بريطانيا تؤكّـدُ تمسُّكَها باستمرار الحصار الإجرامي نهب ثروات اليمن
في ظِلِّ انسدادِ أُفُقِ تجديد الهدنة، يتزايدُ نشاطُ وظهورُ السفيرَين الأمريكي والبريطاني بشكل يجدد التأكيد على أن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تتحكّمان بموقف تحالف العدوان بشكل كامل ومباشر، وأن السعوديّة والإمارات لا تمتلكان صلاحية اتِّخاذ أية قرارات فيما يتعلق بالهدنة؛ لأَنَّ الإدارة الدولية لا زالت مُصرةً على أن تكريس مسار “اللا حرب واللا سلام”؛ لضمان بقاء الحصار والتحكم بموارد ومقدرات البلد، وبالتالي الالتفاف على معادلة صنعاء الرئيسية للحرب والسلام.
في هذا السياق، وبعدَ أَيَّـام من جولة استفزازية قام بها السفير الأمريكي لدى حكومة المرتزِقة في المناطق المحتلّة أكّـدت إصرارَ الولايات المتحدة على استمرار الحصار ونهب الثروات الوطنية، ظهر السفيرُ البريطاني على المشهد مرة أُخرى بتصريحات جديدة أكّـد فيها دعم بريطانيا لمواصلةِ نهب الثروات الوطنية، وإصرارها على استخدام استحقاقات الشعب اليمني الإنسانية والقانونية كأوراق تفاوض للحصول على تنازلات تنطوي على القبولِ باستمرار العدوان والحصار والوَصاية الأجنبية على البلد.
أوبنهايم أشار في تصريحات لصحيفة “الشرق الأوسط” السعوديّة، أن بلادَه تعارِضُ الإجراءات التي تتخذها صنعاء والقوات المسلحة لحماية الثروات الوطنية ومنع نهب عائدات النفط الخام، مؤكّـداً أن بريطانيا تعتبر هذه الإجراءات أعمالاً “إرهابية”، وهو ما يعني بوضوح الإصرار على استمرار نهب الثروات واستخدام عائدات مبيعات النفط اليمني كمصدر لتمويل المرتزِقة وإثراء قياداتهم في الوقت الذي يعاني في اليمنيين من أسوأ أزمة إنسانية على مستوى العالم.
الإصرارُ الأمريكي والبريطاني المعلَن على هذه النقطة يمثِّلُ عائقاً رئيسياً يستحيلُ أن تتجاوزَه مفاوضاتُ تجديد الهدنة التي يدَّعي السفير البريطاني أن بلاده تدعمها؛ لأَنَّ صنعاء قد أكّـدت بشكل صريح أنه لا يمكن إحراز أي تقدم في مسار التهدئة بدون تخصيص عائدات النفط والغاز لصرف مرتبات الموظفين وتحسين الوضع المعيشي والخدمي للمواطنين في كُـلّ المحافظات، وذلك طبعاً إلى جانب رفع الحصار الإجرامي المفروض على الموانئ والمطارات.
وبالتالي، فَـإِنَّ ما يقوله السفير البريطاني بوضوح هو إن بلاده غير منفتحة على أي حَـلّ حقيقي يخفف معاناة الشعب اليمني ويمكن اليمنيين من حقوقهم المشروعة.
هذا أَيْـضاً ما تؤكّـده تصريحات أوبنهايهم التي تحدث فيها عن المرتبات بمعزل عن الإيرادات، حَيثُ حاول السفيرُ البريطاني أن يقدِّمَ مسألةَ المرتبات وكأنها مسألة “خلاف سياسي” يجب أن تحل بمناقشات بين صنعاء والمرتزِقة، وهي محاولةٌ مكشوفة للالتفاف على طبيعة هذا المطلب كاستحقاق إنساني وقانوني، واستدراج صنعاء إلى مربع المساومة عليه مع أدوات لا تمتلك صلاحيات اتِّخاذ أي قرار بشأنه.
الحقيقة أن محاولةَ تحالف العدوان للدفع بالمرتزِقة إلى واجهة المشهد لخِداعِ صنعاء، والحديث عن الرواتب مع الإصرار على نهب الإيرادات، قد أثبتت فشلها مسبقًا، واستمرار الولايات المتحدة وبريطانيا بتكرار هذه المحاولات وتقديمها كأُسُسٍ تفاوضية، لا يعبر عن إمْكَانية نجاح هذه المحاولات بل عن إصرارِ الإدارة الدولية للعدوان على وضع عوائقَ أمام إمْكَانية نجاح أية جهود حقيقية لتجديد الهدنة والدفع نحو سلام فعلي.
هذا الإصرارُ يعبّر عن محاولة أمريكية بريطانية لـ استثمار كُـلٍّ من حاجة دول العدوان للتهدئة، وتعاطي صنعاء الإيجابي مع هذه الحاجة؛ مِن أجلِ تكريس حالة “لا حرب ولا سلام” تقيّد خيارات صنعاء العسكرية مقابل تخفيف جانب بسيط من قيود الحصار الإجرامي المفروض على البلد.
بعبارة أُخرى: يمكن القول إن الولاياتِ المتحدة وبريطانيا تحاولان إلغاءَ التغييرات الكبيرة التي استطاعت صنعاء فرضَها على الميدان، وتحاولان فرضَ مسار يجعل تعاظم قدرات صنعاء العسكرية ونجاحاتها الميدانية بلا أية قيمة.
هذا المسعى يعني أن احتمالاتِ إحراز تقدم عبر مفاوضات تجديد الهدنة، ضعيفةٌ للغاية، حتى وإن كانت السعوديّة والإمارات قد أظهرتا استعداداً لإحراز ذلك التقدم؛ لأَنَّ المعطياتِ تؤكّـد أن الرياض وأبو ظبي لا تحاولان فعلَ أي شيء لإنجاح المفاوضات، بل إنهما تعملان في سياق المخطّط الأمريكي البريطاني لتكريس حالة اللا حرب واللا سلام.
وهذا أَيْـضاً ما يؤكّـده تولِّي الولايات المتحدة وبريطانيا مهمةَ توجيه وإدارة سلطة المرتزِقة بشكل مباشر خلال الفترة الأخيرة، حَيثُ يبدو أن رعاةَ تحالف العدوان يعملون على تقديم صورة مغلوطة عن الوضع تعتبر أن المرتزِقةَ طرفٌ رئيسي في المعادلة، وأن مِلف المرتبات هو مِلفٌّ عالقٌ بين صنعاء والمرتزِقة فقط، وبطبيعة الحال فَـإِنَّ السعوديّة والإمارات تأملان أن تبقيَهما هذه الصورة المغلوطة بعيدًا عن التداعيات.
إجمالاً، يبدو أن جميعَ أطراف العدوان تعملُ بشكل منظم وبتنسيق واضح على المماطلة وتكريس حالة اللا حرب واللا سلام، وهو ما يعني أن فرصةَ إحراز تقدم حقيقي على طاولة التفاوض تعتمد بشكل أَسَاسي على المتغيرات الميدانية الجديدة التي تستطيعُ صنعاء أن تدفعَ بها تحالُفَ العدوان ورعاته ومرتزِقته نحو مأزق جديد يثبت لهم خطأَ جميع حساباتهم، وهو ما تتوعد به صنعاء منذ مدة بشكل صريح.
حرصٌ على استمرار الوَصاية
في حديثه عن الصراع بين المرتزِقة أنفسهم وعن مستقبل المحافظات الجنوبية، كان للسفير البريطاني تصريحٌ مستفزٌّ يكشفُ بوضوح عن رغبة الإدارة الدولية للعدوان وبريطانيا بشكل خاص في إبقاء البلد مرهوناً بمصالحها ورغباتها، حَيثُ قال أوبنهايم إنه لا يجبُ على اليمنيين أن يفكّروا بمصير وحدة البلد أَو “عدد البلدان التي ستكون لديهم” بحسب تعبيره، بل يجب أن يهتموا بالاحتياجات اليومية من الطعام والشراب والرعاية الصحية.
هذا التصريحُ يعبّر بشكل وقحٍ عن إصرار تحالف العدوان ورعاته على التحكم بشكل حصري بالقضايا الرئيسية التي يمكن بمعالجتها إنهاء الأزمة الإنسانية والاقتصادية بشكل كامل، كما يعبر بشكل صريح عن تمسكهم باستخدام الاستحقاقات الإنسانية كأوراق لصرف انتباه الرأي العام وابتزازه ليتخلى عن حقوقه الكبرى كالسيادة والاستقلال.
وحتى فيما يتعلق بالخلافات بين أعضاء ما يسمى بالمجلس الرئاسي التابع للمرتزِقة، كان رَدُّ السفير البريطاني معبِّراً عن رغبة بلاده في إبقاء هذه الخلافات والتحكم بها وتوجيهها لمصلحتها، حَيثُ اعتبرها أموراً طبيعية بل تكاد تكون جيدة!
تصريحاتُ السفير البريطاني لصحيفة “الشرق الأوسط” السعوديّة، تضمنت أَيْـضاً جزئياتٍ توضحُ أن الإدارةَ الدولية للعدوان تتولى بشكل مباشر دعمَ الدعايات الإعلامية التي تستهدف صنعاء ويتم استغلالُها للتأثير على الرأي العام المحلي والدولي للضغط على صنعاء، حَيثُ حاول أوبنهايم إعادةَ إثارة مزاعم تقييد السلطة الوطنية لحرية المرأة كما هاجم إصدارَ مدوَّنة السلوك الوظيفي، واعتبرها انتهاكاتٍ تستدعي اتِّخاذَ إجراءات عقابية، بحسب الصحيفة السعوديّة.
صحيفة المسيرة