آرامكو تحترق .. بسرور وعزّة

“أرامكو” تحترق.. بهذه الجملة الاسمية البسيطة يمكنك أن تمتحن أخلاق أصحاب المواقف، ويمكن القول، بضمير حيّ وذمّة صافية، أنّ كلّ من ادّعى حزنًا على مشهد الحريق هو، وبموضوعية شديدة، عديم الأخلاق لأحد الأسباب التالية:

– منافق لا يشعر بأيّ حزن حقيقي ولكنّه مضطر لتسجيل موقف حزين حرصًا على مصالحه مع بني سعود. وهذا يمكن اكتشاف خلفية موقفه بسهولة فـ”مصلحجيّته” واضحة وارتباطه بالنظام السعودي عبارة عن علاقة شائنة معلنة.

– كاذب يبني موقفًا ضدّ مهاجمة السعودية على قاعدة “أنا ضدّ العنف” ويتجاهل تمامًا أنّ البادىء بالعنف الدموي هو السعوديّ وأن الحريق في آرامكو هو ردّ فعل مشروع على عدوان متواصل يدخل في هذه الأيام عامه الثامن بقيادة سعودية ويستهدف اليمن بمدنه وقراه ومدنييه وثرواته وأطفاله. بالطبع لا يمكن هنا استحضار عذر الجهل بما ترتكب السعودية: فمن يعلم بحريق آرامكو لا بدّ مرّ في الأعوام السبعة الماضية على خبر مجزرة في اليمن.

– مطبّع يخشى على “تل أبيب” من لسعة النار في “جدّة”، ويعي تمامًا أن لا فرق بين بني سعود والصهاينة إلّا في الشكليات، لذلك تراه يتوجّس ويتحسّس رأسه المستند إلى الكتف العبرية ثم يصيح متباكيًا على العروبة في الرياض، ويفترض أن أهل اليمن أولى بالقتل وبالحرائق فقط لأنّهم من أهل العداء لـ”إسرائيل”.

– منبطح للخيار السعودي لدوافع مختلفة قد لا يكون من بينها مصلحة مباشرة له وإنّما دوافع شخصية، فكما رأينا في شبكات العملاء المكتشفة مؤخّرًا من تعامل مع الصهاينة بدافع الحقد على حزب الله، يمكن أن نرى من يعبد السعودية بغضًا بالحقّ. واعتدنا أصلًا رؤية هذه النماذج في كلّ مرّة “حردت” فيها السعودية فانهارت دموعهم تسترضيها وتطيّب خاطرها.

الجامع بين هؤلاء الأربعة هو انعدام الأخلاق كما ذكرنا ولذلك لا يعوّل عليهم ولا يثق بهم أحد حتى السعودي، فالمنافق سيغيّر موقفه ما إن تتوفر له مصلحة في تغيير الموقف، والكاذب لن يحظى باحترام أحد حتى أولئك الذين يكذب لأجلهم بل ويزايد عليهم في محاولة تظهيرهم بصورة جميلة (على سبيل المثال قام أحد الإعلاميين بعرض أطروحات ساخرة من فرضية أن يكون بن سلمان قد خطط لقتل خاشقجي، وزايد في دفاعه حدّ تحوّله إلى محطة سخرية من السعوديين أنفسهم وهم يهزأون به بعد أن علم الكوكب بأسره بأن بن سلمان الفاعل)، أمّا المطبّع فمصير موقفه مرتبط بما يطلبه الصهاينة وبالتالي هو خاضع لحاجتهم إلى موقف داعم للسعودية، فيزول فموقفه بانتفاء حاجة الصهاينة إليه، وأما الحاقد فأسير حقده، مصيره أن يتآكله هذا الحقد، ويقتله.

هذا بالنسبة إلى من هاجت أشجانهم والتهبت أحزانهم في محضر جملة “آرامكو” تحترق، أمّا من رأوا في الجملة والمشهد المرافق لها لحظة عزّ توثّق صفعة على وجه بني سعود، ومن رأوا فيها ردًّا جميلًا على كلّ جرح أصاب اليمن، وأصاب كلّ بلاد وكلّ قلب تعرّض لسهام الإرهاب السعودي، ومن رأوا فيها لمحة عن تحرير الحجاز  من السيطرة الأميركية الصهيونية المتمثلة ببني سعود وسلطانهم، ومن رأوا فيها تأديببًا لسلطان بالغ في غيّه إرهابًا وعدوانًا واعتداءً مستمرًّا على مظلومي القطيف، فهم أهل الحبّ وأهل الحقّ وأهل الموقف الذي لا يحيد عن نصرة المظلوم على الظالم وأهل المعركة المتواصلة ضدّ الشرّ، أي أهل الأخلاق السامية والإنسانية العالية. “آرامكو تحترق”: ما أجملها وهي تستحيل كتلة من لهب وخردة، وتجهّز لزوال سلالة نهبت وظلمت وقتلت وعاثت في بلاد الطهر فسادًا وجورًا.

 

موقع العهد / ليلى عماشا

قد يعجبك ايضا