بشاعةُ الوصاية ووضاعة الأدوات سند الصيادي
بشاعةُ الوصاية ووضاعة الأدوات
سند الصيادي
ليس خفياً أن اليمنَ كانت ترزحُ منذ عقود عدة مضت تحتَ براثن الوصاية الخارجية المتعددة الأشكال وَالألوان، وَلم يكن الداخلُ اليمني من قيادة وشعب وَجغرافيا بمنأىً عن الحضور للخارج الذي يحشر أنفه في كُـلِّ صغيرة وكبيرة، وفق سياسة الهيمنة وَالسيطرة وَالنهب لمقدرات الشعوب المستضعفة وَالنيل من كُـلّ خصوصياتها وَتوظيف ذلك لكل ما يخدم سياساته وأطماعه.
والدلائلُ واضحة بمشاهدها وَنتائجها، جعلت اليمنَ في رؤوس قوائم الفشل وَالفقر وَالفساد وَالغياب لمفردة ومفهوم الدولة بكل ما تحمله من مقومات: اقتصادية وَعسكرية وَإدارية وَسياسية، كُـلُّ ذلك أَدَّى إلى إدراج البلاد في زاوية هامشية من التأثير والفاعلية في محيطها العربي والإقليمي، وجعلها بأزماتها الداخلية المفتعلة مُجَـرّدَ ملحَقٍ مملوكٍ لما تقرّره القوى الغربية ووكلائها في المنطقة.
ليس خفياً كُـلّ ذلك، ولا يمكن لعاقل أن يتحدثَ خلافَ حول هذا التوصيف لواقع البلاد على المدى المنظور، غير أن أوقحَ أشكال الوصاية وَأكثرها وضوحاً وَحضوراً قد تجلت في الفترة التي تلت الانتفاضة الشعبيّة في العام 2011م وَحتى العام 2014، هذا ما تكشفه الوثائقُ وَتبرهنه التحَرّكاتُ التي كانت تحدث على الأرض، حيث مثّلت ما يسمى بالمبادرة الخليجية آخرَ نزع لأظافر أدوات الوصاية الداخلية لمصلحة الأوصياء مباشرةً، وبها تولت الولاياتُ المتحدة وبريطانيا دَفَّةَ القيادة، تاركةً لعملائها الغرقَ في خلافاتهم الداخلية، يتبادلون الشتائم وَيقدمون المزيد من القرابين لأسياد نعمتهم؛ خوفاً من النهاية المذلة وَبحثاً عن طوق نجاة يعيد إنتاجَ حظوظِهم وَوجودهم المستقبلي، وفقَ المزيد من الخنوع وَالإذلال والابتذال.
ومن يتابع بإمعانٍ ما كشفه إعلامُ يمن ما بعد ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر تباعاً من مقاطع مصوَّرة وَوثائقَ لتوجيهات صدرت عن الإدارتين الأمريكية والبريطانية لسلطات تلك المرحلة وما تحويه مضامينُ هذه الأفعال وَالمذكرات من خطورة بالغة الأثر على مستقبل مؤسّستَي الجيش والأمن وَسواحل البلاد ومياهها وثرواتها وجزرها.. سيحمدُ اللهَ على نعمة هذه الثورة (21 سبتمبر 2014م) التي جاءت في اللحظات الأخيرة؛ لإنعاش روحِ هذه البلاد المسجَّى جسدُها على رصيف العابثين، وانتشال ما بقي من له من كرامة باعها سُفهاؤه لمن لا يخافُ اللهَ وَلا يرحم.
وإذا جاز لنا توصيفُ ما كان يحدث، فهو أشبهُ بمن يسلِّمُ لعدوه مفاتيحَ بيته وَخزائنَ ماله وسلاحه وَأسرار أهله، بل وحتى يرشده إلى غرف نومهم وَمَواطِن ضعفهم وَقوتهم، مقابل أن يمنحه قدراً من حظوةٍ أَو رضاً، أَو يرمي له حفنةً من مال رخيص مدنس.
لكُم أن تتخيلوا على سبيل المثال لا الحصر، ماذا يعني وَتحت أية مبرّرات يمكن أن تنطليَ على عاقل، في أن يطلُبَ الأمريكي والبريطاني أن يسلم له سلاح بلدك الاستراتيجي ليدمّـره، أَو أن يسلم له خطة تفصيلية لخطة الانتشار الساحلي للقوات وأماكن تمركزها، وَيطلب إطْلاعَه على كُـلّ الخطط التي ستتخذها لحماية حدودك البحرية، فيستجيب له القائمون على هذه المسؤولية منصاعين، مجازفين بشعبٍ ودولةٍ بأكملها، دون أن يستنفرَ فيهم هذا أدنى مسؤولية أَو غِيرة أَو شك من نوايا هذا العدوّ وأجندته.
لن نعلّقَ هنا على هذه النماذج بالحديث عن انكشاف الأطماع الأمريكية والبريطانية في سواحل اليمن، ولا عن ارتباط هذه التحَرّكات وتهيئتها لما حدث بعدها من عدوان على البلاد، فهذه أصبحت واضحةً للعيان، وسنكتفي بالإشارة إلى أن ما قامت به الثورةُ السبتمبرية من اجتثاث أُولئك الخونة والعملاء الذين ساندوا هذه المخطّطات والمؤامرات من سدة الحكم، كان أقلَّ العقاب وَرد الاعتبار لهذا البلد وشعبه ماضياً وحاضراً وَمستقبلاً.