انقلاب شامل على الرياض: قبائل مأرب تجنح للسلام

 

تشهد محافظة مأرب انقلاباً حقيقياً على السعودية، التي لم تَعُد أدواتها القديمة في ابتياع الولاءات فاعلة، بعد ستّ سنوات من سيطرة الميليشيات الموالية لها على المحافظة. واحدةً تلو أخرى، تنضمّ القبائل إلى «اتفاقيات السلام» المعقودة مع صنعاء، من أجل تجنيب مناطقها القتال. اتفاقيات لا تني الرياض تفعل كلّ ما في وسعها من أجل إبطالها، من دون أن تفلح في ذلك، وهو ما يُمثّل صدمة كبيرة لها بالنظر إلى تجذّر أدواتها وتقادمها في مأرب، والعلاقات التاريخية التي تجمعها بوجوهها

بعيداً عن أيّ إغراءات مالية، فتَحت حكومة الإنقاذ في صنعاء، خلال الأيام الفائتة، جميع قنوات التواصل – الرسمية وغيرها – مع قبائل مأرب، وجدّدت دعوتها أبناء المحافظة، المنخرطين في القتال إلى جانب التحالف السعودي – الإماراتي، إلى تجنيب المدينة التي يسكنها أكثر من مليونَي نسمة، مئاتُ الآلاف منهم من النازحين، تبعات الصراع، فاتحةً باب العودة إلى صنعاء أمام المسؤولين الموالين للرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، عسكريين كانوا أو مدنيين. تَوجُّه صنعاء التفاوضي هذا، والمتزامن مع تقدُّم قواتها نحو محيط مدينة مأرب من أكثر من اتجاه، يأتي بعد نجاح حركة «أنصار الله» في إبرام تفاهمات مع قبائل الجدعان التي تمتدّ سيطرتها على مديريات مجزر ومدغل ورغوان غرب المدينة، وأخرى مع قبيلة بني عبد التي تسيطر على مديرية العبدية جنوبي المحافظة، جنّبت مناطق واسعة من تلك المديريات القتال. وعلى رغم رهان السعودية على موقف قبيلة مراد، التي تُعدّ قوة كبيرة في المحافظة وتسيطر على مديريات رحبة والجوبة وجبل مراد والمأهلية وحريب، لصدّ تقدُّم الجيش و»اللجان الشعبية» في جبهات جنوب المحافظة، إلا أن قيادة صنعاء تمكّنت، مطلع أيلول/ سبتمبر الماضي، من إبرام عدد من الاتفاقيات مع قبائل مراد، بما حيّد مناطق واسعة من المديريات المذكورة أخيراً، والتي سقطت تحت سيطرة الجيش و»اللجان الشعبية»، ما عدا بعض المناطق، فيما احتدم القتال مع قوات هادي، بإسناد مقاتلين من «مراد» موالين للسعودية، في أجزاء من مديرية جبل مراد.

وليست تجربة صنعاء في إزالة الحواجز بينها وبين قبائل مأرب والتوصُّل معها إلى اتفاقيات ملزمة، جديدة. فخلال السنوات الماضية، تمكّنت من عقد عدّة اتفاقيات مع قبائل جهم وبني جبر، والتي تنتشر في مديريتَي بدبدة وحريب القراميش الواقعتَين على التماس مع مديريات شرقي صنعاء، فضلاً عن سيطرة «بني جبر» على مديرية صرواح. ومع وصول المواجهات إلى أراضي قبيلة عبيدة التي يمتدّ نفوذها من محيط مدينة مأرب وصولاً إلى وادي عبيدة وصافر والرويك القريب من منفذ الوديعة الرابط بين السعودية واليمن، فَتَحت صنعاء، أخيراً، جميع قنوات التواصل مع «عبيدة» التي نادى زعيمها، الشيخ محسن بن علي بن معيلي، قبل وفاته عام 2018، زعيم حركة «أنصار الله» عبد الملك الحوثي، بقصيدة شعرية أبدى فيها استعداد قبيلته لاستقبال الجيش و»اللجان» والقتال معهما لتحرير مأرب. وبحسب مصدر قبلي تحدّث إلى «الأخبار»، فقد تَمكّنت حكومة صنعاء من التوصُّل إلى اتفاقيات مع عدد من مشائخ قبيلة عبيدة خلال الأيام الماضية، لتجنيب عدد من مناطق القبيلة المواجهات. وأشار المصدر إلى أن «الاتفاقيات الأخيرة تمّ التحفُّظ عليها ولم تُعلَن رسمياً حرصاً على سلامة أطرافها، وهي ستُنفّذ حال وصول الجيش واللجان إلى المناطق المعنيّة بها»، مضيفاً أن «التواصل والتفاوض لا يزالان مستمرّين بين صنعاء وعدد من قبائل مأرب، عبر مشائخ ضمان لهم ثقل قبلي كبير».

 

ليست تجربة صنعاء في إزالة الحواجز بينها وبين قبائل مأرب جديدة

إزاء ذلك، يُتوقّع نجاح صنعاء في قلب الطاولة على «التحالف» وحكومة هادي من الداخل، خصوصاً أن استجابة قبائل مأرب لنداءات «الإنقاذ» لم تأتِ من فراغ، بل نتيجة لأخطاء تراكمية ارتكبها حزب «الإصلاح» (الإخوان) ضدّ القبائل على مدى ستّ سنوات، حيث سيطر بالقوة على إيرادات المحافظة وثرواتها، وحاول إخضاع منطقة لم يسبق لها أن خضعت لأيّ سلطات مركزية أو محلية على مدى العقود الماضية. ومن هنا، يُستبعد أن تُجدي التهديدات والإغراءات السعودية للقبائل المتعاونة مع «أنصار الله» نفعاً، لكون ميليشيات «الإصلاح» ارتكبت أبشع الجرائم بحق القبائل خلال السنوات الثلاث الماضية، فداهمت منازل «الأشراف» مطلع العام 2019 بالدبابات، وقصفت المزارع، وأحرقت المنازل، وأبادت العام الماضي أسرة آل سبيعيان، وقاتلت آل حتيك وآل شبوان وآل جلال وآل مثنى وقبائل أخرى تنحدر من «عبيدة» التي تسيطر على النصف الشرقي بأكمله من المحافظة.

وكان «التحالف» رفع، أخيراً، مستوى تهديداته للقبائل المتعاونة مع قوات صنعاء، وشدّد ضغوطه على أخرى يُعدّ زعماؤها موالين له لإجبارهم على نقض الاتفاقيات المبرَمة مع الجيش و»اللجان». كذلك، وجّهت قيادة قوات هادي، عناصرها، بعدم الالتزام بأيّ اتفاقيات من هذا النوع. وبعد أيام من تعمُّدها إفشال اتفاق جديد أُبرم مع شيخ منطقة الزور، محمد علي طعيمان، شرق جبهة صرواح، شنّت طائرات العدوان عشرات الغارات على المنطقة، وحَوّلها إلى ساحة حرب استمرّت لعدّة أيام إثر اقتحام قوات هادي أطرافها، قبل أن تنتهي المواجهات بسيطرة الجيش و»اللجان» عليها. وتحت ضغوط سعودية أيضاً، نقضت قوات هادي اتفاقاً قبلياً ساري التنفيذ منذ سنوات بين صنعاء وقبائل بني ضبيان وخولان، لتحييد مناطق واسعة ممتدّة من خولان غرب العاصمة صنعاء، وصولاً إلى مناطق شرق صرواح. ووفقاً لمصدر قبلي، فإن قوات هادي اخترقت، مساء السبت، بإسناد جوي سعودي، اتفاق السلام في منطقة الراك شرق صرواح، مُحاوِلةً فتح جبهة جديدة ممتدّة من شرق صرواح إلى غرب صنعاء، وساعيةً في السيطرة على آخر منطقتين في وادي ذنة وحصن مطول والراك التي توجد فيها المئات من الأسر النازحة، ما أدّى إلى اندلاع مواجهات عنيفة استمرّت لساعات، وانتهت بسقوط المنطقة تحت سيطرة قوات صنعاء.

وتعكس محاولات السعودية وقوات هادي إفشال أيّ اتفاقيات تُبرَم في مأرب، مخاوفها من انقلاب القبائل المفاجئ ضدّها، وفشل سياسة الإغراء والاحتواء التي استخدمتها في أوساط «عبيدة» و»مراد» خلال الفترة الماضية، وانقسام القبائل التي قاتلت في صفوف قوات هادي بدعم سعودي مباشر، من جرّاء مصادرة 120 مليون ريال سعودي سَلّمتها الرياض لعدد من المشائخ الموالين لها في مأرب لتحريك جبهة مراد، ولم تُصرَف للمقاتلين القبليين أواخر العام الماضي، إضافة إلى اتهام القبائل، «الإصلاح» والسعودية، بتصفية أبنائها بغارات صديقة بشكل متعمّد، بعد تكرارها خلال الأشهر الماضية ضدّ مواقع كانت تحت سيطرة مسلّحين قبليين.

 

الاخبار اللبنانية

قد يعجبك ايضا