انتعاش ذاكرة «النيران الصديقة»: البحرية الأميركية أمام معركتها «الأخطر»

 

تزامناً مع إعلان قوات صنعاء، أمس، استهداف حاملة الطائرات «يو أس أس هاري أس ترومان»، وعدد من المدمراتِ التابعةِ لها، في معركة أسفرت عن سقوط طائرة «إف -18»، أثناء محاولة المدمرات الأميركية التصدي للمسيرات والصواريخ اليمنية، عاد مصطلح «النيران الصديقة» ليتصدر الواجهة مجدداً في الإعلام الغربي، لا سيما أنّ مثل تلك الحوادث تشكل مصدر «قلق» للمسؤولين والرأي العام الأميركي على حدّ سواء، في وقت لا يبدو فيه أنّ التكنولوجيا عالية الدقة، والتي يستحوذ عليها الغرب، قادرة على وضع حدّ لها. وبعدما استعدت البحرية الأميركية، طوال عقود، لمحاربة الاتحاد السوفياتي، ثم لاحقاً روسيا والصين، على الممرات المائية في العالم، فقد وجدت نفسها اليوم، بدلاً من ذلك، تخوض أكبر معاركها مع جماعة «أنصار الله» اليمنية، ما دفع ببعض المسؤولين والخبراء في البحرية الأميركية، في صيف عام 2024، إلى تصنيف المعركة في البحر الأحمر على أنّها «أعنف معركة تخوضها هذه البحرية منذ الحرب العالمية الثانية».
وبالعودة قليلاً إلى الوراء، نشر موقع «جايستور» الأميركي، في عام 1955، تقريراً حول حوادث «النيران الصديقة» التي أودت بحياة عدد كبير من الجنود الأميركيين أو تسببت في جروح لهم، تاريخياً، لافتاً إلى أنّ تلك الحوادث تزيد من «مخاوف» الرأي العام حول الحروب التي تخوضها واشنطن، بدلاً من «تخفيفها». وآنذاك، كان الهدف من البحث تسليط الضوء على ضرورة أن تكون «البحرية الأميركية» جاهزة لفكرة أنّ المعارك الأميركية القادمة ستتمركز، بشكل خاص، في البحر، بما في ذلك في المياه الضحلة، وستشمل عمليات برمائية لا تشبه حرب «المحيطات المفتوحة»، والتي تم خوضها في السابق، محذراً من أنّه في حال تكرار وقائع «النيران الصديقة» مستقبلاً، فإنّ خسائر «هائلة» ستترتب عليها. وإذ يشير التقرير إلى أنّ هذه الحوادث وقعت في كل حرب تقريباً، فهو يؤكد أنّ عملية «عاصفة الصحراء» كانت «مميزة» بشكل خاص من حيث عدد الوقائع وقوتها، رغم أنّ العمليات الجوية والبرية، لا البحرية، كانت طاغية عليها.
ومع اشتداد كثافة العمليات البحرية خلال الحرب العالمية الثانية، ازداد عدد حوادث النيران الصديقة؛ إذ وقعت ثلاثة منها في عام 1942، واثنان في عام 1943، وثمانية في عام 1944، فيما 75 في المئة (أي أربعون حادثة) وقعت في عام 1945، علماً أنّ 42% وقعت خلال «معركة أوكيناوا» ضدّ الجيش الإمبراطوري الياباني، في المحيط الهادئ. وبالمحصلة، بلغ عدد الذين قضوا في تلك الحوادث «186، فيما جرح نحو 438»، بعدما أصيب نحو 53 نوعاً من المراكب البحرية خلال الحرب العالمية الثانية.
وبالعودة إلى عملية «عاصفة الصحراء»، تؤكد المصادر نفسها أنّ السفن، آنذاك، كانت مجهزة بأحدث معدات الرادار والحرب الإلكترونية، والمقرونة بقوة «حليفة» ضخمة جداً، مقابل غياب شبه تام لأي قوة بحرية مضادة لدى العراقيين. ورغم ذلك، فقد جرفت «نيران صديقة»، على سبيل المثال، البارجة الأميركية «ميسوري» (BB 63) خلال الحرب. وطبقاً لمصادر أخرى، من مثل «محطة الشبكة التلفزيونية الأميركية» (بي بي أس)، وفي أحد أكثر أيام حرب العراق «دموية» بالنسبة إلى القوات الأميركية، قُتل ما يصل إلى 10 من مشاة البحرية في ضربات جوية أميركية، بناء على أوامر أعطاها مراقب جوي من داخل المشاة نفسها، بعدما ظنّ بالخطأ أنّ مركباتهم هي قوات معادية. ولاحقاً، وجد تحقيق للبنتاغون في تلك الأحداث التي دارت في 23 آذار 2003، وجود «مشكلات في الاتصالات في جميع أنحاء الكتيبة».
كذلك، وفي إحدى أسوأ الخسائر الذاتية في تاريخ الجيش الأميركي، أسقطت مقاتلات «أف – 15»، في نيسان 1994، طائرتي هليكوبتر من طراز «بلاك هوك» تابعتين للجيش الأميركي، في منطقة «حظر الطيران» فوق شمال العراق، ما أسفر عن مقتل 26 شخصاً، من بينهم 15 أميركياً وضباط عسكريون من بريطانيا وفرنسا وتركيا وخمسة عمال أكراد، ممن كانوا «يدعمون جهود الإغاثة الإنسانية». وفي أعقاب الحادثة، قدم الجنرال جون شاليكاشفيلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة آنذاك، تقريراً للبنتاغون مكوناً من 22 صفحة عن الحادثة، جاء فيه أنّه رغم «مجموعة الضمانات، البشرية والإجرائية والتقنية، والتي كان من المفترض أن تضمن عدم وقوع حادث في المكان، إلا أنها فشلت في ذلك»، فيما لم تتم محاسبة أي شخص على الحادثة. وتزامناً مع مقتل عسكريين بريطانيين بنيران صديقة أطلقت من دبابة «تشالنجر» البريطانية خلال معارك مع القوات العراقية، عام 2003، في محيط البصرة جنوبي العراق، أطلقت طائرة أميركية من طراز «أف – 16» النار على بطارية صواريخ من طراز «باتريوت»، ما أدى إلى تدميرها.
وتكاد حوادث «النيران الصديقة» تمتد إلى كل مناطق الصراع التي شاركت فيها واشنطن بشكل مباشر حول العالم، وتحديداً في الشرق الأوسط؛ إذ لقي، مثلاً، ثلاثة جنود أميركيين وخمسة أفغان مصرعهم، في غارة جوية كانت تهدف إلى ضرب مواقع لـ«طالبان» في 5 كانون الأول 2001. وبدلاً من استهداف الموقع، ألقت قاذفة «B-52»، قنبلة موجهة بالأقمار الصناعية، تزن ألفي رطل، على موقع قيادة كتيبة تحتله القوات الأميركية وحلفاؤها الأفغان، بمن فيهم حامد كرزاي، الذي سيصبح رئيساً مستقبلياً للبلاد.
وفي أعقاب الحادثة الأخيرة في البحر الأحمر، والتي وقعت في إطار «إحباط هجوم أميركي – بريطاني على الأراضي اليمنية»، وفيما تمكّن الطياران الأميركيان اللذان كانا على متن مقاتلة الـ«أف – 18» من النجاة، وأصيب أحدهما بجروح، رأى مراقبون غربيون أن ما جرى يؤكد مدى الخطورة التي وصل إليها الوضع في «البحر الأحمر»، بعد فشل التحالفات العسكرية الأميركية والأوروبية التي تقوم بدوريات في المنطقة في إيقاف هجمات «الحوثيين». والشهر الماضي، كشف مسؤولون في البنتاغون أن حاملة الطائرات الأميركية «أبراهام لينكولن» غادرت البحر الأحمر، بعد سبعة أيام من شن صنعاء عمليتين عسكريتين كبيرتين ضد السفن الحربية الأميركية في البحر الأحمر، هدفتا، آنذاك أيضاً، إلى إحباط «عدوان واسع النطاق» كانت تعده القوات البحرية الأميركية والبريطانية ضد اليمن.

الأخبار اللبنانية : ريم هاني

قد يعجبك ايضا