بدء العد التنازلي لعودة التصعيد…كواليسُ الهُــدنة المنتهية تؤكّـد صعوبةَ إنقاذها…صنعاءُ تتوعَّــدُ بقصف العمقين السعوديّ والإماراتي فيما يحاولُ العدوُّ الاختباءَ خلف “مجلس” المرتزِقة
Share
الخارجية: على العالم أن يأخذَ إنذارات المجلس السياسي على محمل الجد
العجري: الدورُ الأممي خلال المفاوضات اقتصر على توجيه رسائل لا أحد يرد عليها!
صنعاءُ تتوعَّــدُ بقصف العمقين السعوديّ والإماراتي فيما يحاولُ العدوُّ الاختباءَ خلف “مجلس” المرتزِقة
مع انتهاءِ الهُــدنة وانكشاف تفاصيل المقترح الالتفافي الذي قدمته الأمم المتحدة للتمديد، أصبح واضحًا أن تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي ورعاته كانوا يتعاطون مع مسار التهدئة كمسار حرب، ويسعون لاستغفال صنعاء بشكلٍ وقح وجرها إلى مربع المساومة على الحقوق الثابتة والخضوع للضغوط والابتزاز؛ لتحقيق المكاسب العسكرية والسياسية التي عجزوا عن تحقيقها بالقوة خلال ثماني سنوات، بل انكشف أن التفاؤل المحدود الذي رافق فترة الهُــدنة لم يكن سوى تأثير إعلامي لتضليل الرأي العام وصرف الأنظار عن حقيقة استمرار التحَرّكات العدوانية ضد البلد والشعب، الأمر الذي يجعل احتمالاتِ عودة التصعيد أكبرَ بكثيرٍ من احتمالات إنقاذ التهدئة المنتهية، وهذا أَيْـضاً ما تؤكّـدُه بوضوحٍ التصريحاتُ الأخيرةُ للقيادة السياسية والعسكرية الوطنية.
إلى جانب ما نشرته “المسيرة” حولَ مغالطات العدوان في مسار الرواتب، والتي تضمنت إقصاءَ شريحة واسعة من الموظفين وربط كُـلّ الإجراءات بالمرتزِقة والامتناع عن تقديم ضمانات، وعدم تحديد عملة الصرف، أكّـد عضو الوفد الوطني المفاوض عبد الملك العجري، أن الأمم المتحدة كانت عاجزة تماماً خلال المفاوضات عن القيام بدورها كوسيط وراع للاتّفاق، حَيثُ قال إنه “عندما كنا نطالب الأمم المتحدة بتشغيل رحلة القاهرة (المنصوص عليها في الاتّفاق) كانت ترد بأنها قد بعثت برسالة، لكن لم يرد أحد عليها”.. وأضاف: “كيف ستتمكّن الأمم المتحدة من فتح وجهات جديدة وحدود قدراتها رسالة لا أحد يجيب عليها؟!”.
العجري أوضح أَيْـضاً أن صنعاء “طالبت بالمساواة بين الموظفين اليمنيين في كُـلّ محافظات الجمهورية مدنيين وعسكريين، كما طالبت بآلية تضمن صرف المرتبات وليس إحالتها للجان” متسائلاً: “في أي قانون وبأي حق يريدون منا الموافقة على حرمان الشرطي ورجل المرور ورجل الأمن في المحافظات غير المحتلّة من حقهم في الراتب؟ أليس لهم أسر وأطفال؟!”
هذه المعلومات تؤكّـد أن ما كان يدور على طاولة المفاوضات في الحقيقة لم يكن يبعث على أي تفاؤل، ولا يترجم وجود أية رغبة في إنجاح التهدئة لا من قبل تحالف العدوان ورعاته، ولا من قبل الوسيط الأممي، وأن المسألة كلها كانت من البداية محاولة مدروسة من قبلهم لجر صنعاء إلى نفس المساومات التي رفضتها سابقًا ولكن تحت عنوان “الهُــدنة” التي لم يسلم حتى مفهومها نفسه من سلوك المراوغة والخداع، فالاتّفاق الذي أعلن في أبريل كان بين صنعاء وتحالف العدوان؛ باعتبَارهما الطرفين الرئيسيين في الحرب، لكن الأخير استمر بدفع المرتزِقة إلى الواجهة ليحلوا محله ويتحول هو فجأة إلى “وسيط” وهي محاولة واضحة إلى حَــدّ الاستفزاز للتنصل عن الالتزامات!
وفي هذا السياق يؤكّـد العجري أن: “المفاوضات كانت بالأَسَاس مع دول العدوان وهي من تتحمل مسؤولية فشلها، فهي من يتحكم ويعبث بثروات اليمن النفطية ويعرقل دفع المرتبات، وهي من يحتجز السفن ويقتادها إلى موانئها، وهي من تغلق الأجواء اليمنية، أما مجلس المشاغبين فلا يملك من أمره شيئاً ولا يستطيعون الاجتماع إلَّا بحضور ولي أمرهم”.
لسوء حظ التحالف ورعاته، فَـإنَّ صنعاء قد تعلمت الكثير من تجاربها التفاوضية السابقة، وأبرز ما تعلمته أن أعداءها عندما يجلسون على طاولة التفاهمات تكون أولويتهم هي المراوغة وكسب الوقت فقط، ولسوء حظهم أَيْـضاً أنهم لا يتعلمون شيئاً من الأحداث التي تدفعهم إلى الجلوس على الطاولة، مثل عمليات “كسر الحصار” فما انكشف من كواليس عملية التفاوض الأخيرة بعد انتهاء الهُــدنة يؤكّـد بوضوح أن تحالف العدوان ورعاته لا زالوا يعتمدون على حسابات قديمة توهمهم بأنه يمكن تقييد خيارات صنعاء العسكرية والتحكم بموقفها من خلال الضغوط والابتزاز، وأن هناك طريقاً ثالثاً بين الاستجابة لمطالب صنعاء، وبين عودة التصعيد.
لهذا جاء رفض الموافقة على التمديد بشروط تحالف العدوان ورعاته “مفاجئًا” لهم، برغم أنه كان أمراً متوقعاً لدى معظم المراقبين، بل وتم التحذير منه بشكلٍ صريح قبل حدوثه، فالمعادلة التفاوضية الوطنية لم تتضمن أبداً أية معطيات تجعل الاستجابة للمراوغات والضغوط أمراً ممكناً، وَإذَا كان تحالف العدوان قد أساء تقدير موافقة صنعاء على الهُــدنة وتمديدها مرتين فذلك يعود إلى تصوراته الخاطئة وليس إلى موقف صنعاء الثابت.
ومن أجل هذا، فَـإنَّ ما رافق انتهاء الهُــدنة من إنذارات وتحذيرات جديدة أظهر حرصاً على إيصال رسالة معينة لتحالف العدوان ورعاته مفادها أن المعادلة التي جاءت منها علميات كسر الحصار لم تتعدل ولم ينته مفعولها خلال أشهر الهُــدنة، ففيما كان الإعلام السعوديّ ينشر أخباراً عن فشل تمديد الهُــدنة بين صنعاء والمرتزِقة ويصور المشكلة وكأنها مشكلة يمنية داخلية، توجّـهت تحذيرات المجلس السياسي الأعلى والقوات المسلحة مباشرةً إلى الشركات العاملة في السعوديّة والإمارات، وجاء الوعيد بقصف موانئهما ومطاراتهما، للتأكيد على أن تداعيات فشل التهدئة لن تنحصر داخل الجغرافيا اليمنية، وهو ما كان قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي، والرئيس مهدي المشاط، قد أكّـداه بشكلٍ صريح مؤخّراً.
بالتالي، فَـإنَّ معادلة الردع قد عادت إلى الواجهة نظرياً بدون أية “تعديلات” مطمئنة لتحالف العدوان ورعاته، بل وبإضافات صادمة حرصت صنعاء على إبراز ملامحها خلال الفترة الماضية من خلال العروض العسكرية والكشف عن الأسلحة الجديدة وأبرزها الأسلحة البحرية.
وفقاً لذلك، فَـإنَّ المسافة بين انتهاء الهُــدنة وعودة عمليات الردع عمليًّا لن تكون طويلة إذَا استمر تحالف العدوان ورعاته بالاعتماد على معادلة الضغط والمراوغة، ويبدو أن هذا هو ما يحدث، إذ تؤكّـد العديد من المصادر المطلعة أن العدوّ لجأ خلال اليومين الماضيين إلى الدفع بوسطاء لإقناع صنعاء بالقبول بالمقترح الأممي المرفوض، وليس حتى لتعديله بما يلبي المطالب المحقة، الأمر الذي يعني أنه ما زال يحاول شق “الطريق الثالث” نفسه.
هذا ما تؤكّـده أَيْـضاً وزارة الخارجية بحكومة الإنقاذ، في بيانٍ جديد جاء فيه أن “عدم جدية الطرف الآخر في التوجّـه للوصول إلى تسوية” بات أمراً مؤكّـداً، وأن “الأحداث أثبتت للعالم أن العدوّ كان يهدف من التمديد الشكلي للهُــدنة إدخَال البلاد في حالة موت سريري”.
ومثلما كان رفض التمديد أمراً متوقعاً على ضوء تحذيرات وإنذارات القيادة الوطنية التي تجاهلها العدوّ، فَـإنَّ عودة التصعيد هي أمرٌ حتمي في حال إصرار تحالف العدوان على موقفه مهما كان حجم وكثافة جهود الوسطاء، وتؤكّـد وزارة الخارجية في هذا السياق أن: “على الإقليم والعالم أن يأخذ بكل جدية ما خرج به المجلس السياسي الأعلى في اجتماعه فصنعاء إن قالت فعلت”، الأمر الذي يعني أن التحذيرات والإنذارات الأخيرة ليست للاستهلاك الإعلامي كما يقرأها العدوّ، بل هي بمثابة إعلان لعد تنازلي يبدو أن تحالف العدوان مصر على تجاهله أَيْـضاً.