“بدر الدين” النجمُ الذي لن يأفل منير الشامي
“بدر الدين” النجمُ الذي لن يأفل
منير الشامي
عشرُ سنوات خلت على رحيل عَلَمِ الزمان ونجمِ آل محمد، السيد المجاهد والعالم الرباني سيدي بدر الدين بن أمير الدين الحوثي، طيب الله ثراه.
كيف لي أن أتحدثَ عن سيدي بدر الدين رضوان الله عليه وأنَّى لي وألف من أمثالي أن نفيَه بكلماتنا نزراً يسيراً من حقيقته وصفته، فلا الأقلام تنصفه، ومهما كتبت عنه وانتقيت الألفاظَ وتمعنت في اختيار أساليب البلاغة فهيهاتَ أن أبلُغَ مرادي، وكيف لي ذلك وأنا بما عرفته عنه وقرأته فيه أيقنت أنني أمام يعقوب هذا الزمان.
ذلك العلم الشامخ الذي أمضى عمرَه كلَّه في سبيل الله، ساعياً إلى إعلاء كلمته، رفض كُـلّ مغريات الدنيا التي انجذب إليها الكثير من أقرانه وأعرض عنها وانفرد وحيداً في حمل مسؤولية دينه تخلى عنها الكثيرُ وعاش في زمن القابضَ على دينه كالقابض على جمر من نار، واجه كُـلَّ التحديات وتصدَّى لكل المؤامرات التي لا حصرَ لها من أعداء الأُمَّــة وعملائهم والتي وُجِّهت للقضاء على المذهب الزيدي ولطمس معالمه وإحلال المذهب الوهَّـابي بديلاً عنه، ونجح -بتوفيق من الله عز وجل- في الانتصار عليها واحدةً تلو أُخرى.
رغم خطورة تلك المؤامرات وضراوتها والإمْكَانيات التي سُخِّرت لها والدعم اللا محدود لها من الداخل والخارج، ظل رضوان الله عليه جسوراً ثابتاً بشموخ الجبال، لم يخشَ يوماً في الله لومة لائم، واستمر طول حياته داعياً إلى كتاب الله ومعلماً له، يقيم حلقات العلم ويدرّس فيها طلَبة العلم كُـلَّ علوم الدين واللغة والتفسير، ولم تشغله عظمةُ المسؤولية التي تحمّلها ولا كثرة التحديات التي واجهها عن نشر العلم ومتابعة تدريس طلابه وتأليف المجلدات العظيمة والرد على فتاوى العامة والإصلاح بين الناس ومواجهة المؤامرات والتصدي لها وتحذير الناس من حملات الاستهداف لهم ولهُويتهم ودينهم وكشف أهدافها وغاياتها والأطراف التي تقفُ خلفها، مما جعل النظام السابقَ يجاهرُ في عداوته ويتبنى إنشاءَ أكبر مركز للمذهب الوهَّـابي في منطقة دماج بصعدة، بعد فشله بكل الطرق في ثني السيد الجليل بدر الدين رضوان الله عليه وعجزه عن استمالته وإغرائه، كما فعل مع الكثير من أقرانه الذين انجرُّوا وراء تلك المغريات، وتخلوا عن مسؤوليتهم أمام الله ورسوله وتركوها ليحملها بعظمة ثقلها وحدَه، وفي فترة زمنية حرجة وظروف قاسية.
لقد كان بحق بدرَ الدين حقيقة لا اسماً، وما فضل الله الذي عمَّ اليمن من نور المسيرة القرآنية وضياء المشروع القرآني إلا ثمرة من ثماره، ولولا ثباتُه في حمل مسؤولية دين الله وحرصه على أداء أمانتها لَمَا ظهر حسينُ العصر ولَمَا أشرق في سماء اليمن نجمُ أبو جبريل، فهما ثمرةٌ طيبةٌ من شجرته المباركة، وهما غصنان من فروعه الإيمانية، استقيا من فيض علمه وارتويا من ينابيع حكمته، ونهلا من قدسية إيمانه وتقاه، ووروعه وزهده، وشبَّا من موائد شجاعته وبأسه الحيدرية، وهما امتدادٌ لنجمه الذي لن يأفلَ، وسيظل نورُه ساطعاً في سماء الأُمَّــة.
فسلامُ الله على روحه الطاهرةِ الزكية وعلى نفسِه المؤمنة التقية وعلى ثماره الطيبة المباركة أبداً ما بقي ليلٌ ونهارٌ وما جادت المُزنُ بالغيث والأمطار.