بشرى النبوءة…..لشاعر اليمن الكبير /عبدالله البردوني
بشرى من الغيب ألقت في فم الغار | وحيا و أفضت إلى الدنيا بأسرار |
بشرى النبوّة طافت كالشذى سحرا | و أعلنت في الربى ميلاد أنوار |
و شقّت الصمت و الأنسام تحملها | تحت السكينه من دار إلى دار |
و هدهدت ” مكّة ” الوسنى أناملها | و هزّت الفجر إيذانا بإسفار |
*** |
|
فأقبل الفجر من خلف التلال و في | عينيه أسرار عشاق و سمار |
كأنّ فيض السنى في كلّ رابية | موج و في كلّ سفح جدول جاري |
تدافع الفجر في الدنيا يزفّ إلى | تاريخها فجر أجيال و أدهار |
واستقبل الفتحُ طفلا في تبسّمِه | آياتُ بشرى و إيماءاتُ إنذار |
و شبّ طفل الهدى المنشود متّزرا | بالحقّ متّشحا بالنور و النار |
في كفّه شعلة تهدي و في فمه | بشرى و في عينه إصرار أقدار |
و في ملامحه وعد و في دمه | بطولة تتحدّى كلّ جبّار |
*** |
|
و فاض بالنور فاغتم الطغاة به | و اللّصّ يخشى سطوع الكوكب الساري |
و الوعي كالنور يخزي الظالمين كما | يخزي لصوص الدجى إشراق أقمار |
نادى الرسول نداء العدل فاحتشدت | كتائب الجور تنضي كلّ بتّار |
كأنّها خلفه نار مجنّحة | تعدو وقدّامه أفواج إعصار |
فضجّ بالحقّ و الدنيا بما رحبت | تهوي عليه بأشداق و أظفار |
و سار و الدرب أحقاد مسلّخة | كأنّ في كلّ شبر ضيغما ضاري |
وهبّ في دربه المرسوم مندفعا | كالدهر يقذف أخطار بأخطار |
*** |
|
فأدبر الظلم يلقي ها هنا أجلا | و ها هنا يتلقّى كفّ … حفّار |
و الظلم مهما احتمت بالبطش عصبته | فلم تطق وقفة في وجه تيّار |
رأى اليتيم أبو الأيتام غايته | قصوى فشقّ إليها كلّ مضمار |
وامتدّت الملّة السمحا يرفّ على | جبينها تاج إعظام و إكبار |
*** |
|
مضى إلى الفتح لا بغيا و لا طمعا | لكنّ حنانا و تطهيرا لأوزار |
فأنزل الجور قبرا وابتنى زمنا | عدلا … تدبّره أفكار أحرار |
*** |
|
يا قاتل الظلم صالت هاهنا و هنا | فظايع أين منها زندك الواري |
أرض الجنوب دياري و هي مهد أبي | تئنّ ما بين سفّاح و سمسار |
يشدّها قيد سجّان و ينهشها | سوط … ويحدو خطاها صوت خمّار |
تعطي القياد وزيرا و هو متّجر | بجوعها فهو فيها البايع الشاري |
فكيف لانت لجلّاد الحمى ” عدن “ | و كيف ساس حماها غدر فجّار ؟ |
وقادها وعماء لا يبرّهم | فعل و أقوالهم أقوال أبرار |
أشباه ناس و خيرات البلاد لهم | يا للرجال و شعب جائع عاري |
أشباه ناس دنانير البلاد لهم | ووزنهم لا يساوي ربع دينار |
و لا يصونون عند الغدر أنفسهم | فهل يصونون عهد الصحب و الجار |
ترى شخوصهم رسميّة و ترى | أطماعهم في الحمى أطماع تجّار |
*** |
|
أكاد أسخر منهم ثمّ تضحكني | دعواهم أنّهم أصحاب أفكار |
يبنون بالظلم دورا كي نمجّدهم | و مجدهم رجس أخشاب و أحجار |
لا تخبر الشعب عنهم إنّ أعينه | ترى فظائعهم من خلف أستار |
الآكلون جراح الشعب تخبرنا | ثيابهم أنّهم آلات أشرار |
ثيابهم رشوة تنبي مظاهرها | بأنّها دمع أكباد و أـبصار |
يشرون بالذلّ ألقابا تستّرهم | لكنّهم يسترون العار بالعار |
تحسّهم في يد المستعمرين كما | تحسّ مسبحة في كفّ سحّار |
*** |
|
ويل وويل لأعداء البلاد إذا | ضجّ السكون وهبّت غضبة الثار ! |
فليغنم الجور إقبال الزمان له | فإنّ إقباله إنذار إدبار |
*** |
|
و الناس شرّ و أخيار و شرّهم | منافق يتزيّا زيّ أخيار |
و أضيع الناس شعب بات يحرسه | لصّ تستره أثواب أحبار |
في ثغره لغة الحاني بأمّته | و في يديه لها سكّين جزّار ! |
حقد الشعوب براكين مسمّمة | وقودها كلّ خوّان و غدّار |
من كلّ محتقر للشعب صورته | رسم الخيانات أو تمثال أقذار |
و جثّة شوّش التعطير جيفتها | كأنّها ميته في ثوب عطّار |
*** |
|
بين الجنوب و بين العابثين به | يوم يحنّ إليه يوم ” ذي قار “ |
*** |
|
يا خاتم الرسل هذا يومك انبعثت | ذكراه كالفجر في أحضان أنهار |
يا صاحب المبدأ الأعلى ، و هل حملت | رسالة الحقّ إلاّ روح مختار ؟ |
أعلى المباديء ما صاغت لحاملها | من الهدى و الضحايا نصب تذكار |
فكيف نذكر أشخاصا مبادئهم | مباديء الذئب في إقدامه الضاري ؟ ! |
يبدون للشعب أحبابا و بينهم | و الشعب ما بين طبع الهرّ و الفار |
مالي أغنّيك يا ” طه ” و في نغمي | دمع و في خاطري أحقاد ثوّار ؟ |
تململت كبرياء الجرح فانتزفت | حقدي على الجور من أغوار أغواري |
*** |
|
يا ” أحمد النور ” عفوا إن ثأرت ففي | صدري جحيم تشظّت بين أشعاري |
” طه ” إذا ثار إنشادي فإنّ أبي | ” حسّان ” أخباره في الشعر أخباري |
أنا ابن أنصارك الغرّ الألى قذفوا | جيش الطغاة بجيش منك جرّار |
تظافرت في الفدى حوليك أنفسهم | كأنّهنّ قلاع خلف أسوار |
نحن اليمانين يا ” طه ” تطير بنا | إلى روابي العلا أرواح أنصار |
إذا تذكّرت ” عمّارا ” و مبدأه | فافخر بنا : إنّنا أحفاد ” عمّار “ |
” طه ” إليك صلاة الشعر ترفعها | روحي و تعزفها أوتار قيثار |