تواجه تجارة الكيان الصهيوني – بمنطقة الشرق الأوسط – تهديدات جسيمة ما ينذر – وفق تقارير إعلامية – بتعرّض اقتصاد الكيان لأضرار كبيرة، خاصة على مستوى العلاقات التجارية مع آسيا التي بلغت قيمتها 41 مليار دولار في العام 2022، وفقاً للبيانات الإحصائية. ومع ذلك، فإن الأمر لا يقتصر على هذا النطاق فحسب، بل يشمل كل قطاع الملاحة الدولية في البحر الأحمر، على اعتبار أن مضيق باب المندب يمثّل بوابته الجنوبية؛ وهكذا، فإن هجمات القوات البحرية اليمنية باتت تشكل تهديدًا جادًا للاقتصاد العالمي المتجه ـ أساسا ـ إلى الركود بسبب تداعيات العدوان الصهيوني على قطاع غزة.
انضمت “إم إس سي ميدترينيان” (MSC)- أكبر شركة حاويات في العالم ومقرها سويسرا – إلى مجموع شركات الملاحة البحرية التي أعلنت تعليق أو تحويل مسار سفنها بعيداً عن البحر الأحمر، لتجنب تهديد الهجمات التي تشنها قوات البحرية اليمنية ضد سفن الكيان الصهيوني أو المتوجهة إلى موانئه.
كما أعلنت مجموعة الشحن الفرنسية “سي. أم. إيه- سي.جي.أم” (CMA CGM)، يوم السبت، وقف عبور جميع شحنات الحاويات من البحر الأحمر. وقبل ذلك، كانت شركتا “ميرسك” الدنماركية و”هاباغ-لويد” الألمانية للنقل البحري قد أعلنتا يوم الجمعة تعليق مرور سفنهما في البحر الأحمر.
وتعرضت السفينة “أم.أس.سي بلاتيوم 3″، التي ترفع العلم الليبيري، لهجوم يوم الجمعة بطائرة مسيرة في مضيق باب المندب في الطرف الجنوبي للبحر الأحمر، وكل هذا وأكثر، يأتي في ظل هجمات تنفذها قوات البحرية اليمنية، “نصرة لأهالي غزة” الذين يتعرضون لمحرقة صهيونية لم يشهد لها التاريخ مثيلا.
كابوس مرعب
فبعد هجومها على سفينتين إسرائيليتين في البحر الأحمر، واحتجازها سفينة تعود ملكيتها إلى رجل أعمال إسرائيلي في مضيق باب المندب، خلال الأسابيع القليلة الماضية، أعلنت القوات اليمنية السبت الماضي توسيع نطاق عملياتها ليشمل أي سفينة متجهة إلى الكيان بغض النظر عن جنسيتها “إذا لم يتم إدخال الغذاء والدواء لقطاع غزة”، وفق ما أعلن عنه الناطق العسكري باسم الجيش اليمني العميد يحيى سريع.
وفي الأسابيع الأخيرة، كثفت قوات البحرية اليمنية هجماتها قرب مضيق باب المندب الذي يُعدّ إستراتيجيا للنقل البحري إذ يفصل شبه الجزيرة العربية عن إفريقيا وتمر عبره 40 % من التجارة الدولية، غير أن مخاوف الكيان الصهيوني وحلفائه بلغت أعلى مستوى في أعقاب الهجوم اليمني ـ بصاروخ كروز ـ على ناقلة الكيماويات النرويجية “ستريندا”، يوم الإثنين الماضي.
بل أدهى وأمر!
هذا الهجوم جاء بمثابة كابوس مرعب أجبر القيادة المركزية الأمريكية “سنتكوم” على الاعتراف به في منشور على منصة “أكس”، فقد تم الاستهداف على بعد 60 ميلاً بحرياً شمالي مضيق باب المندب، ما دفع مجلس الأمن القومي الصهيوني، الأربعاء الماضي، إلى إصدار “تعليمات عاجلة إلى موانئ”الكيان تقضي بحذف “البيانات من مواقعها الإلكترونية المتعلّقة بوصول ومغادرة السفن”، بحسب ما ذكره موقع “غلوبز” الإسرائيلي.
ويبلغ طول الناقلة “ستريندا” 144 مترا، بنيت في 2006 وكانت تبحر باتجاه قناة السويس حين أصابها الصاروخ اليمني، وتعود ملكية السفينة لـ”موينكل كيميكال تانكرز إيه إس” وهي شركة مقرها الرئيس في بيرغن في النرويج.
وجاء الهجوم على السفينة مع تزايد التهديدات من الجيش اليمني على السفن التجارية في المنطقة بسبب العدوان الصهيوني على غزة، فقد نفذ اليمنيون سلسلة من الهجمات على السفن في البحر الأحمر، كما أطلقوا طائرات مسيّرة وصواريخ استهدفت عمق الكيان. وفي منتصف نوفمبر الماضي، استولى جنود يمنيون ـ من فرقة خاصة ـ على سفينة شحن إسرائيلية في البحر الأحمر.
غير أن الأدهى والأمر ـ بالنسبة إلى الكيان الصهيوني وحلفائه ـ أن سلاح الجو المسيّر في القوات المسلحة اليمنية، نفذ يوم السبت، عملية عسكرية على أهداف حساسة في منطقة أم الرشراش “إيلات” جنوبي فلسطين المحتلة، بدفعة كبيرة من الطائرات المسيّرة.
وجاء في بيان القوات المسلحة اليمنية أنّ ذلك يأتي انتصاراً لمظلومية الشعب الفلسطيني الذي يتعرض في هذه الأثناء للقتل والتدمير والحصار في قطاع غزة، وتنفيذاً لتوجيهات القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، وأيضاً استجابةً لنداءات الأحرار من أبناء الشعب اليمني.
وأكّدت القوات المسلحة استمرار عملياتها العسكرية ضد كيان الاحتلال الصهيوني حتى يُوقف عدوانه على قطاع غزة. وقبل أسبوع، أطلقت القوة الصاروخية اليمنية دفعة من الصواريخ البالستية على أهداف عسكرية للاحتلال في منطقة أم الرشراش.
وإضافةً إلى استهداف “إيلات” بالصواريخ والمسيرات، يفرض اليمن حصاراً على ميناء المدينة من خلال منعه جميع السفن المتجهة إلى كيان الاحتلال من عبور كلٍّ من البحر العربي والأحمر، ما أدّى إلى توقف وصول السفن التجارية إلى الميناء بشكل شبه كامل، وذلك رداً على الحصار الذي يفرضه الاحتلال على قطاع غزة.
وفي ظل هذا التصعيد من الجبهة اليمنية، بات قطاع التجارة الخارجية لدى الكيان مهدّدا ببلوغ ـ فعلا ـ حالة الوضع الحرج، فيما ترتفع الأسئلة ـ في كل مكان ـ حول مستوى الضرر الذي سيتكبده الاقتصاد العالمي في حال استمرت هجمات الجيش اليمني في البحر الأحمر، وهو الموضوع الذي تطرحه “الأيام نيوز” في ملف هذا العدد.
تحويل مسار الملاحة إلى “رأس الرجاء الصالح” بديل مكلّف..
تجنّب مضيق باب المندب قد يكلّف مليون دولار إضافية لكل سفينة تصل الكيان
نحو 99 % من البضائع تشحن إلى الكيان عبر الملاحة البحرية!
في خضمّ الوضع الذي هيمن على مضيق باب المندب بالبحر الأحمر، يتجه منحى ملاحة السفن المتجهة إلى الكيان الصهيوني إلى ملامسة خط الصفر، ما يعني وقف عمليات الشحن إلى الكيان الصهيوني عبر هذا الشريان الهام، فماذا يعني هذا، وماهي تداعيات هذا الوقف المفاجئ المفروض كقدر محتوم لا يُصدّ؟
أجاب موقع “كالكاليست” الصهيوني عن هذا السؤال في تقرير له ـ يوم السبت ـ بالقول: إنّ قرارات وقف عمليات الشحن إلى الكيان عبر البحر الأحمر يعني ارتفاع أسعار البضائع التي تصل إلى هناك عبر قناة السويس، بسبب امتداد الرحلة أو انخفاض العرض، وبما أنّ ما يقرب من 14 إلى 12% من التجارة العالمية تمر عبر قناة السويس، “فهذه عاصفة حقيقية قد تؤثر على أسعار السلع الأساسية لدى الكيان”، وفقاً للموقع ذاته.
وثمة أرقام ذكرها الدكتور إلياكيم بن هاكون من كلية علوم البيانات لدى الكيان تفيد بأنّ “حوالي 99% من البضائع (من حيث الحجم) تصل إلى الكيان عن طريق البحر، وحوالي 40% من البضائع التي تصل إلى الكيان تمر عبر قناة السويس”.
وللتوضيح أكثر، قال “بن هاكون” لـ”كالكاليست”، إن “معنى إيقاف مرور السفن في البحر الأحمر هو الدوران حول إفريقيا، ما سيؤدي إلى تمديد حوالي أسبوعين إلى شهر في مواعيد التسليم، حسب الوجهة المقصودة: (نوع الرحلة، سرعة الإبحار وفئة السفينة). وفي تقدير تقريبي، تبلغ هذه التكلفة الإضافية ما بين 400 ألف دولار إلى مليون دولار لكل سفينة”!
هل من بدائل؟
وللتفصيل أكثر في الموضوع، يمكن طرح سؤال عن إمكانية وجود “بدائل”عن استخدام البحر الأحمر، وليكن السؤال كالآتي: كيف تكون التكلفة إذا اختارت الشركات الإبحار حول إفريقيا؟
رئيس غرفة الشحن الإسرائيلية “يورام زيبا” أعطى تقديرا للتكلفة الصافية المضافة، إذ رأى أنها تصل إلى “نحو مليون دولار لكل رحلة”، وإذا تم إلغاء خط معين فإن التكلفة ستكون حوالي النصف، فحينها لا يكون هناك استهلاك للوقود. واستدرك يورام زيبا موضحا “يجب أن تضاف إلى التكاليف جميع الأضرار التي لحقت بالمستوردين والمصدرين ومن خلالها التبعات الاقتصادية على المستهلكين النهائيين” وأخيراً ـ يضيف المتحدث ـ”إن كل من استفاد من الخط في الوقت الطبيعي، مثل قناة السويس، سيعاني”.
وبالعودة إلى الدكتور إلياكيم بن هاكون الذي تحدث إلى الموقع المذكور، فإن القرار الذي اتخذته شركة “ميرسك” الدنماركية ـ ثاني أكبر شركة في الشحن البحري ـ سيكون له صدى في أماكن أخرى، سواء في شركات التأمين أو في الشركات التي لديها مستوى معين من الملكية أو المسؤولية عن الأضرار التي تلحق بهيكل السفينة أو تشغيلها (شركات الشحن، التأجير، وما إلى ذلك)”.
وبحسب بن هاكون، فإن عواقب التأخير في طرق الإمداد قد تمتد إلى قطاعات أخرى في الصناعة، ويرجع ذلك أساسًا إلى التأخير في نقل النفط الخام ونواتج التقطير، “بما أن الوقود مادة خام بالنسبة إلى مجموعة واسعة من القطاعات، فسيكون لذلك آثار اقتصادية إضافية، خاصة في الصناعات التي تستهلك الطاقة بكثافة والتي لا تعتمد على الغاز الطبيعي أو الطاقة الخضراء”.
أزمة بحرية تعطّل 53% من تجارة الحاويات العالمية
من جهتها، كشفت مجلة “ذي إيكونوميست” أنّ الشركات الـ4 التي أوقفت ملاحتها في البحر الأحمر تمثّل 53% من تجارة الحاويات العالمية، متحدثةً عن “أزمة بحرية”، على خلفية عمليات القوات المسلّحة اليمنية، والتي من شأنها أن “تحوّل الحرب في غزّة إلى مسألة عالمية لها آثار على الاقتصاد العالمي”، على حدّ تعبير المجلّة.
وذكر المصدر ذاته أنّ شركتي “ميرسك” الدنماركية و”هاباغ – لويد” الألمانية أوقفتا خدماتهما مؤقتاً في 15 ديسمبر الجاري، وتبعتهما، في اليوم التالي كل من (CMA CGM) و(MSC)، لافتةً إلى أنّ مشغلي الحاويات الصغيرة، وكذلك ناقلات البضائع السائبة الجافة وشركات ناقلات النفط، يمكن أن يحذوا حذوها.
التهديد في البحر الأحمر، وبالتالي إغلاق طريق قناة السويس نحو أوروبا، من شأنه أن يرفع تكاليف التجارة، مع إعادة توجيه الشحن حول إفريقيا، ما يستغرق المزيد من الوقت، ويزيد أقساط التأمين، بحسب ما ذكرت المجلة.
وأوضحت المجلة أنّ إعادة توجيه التجارة على نطاق واسع سيخلق عثرات في سلسلة التوريد على المدى القصير، ورجّحت أن “الأزمة الأمنية” في البحر الأحمر تهدّد الشحن البحري في بحر العرب المجاور، والذي ربما يمر من خلاله ثلث إمدادات النفط العالمية المنقولة بحراً، وبذلك فإن التكاليف الاقتصادية سترتفع بشكل كبير. واستنتجت المجلة أنّ تداعيات أزمة حركة السفن في البحر الأحمر على الاقتصاد العالمي هي السبب في ميل الولايات المتحدة وحلفائها إلى التحرك، مؤكدةً أنّ تهديد القوات المسلّحة اليمينة “شاق ومعقّد”. وأشارت إلى أنّ مستوى تعقيد بعض الأسلحة المستخدمة مرتفع، وفي هذا السياق، اعترف المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية أنّ هذه القوات تملك ترسانة صواريخ عملاقة مضادة للسفن، بما في ذلك الصواريخ التي يصل مداها إلى 800 كيلومتر”.
وذكرت “ذي إيكونوميست” أنّ أسطولاً متعدد الجنسيات بقيادة البحرية الأمريكية يحاول إبقاء الأزمة تحت السيطرة، لكنّ اليمن أثبت أنّه “من المرجّح أن يحقق النجاح إذ إن بعض الطائرات دون طيار والصواريخ تمكنت من الوصول إلى أهدافها”، وفق ما أقرّت به “ذي إيكونوميست”.
وعلى الرغم من أنّ هذه القوات البحرية اعتمدت على فكرة توفير مرافقة مسلحة للشحن التجاري، وهو ما لجأت إليه الولايات المتحدة في الثمانينيات، إلا أنّ هذه العمليات تتطلب موارد كثيفة، وتتطلب عدداً كبيراً جداً من السفن الحربية، وفقاً لمصادر بحرية مشاركة حصلت عليها المجلة.
وإذا كان الحل في البحر الأحمر هو “توجيه ضربةٍ لصنعاء وترسانتها الصاروخية ومنصات الإطلاق”، فإنّ واشنطن “غير راغبة في توسيع نطاق تدخلها في الشرق الأوسط”، هذا من جهة حسب المجلة التي تابعت: ومن جهة أخرى فإنّ “سلطة الكيان” لا تريد صراعاً جديداً، في ظل القلق من حزب الله في لبنان، وفي ظل الضغوط الأمريكية لعدم الاستمرار في العدوان على غزّة.