انعطافة بن سلمان نحو إيران.. أيّ دور لصمود اليمنيين؟
لم يكن أحد من متابعي الأحداث الجارية في المنطقة، من اشتباك وصراعات وخلافات، وخصوصاً تلك التي تتمحور حول الخلاف العميق والشائك بين السعودية وإيران، ينتظر ما صدر عن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من مواقف إيجابية تجاه إيران، لا لأن هذا التحول كان مستحيلاً، ففي السياسة لا يوجد شيء ثابت، ومواقف المتخاصمين، مهما كانت متطرفة أو عدائية ضد بعضهم بعضاً، تتغيّر أو تتبدّل وفقاً لتبدّل المعطيات أو الأوضاع، بل لعدم تسجيل أي جديد متغير وطارئ في الوقائع المرتبطة بهذه العلاقة، على الأقل في السنوات الأربع أو الخمس الأخيرة، الأمر الذي يدعو إلى التّساؤل عن مضمون هذا التحوّل.
لذلك، وفي حين لم يحدث أيّ تغيير عملياً في النقاط المتعلقة بالنفوذ الإيراني أو بالقدرات النووية أو الصاروخية، بحيث يمكن أن تكون عاملاً مؤثراً في تبدل نظرة ولي العهد السّعودي وموقفه من إيران، لم يتبقَّ إلا الموقف من الحرب على اليمن، والتي يفترض أن تكون وراء هذا التبديل، وذلك على الشكل التالي:
بعد 6 سنوات من الحرب على اليمن، والتي كان يفترض أن تنتهي بتحقيق أهداف السعودية خلال أسابيع قليلة كحدّ أقصى، لم يعد الموضوع، بفضل صمود وثبات أبناء اليمن والجيش واللجان الشعبية، موضوع دفاع عن الداخل اليمني فقط، بل تطوّرت المواجهة إلى ما وراء الحدود اليمنية، وأصبح العمق الاستراتيجي للسعودية وأمنها القومي مهددين بشكل جدي.
وبفضل ثبات اليمنيين وتطويرهم القدرات النوعية، أثبتت السعودية، رغم كلّ الدعم الغربي، فشلها في حماية عمقها، وبدت عاجزة عن احتواء واستيعاب الاستهدافات اليمنية الفاعلة لأغلب نقاطها ومواقعها الحيوية، العسكرية أو الاقتصادية.
والأهم في هذه المواجهة ما يشهده الميدان اليمني حالياً، والمتعلق بمعركة تحرير مأرب، التي أصبحت، في نهاياتها الفعلية، إذ يتصاعد الغليان السعودي والغربي أمام التقدم النهائي لـلجيش اليمني واللجان الشعبية على أبواب المدينة الأهم شمال شرق اليمن، والتي تشكّل نقطة الارتكاز الأخيرة للتحالف السعودي في اليمن، إذ تفقد السعودية، بخسارتها، آخر أمل بإعادة تغيير مسار المواجهة أو تبديله أو تعديله، لتكون بعد تحريرها الهزيمة الكبرى للرياض في الحرب التي شنّتها بداية باستخفاف، وهي تتوسّل في نهايتها إيجاد مخرج مناسب لها منها.
من هنا، جاءت مبادرة بن سلمان التودّدية لإيران، والتي لا شك في أن أساس أهدافها يتعلق بمحاولة حثيثة لاحتواء الحرب على اليمن وإلغاء تأثيراتها السلبية في الداخل السعودي، لتساهم إيران، من موقعها القريب والمؤثر مع أبناء اليمن، في إيجاد المخرج المناسب أو المعقول للسعودية من مستنقع اليمن.
شارل أبي نادر