انسحاب السودان من اليمن: حقيقة أم مناورة؟
الحقيقة/سناء إبراهيم
بصيغ متنوعة ومتعددة الأوجه، يعلن السودان عن تقليص عدد قواته في اليمن، وانسحابه رويدًا رويدًا من تحت غطاء تحالف العدوان، وذلك بعد قرابة أربع سنوات عاث خلالها قتلاً وانتهاكاً وجرائم. تتجه الأنظار نحو هذا “الانسحاب” المكرّس بفعل سياسات “الحلفاء” تارة، والانهيار والخسائر الفتاكة التي ألمّت بعناصر الجيش السوداني تارة أخرى.
رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك كشف عن خفض عدد القوات السودانية العاملة ضمن التحالف من 15 ألف إلى 5 آلاف جندي، على أثر عودته من واشنطن في 11 كانون الأول/ديسمبر 2019. لم يكن هذا الاعلان هو الأول حيال سحب القوات، إذ سبق في بداية تشرين الثاني/نوفمبر2019، أن أعلن قائد “قوات الدعم السريع”، محمد حمدان دقلو، المعروف بـ”حميدتي”، سحب عشرة آلاف من قواته المشاركة في الحرب التي يشنها “التحالف” بقيادة السعودية على اليمن، حيث أشار حينها الى أنه لا ينوي استبدالها بعناصر أخرى بغية تخفيف عدد المشاركين في العدوان، المقدّر عددهم بنحو 30 ألف مقاتل.
تقليص القوات يبدو لافتاً في تزامنه مع إعلان أبوظبي عن إعادة تموضع قواتها في اليمن، ضمن رسالة واضحة اعتبرت أنها تنضوي ضمن الخلافات بين الإمارات والسعودية على أرض اليمن. في ظل مشهد يكبر على ساحة الميدان، رسمته القوات اليمنية عقب عرضها مشاهد لهزيمة عناصر تحالف العدوان. عند قراءة أساب تقليص القوات السودانية، لا يمكن تجاهل أنه يأتي تحت ضغط الضربات اليمنية التي صانت البلاد على امتداد سنوات من همجية العدوان وجعلت من السودانيين كبش فداء أمام الرياض وأبوظبي في عدوانهما على البلد الجار، الأمر الذي دفع الشعب السوداني إلى رفع الصوت للمطالبة بضرورة الانسحاب. كما يطالب الشعب السوداني بحماية أبنائه الذين يعودون جثثاً هامدة، أو أشلاء أو ربما لا يعلمون عنهم شيئاً، ضمن حرب ضروس استُجلِبوا إليها بقرار سياسي يخدم نظامين خليجيين يتحركان وفق مصالح كل منهما فحسب.
عضو “تنسيقية شباب الثورة السودانية في الخارج”: تقليص القوات جاء بتوجيه إماراتي بعد التسوية بين الإمارات والسعودية
وفي حديث خاص لموقع “العهد” الاخباري، يشكك عضو “تنسيقية شباب الثورة السودانية في الخارج” عبد الباقي عثمان، بماهية “الانسحاب” المعلن لعسكر بلاده من اليمن، ويقول إن “الخروج حقيقي وواقعي، لكنه لم يكن قراراً سياسياً وتصحيحاً للموقف السوداني من المشاركة في العدوان، أو استجابة لمطالب الثورة الشعبية، بل إنه إجراء روتيني يختص بالمؤسسة العسكرية وروتين تغيير القوة وتجديد الجنود”، منبهاً إلى أن العدد الذي تم سحبه في الدفعة الأولى يساوي ثلث القوة الموجودة، وهي التي تمثل أكبر قوة عسكرية في التحالف، بحسب ما قال الجنرال حميدتي، حين خاطب جماهيره في “محلية” شرق النيل بمنطقة أبرق الشيخ، وأعلن أن القوة السودانية تعادل 30 ألف مقاتل.
ويبين عضو “تنسيقية شباب الثورة السودانية في الخارج” أن “القوة السودانية الموجودة في جنوب اليمن تتبع القيادة الإماراتية، ويتم ترحيلها إلي عدن عن طريق القاعدة الإماراتية في أريتريا، ما يبرز أن سحب القوة التابعة للجيش السوداني، جاء بتوجيه إماراتي بعد التسوية التي تمت بين الإمارات والسعودية”.
في المقابل، يقلل عثمان من انعكاسات الانسحاب على طبيعة علاقات عواصم تحالف العدوان مع الخرطوم، قائلاً: “لا أظنه ينسحب من تحالف العدوان بصورة نهائية، خاصة أن على رأس قيادة العسكر السوداني كل من رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، حميدتي، وشركاؤهما من قوى الحرية والتغيير”، وتابع “الجميع يعلم أن القرار الوطني والسيادة الوطنية منعدمة، وأن قادة البلاد مرتهنون لمحور الشر من أجل المال والحماية”.
الواقع يبرز، وفق عضو “تنسيقية شباب الثورة السودانية في الخارج”، أن عملية الانسحاب تأتي متوافقة مع أهداف إقليمية، تسعى نحوها الإمارات الساعية للتواصل مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والعمل على إعادة افتتاح سفارتها في سوريا، وكذلك هناك أهداف سعودية، تعمد إلى فتح قناة حوار مباشرة مع “أنصار الله”، وذلك “عقب اختبار نظام الرياض لبسالة المقاومة وقدرتها علي تنفيذ عمليات في عمقه الحي”.
المفارقة هنا، بين السياسة والميدان، إذ تأتي القرارات السودانية متزامنة مع أهداف دول العدوان، التي لم تسلم من الضربات اليمنية، وهي التي استبقت بكشف “أنصار الله” ممثلة بالقوات المسلحة عن حجم الخسائر التي تكبدها الجيش السوداني منذ بداية العدوان إذ فاقت أعدادهم ثمانية آلاف، منهم 4253 قتيلاً. ولا شك أن دور الخرطوم، لم يكن ليكون له تواجد في “التحالف” من غير الإرادة والنفوذ الأميركي، نفوذ يمكن أن يسحب هذه القوات من اليمن، ليزج بها في مشاريع استعمارية أخرى بينها ليبيا، وفق ما يرجح المشهد العام، ولعل هذا الترجيح تثبته أو تنفيه الأسابيع المقبلة.