموقع هشاً ومتعثراً منذ لحظاته الأولى.
مجمل هذه التعقيدات أمام الحل السياسي وترحيل الأزمة الى عام آخر قد يقود إلى فرض معادلات أخرى أبرزها حضور الخيار العسكري بشكل أكبر مما كان عليه في العام ٢٠١٨، وهذا ما كشفت عنه التصريحات الأخيرة للمتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع الذي أكد جاهزية قواته لتنفيذ مرحلة “الوجع الكبير” في اطار الرد المشروع وأن العام 2020 سيكون عاماً للدفاع الجوي والنصر مع العمل على تطوير الصناعات العسكرية وتعزيز المخزون الاستراتيجي للقوات المسلحة، معلناً توسيع بنك أهداف القوات اليمنية ليشمل مراكز حيوية وحساسة على طول وعرض جغرافيا دول العدوان وأن من ضمن بنك الأهداف بالغة الاهمية 6 مواقع في السعودية و3 في الإمارات، وأن منشآت قوى العدوان في أرض اليمن ومياهه الاقليمية وجزره تمثل أيضاً اهدافاً مشروعة.
حديث العميد سريع وما تضمنت من تهديدات وتحذيرات يكشف عن مستوى الجاهزية القتالية وحجم القوة العسكرية لصنعاء خلال السنة الأخيرة تحديداً وما شكلت من نقطة تحول استراتيجي على المواجهة ضد تحالف العدوان وأدواته، وأهم هذا التحول كانت نتيجة تطوير التصنيع العسكري ودخول سلاح الجو المسير على صعيد المعركة خلال العام 2019 الذي شهد استكمال مرحلة تأسيسية مهمة على صعيد بناء قوات الدفاع الجوي وتفعيل المنظومات الدفاعية وتطوير أسلحة الردع.
ووفق هذه المقدرات العسكرية لقوات الجيش واللجان الشعبية اليمنية فإن صنعاء تدخل عاماً آخراً من الحرب والحصار المفروضين عليها ويدٌ تمتد للسلام وأخرى على الزناد كما يبدو، لأن تأكيدات القوى اليمنية تتلخص في أن الدول المعادية لن تهنأ والشعب اليمني يعاني وأنه لا أمن ولا استقرار للجميع إلا بتوقف العدوان ورفع الحصار.