بالأمس عاصفة “الخصم” واليوم انهيار أسعار الأسهم في السوق المالية السعودية .!
الحقيقة / عبدالغني جغمان
تواجه الممللكة العربية السعودية ضغوطًا اقتصاديًا تعد الأكبر في تاريخها، نتيجة تراجع اسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة، والتي سجلت أدنى سعر لها منذ 12 عامًا، بالإضافة إلى التدخلات والنفقات العسكرية الكبيرة في اليمن وسوريا والتحديات الاقليمية التي تواجها المملكة.
ويعتمد الأقتصاد السعودي بشكل كبير على إيرادات النفط، والتي شكلت نحو 80 بالمئة من إيرادات المملكة خلال العام المالي الماضي 2015، حيث تتوقع أن تسجل إيرادات النفط نحو 404.5 مليار ريال في 2016، من إجمالي إيرادات 608 مليار ريال.
هذا وقد ظهرت مجموعة من الإشارات التحذيرية الخاصة بالاقتصاد السعودي خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث بلغ معدل نمو الاقتصاد السعوي نسبة 1.5% فقط في الربع الأول من العام 2016 . ومقارنة بالعام الماضي، يعد أبطأ معدل للنمو منذ عام 2013.
بينما نمى قطاع النفط بنسبة 5.1%، بانكماش في القطاع النفطي بنسبة 0.7%، وهي النسبة الأضعف منذ خمس سنوات، وعلاوة على ذلك انكمش الناتج الاجمالي في قطاع التشييد والبناء بنسبة 1.9%، على أساس سنوي في يوليو الماضي.
أشارت مذكرة لمؤسسة الراجحي كابيتال إلى أن المملكة العربية السعودية ضاعفت سعر الفائدة بين البنوك ثلاث مرات تقريبًا، أي حوالي 2.3% من أقل من 0.8%، على مدى العام الماضي، وتواجه الآن أزمة سيولة في السوق.
ولكن على مدى الأيام القليلة الماضية ظهرت بعض العلامات الأخرى التي أشار إليها الاقتصاديون، وسلطوا الضوء عليها، حيث أظهرت بيانات رسمية أن صافي الأصول الأجنبية لدى البنك المركزي السعودي انخفضت إلى 555 مليار دولار في يوليو، بانخفاض 6 مليارات مقارنة بالأشهر السابقة، وبهذا ينخفض 16% مقارنة بالعام الماضي، إلى أدنى مستوى له منذ عام 2012.
يعد انخفاض الاحتياطي الاجنبي أمرًا ملحوظًا؛ نظرًا لانغماس السعوديين في الاحتياطات، في ظل العجز في الميزانية؛ لانخفاض أسعار النفط. وفي مؤتمر الاستثمار “سون” السنوي الـ21، المنعقد الأسبوع الماضي حذر زاك شرايبر، الرئيس التنفيذي لصناديق الاحتياط حسب ما نقلته شبكة الإعلام الأمريكية “سي إن إن” يوم الاثنين 9 مايو/أيار: “أمام السعودية عامان أو ثلاثة قبل أن ترتطم بالجدار،” متوقعا أن المملكة ستواجه “إفلاسا هيكليا” لأنها تواجه تهديدات مزدوجة تتمثل في التزامات الإنفاق الضخمة وفي انخفاض اسعار النفط. وعلق “لا عجب في أنهم (السعوديون) يستدينون مبالغ ضخمة”.
هذا وقد كشفت صحيفة وول ستريت جورنال يومنا هذا الثلاثاء ٢٧ سبتمبر ٢٠١٦، أن الممكلة تتهاوي مالياً بسبب انخفاض أسعار النفط يتسبب في صدمة للطبقة المتوسطة المملكة النفطية، مشيرة إلى أن الهبوط الحاد في أسعار النفط، المصدر الأساسي لعائدات السعودية، أجبر الحكومة على سحب وتقليص بعض الدعم هذا العام، وهو ما زاد من تكلفة المعيشة في المملكة وأضر بالطبقة الوسطى، التي عاشت طويلًا بعيدة عن مثل تلك المشاكل.
و للمرة الأولى منذ عام 1991، تحولت المملكة العربية السعودية إلى عالم التمويل الخاص لجمع 10 مليارات دولار من أجل الحصول على قرض. لجوء دولة كالسعودية لديها صندوق ثروة سيادية واسع إلى الاقتراض لتغطية نفقاتها يعد مؤشرا على الأسس الهشة لنظامها الاقتصادي.
ومن أجل إيجاد حل لهذا الأزمة، استعانت المملكة العربية السعودية بشركة “ماكينزي” الاستشارية العالمية، وبالفعل أرسلت الشركة محلليها للمملكة، وخرجوا في ديسمبر 2015 برؤية “المملكة العربية السعودية بدون النفط: تحول في الاتجاه المالي والإنتاجي”. والذي هو عبارة عن تحويل قيادة الاقتصاد من الحكومة إلى اقتصاد يقوده السوق، وخفض الدعم، وبيع الأصول الحكومية لتمويل هذه الخطة الانتقالية؛ كما يدعو التقرير إلى خفض وظائف القطاع العام وتخفيض في أعداد ثلاثة ملايين من العمال الأجانب ذوي الأجور المتدنية بالفعل الذين يعملون لدى المملكة. وهذا ما نسخه محمد بن سلمان ولى ولي العهد من تقرير شركة “ماكينزي” في كلمته حول الرؤية السعودية عام 2030، فجاء بيانه بما لا يختلف كثيرا عن اقتراحات الشركة الاستشارية، الأمر الذي يظهر افتقاره للخبرة.
وتتعرض السعودية إلى مخاطر سياسية مرتفعة في معالجتها لهذا التباطؤ. وكانت السعودية قد نجت من الاضطرابات السياسية التي أطاحت بالعديد من الزعماء والحكومات في دول الربيع العربي، واضطر آخرون للتغيير وبذل مزيد من النفقات والوظائف لاسترضاء شعوبهم. ويعمل حوالي ثلثي العاملون السعوديون في وظائف مرتبطة بكيانات حكومية.
التقشف التقشف
واتجهت السعودية إلى تطبيق سياسة التقشف خلال العام الحالي وتبني توجه تحريك أسعار الوقود وفرض ضرائب، وأثارت القرارات الجديدة استياءً بين السعوديين على وسائل التواصل الاجتماعي حيث ترحموا على السنوات التي شهدت المملكة فيها طفرة نفطية ازذهر خلالها الاقتصاد.
وخلال العقد الأخير انتهج كثير من السعوديين نمط حياة أكثر حداثة أثر على عاداتهم الاستهلاكية فأصبح من الطبيعي أن يملك السعودي أكثر من هاتف محمول وأن يحرص على شراء أحدث أجهزة التكنولوجيا والملابس وأن يسافر عدة مرات في العام. وهذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم خفضا في مزايا ورواتب العاملين بالقطاع الحكومي الذين يشكلون نحو ثلثي العاملين السعوديين.
وقال ريال الشمري في تغريدة على موقع تويتر: “الله يرحم حال المواطن. رجعنا لزمن الفقر.”
وقالت إحدى المغردات “لا نعلم عن المستقبل ولكن إحساسي يقول أن القادم أسوأ أسوأ أسوأ”.
وعلى الرغم من محاولات الحكومة السعودية لطمأنة مواطنيها بأن إلاجراءات التقشفية مؤقته، إلا أن لغة الأرقام وحجم الإنفاق الحكومي المثقل بحرب طويلة الأمد في اليمن يؤشر إلى أن اقتصاد المملكة دخل مرحلة صعبة جدا.
حيث تخطط الحكومة الى جانب تقليص نفقاتها على دعم الوقود والكهرباء والمياه، الى خفض نفقاتها على الأجور العامة لتصل إلى نسبة 40% في عام 2020 حيث تبلغ الآن 45%، كجزء من خطتها الطموحة للتحول الاقتصادي بعيدًا عن الاعتماد الكلي على النفط. كما تخطط لتقليص الوظائف بنسبة 20%..
انهيار سوق الأسهم السعودية
هذا وقد إنعكست قرارات مجلس الوزراء السعودي بخفض مكافآت العاملين في القطاع الحكومي، والأوامر الملكية بتقليص رواتب ومزايا الوزراء وأعضاء مجلس الشورى سلبا على تعاملات السوق السعودي، حيث تكبد مؤشر السوق خسائر بنسبة 3.79% أو 225.9 نقطة، الى مستويات 5730.69 نقطة. وأنهت جميع الشركات المدرجة على مؤشر “تاسي” داولات اليوم في المنطقة الحمراء.
وبلغت قيمة التداول نحو 4 مليارات ريال، موزعة على أكثر من 262 مليون سهم.
وأعتبر عضو الاتحاد الدولي للمحللين الفنيين عبدالله الجبلي لـ CNBC عربية أن تدافع البيع خلال الجلسة والذي يظهر جلياً بارتفاع قيم التداول هو ما دفع المؤشر إلى هذا الانخفاض العنيف.
وأضاف أن القرارت والأوامر الملكية سوف تنعكس بشكل سلبي على العديد من القطاعات كقطاع المصارف والتجزئة والعقارات. يذكر أن المستويات التي أغلق عليها السوق السعودي هي الأدنى منذ فبراير/شباط 2015.
كما يعلم الجميع، انخفضت قيم التداول اليومية لسوق الأسهم السعودية مؤخرًا إلى مستويات مخيفة بلغت ما دون 2 مليار ريال في بعض الجلسات وهي بلا شك مستويات مقلقة جدًا للمستثمرين والمضاربين على حد سواء عدنا بها إلى مستويات أكثر من 15 عامًا، والحقيقة أن السوق بعد أن سجلت أعلى مستوياتها التاريخية في قيم التداول عند متوسط يومي بلغ 21 مليار ريال في عام 2006م وهي منذ ذلك الحين تسجل مستويات منخفضة تدريجيًا عامًا بعد عام حتى بلغ متوسط قيم التداولات اليومية لعام 2014م نحو 8.5 مليار ريال ولعام 2015م نحو 6.6 مليار ريال!
وعندما ندرك حقيقة انخفاض التداول اليومية في سوق الأسهم السعودية بهذا الشكل، فإننا حتمًا سندرك معها حقيقة فقدان ميزة مهمة كانت تميز السوق السعودية عن بقية أسواق المنطقة ألا وهي ميزة «السيولة» التي كانت مصدر جذب مهم للمستثمرين وللمضاربين وللشركات، حيث إن انخفاض قيم التداول اليومية سيجعل من قرارات شراء أو بيع الأسهم (الدخول والخروج) أكثر صعوبة وسيجعل من أهمية السوق كمصدر رئيس لتمويل الشركات (بتحولها من شركات مساهمة مغلقة إلى شركات مساهمة عامة) ليس له أي قيمة بمجرد أن نشاهد فشلاً واحدًا فقط لتغطية اكتتاب عام وهو أمر متوقع تتزايد احتمالاته يومًا بعد يوم.
بل إننا قد نشهد مستقبلاً مزيدًا من الانخفاض في قيم التداول اليومية لسوق الأسهم السعودية بسبب تعديل هيئة السوق المالية على تعديل المدة الزمنية لتسوية صفقات الأوراق المالية مما يعني أن جزءًا كبيرًا من المضاربات اليومية للأسهم (الضعيفة أساسًا حاليًا) التي تعتمد على مبدأ التسوية الفورية لصفقات شراء وبيع الأسهم قد تختفي مستقبلاً وهذا قد يزيد الضغط على قيم التداول اليومية.
إضافة إلى ذلك وبكل أمانة، فإن مشروعات الخصخصة الحكومية فهي الأخرى ربما تضغط على قيم التداول اليومية بشكل مباشر على اعتبار أن يستثمر في سوق الأسهم السعودية ربما سيجد فرصًا استثمارية مغرية في مشروعات الخصخصة تقدم له عائدًا ومخاطرة أفضل من تلك التي يجدها في الشركات المدرجة في سوق الأسهم، مما يدل على أن الصورة المستقبلية لقيم التداول اليومية في سوق الأسهم ستبقى غير واضحة المعالم حتى إشعار آخر والله أعلم.