امريكا… شواهد السقوط والانعكاسات الخطيرة على الحلفاء والتوابع
إيهاب شوقي
في مراحل التحولات الدولية، فإن هناك الكثير من العلامات التي تؤكد اقتراب التحول، وهذه العلامات تظهر على سلوك الدول الصاعدة والهابطة، وعلى اساس هذا السلوك، يمكن التنبؤ بسلاسة التحول او خطورته.
وفي الفترة الأخيرة هناك بعض الحوادث التي قد تشكل علامات لها دلالات لافتة على اننا في مرحلة تحولات وانتقال في القيادة، كما ان هناك بالتوازي مع ذلك علامات تنبئ بخطورة التحول، حيث هناك افتقاد لجميع الاستراتيجيات الآمنة المتعارف عليها في إطار مواجهة القوة الصاعدة والتي توفرها نظريات العلاقات الدولية، من امثال سياسات التوازن او التحوط او الاسترضاء او تمرير المسؤولية وغيرها.
وفي هذا الاطار يمكن استعراض نماذج لافتة لهذه الحوادث:
1ـ ردود الفعل الهندية الغاضبة على كذب ترامب وتلاعبه والتي نجم عنها تصعيد خطير بحجم الغاء الحكم الذاتي لاقليم كشمير، وكذلك الفضيحة الدبلوماسية التي كشفها السفير الباكستاني السابق لدى الولايات المتحدة حسين حقاني، حيث صرح بالقول إن الأمر كله يتعلق بإيصال عناوين الأخبار الى وسائل الإعلام الأمريكية التي قد تحجب ترامب عن قاعدته في الداخل، مضيفا “كان لترامب خلال زيارة عمران خان هدف واحد فقط: الحصول على مساعدة باكستانية في تأمين صفقة مع طالبان من أجل انسحاب عسكري أمريكي قبل انتخابات 2020. أثارت تعليقاته غضب الهند وقادت رئيس الوزراء مودي إلى الإسراع بدمج كشمير، وفعلت القليل لتحقيق ما يريده ترامب في أفغانستان.
2ـ التناقضات بين اليابان وكوريا الجنوبية والتوتر الحادث بينهما في وقت تقوم كوريا الشمالية فيه بالتصعيد وسط استياء ياباني كوري جنوبي من سياسة ترامب وكأنه تركهم فريسة للصعود الكوري الشمالي وتركهم لتناقضاتهم القديمة.
3ـ عدم الاستجابة الدولية لنداءات الولايات المتحدة بتدشين تحالف بحري يقود الى مصلحة امريكية خالصة دون مراعاة لمصالح الحلفاء، واعلان الامتعاض من شعار “امريكا أولا” والذي انكشف مع الوقت ان جوهره هو “امريكا وفقط”!
4ـ فشل امريكا في اضعاف المقاومة بل الوصول لنتائج معاكسة تماما عنوانها بروز انتصارات المقاومة وتنامي قوتها والتي لم تكن مجبرة على اظهارها في الوقت الراهن لولا استفزازات امريكا، ومن ابرز هذه المظاهر، ما كشفته “ميكال كرانز”، الصحافية الامريكية، في تقرير لها بمجلة “فورين بوليسي”، يرصد تنامي شعبية حزب الله في لبنان بين الطوائف المختلفة حيث قالت نصا: “كلنا نعرف أنه سواء أحببنا ذلك أم لا، فإن حزب الله وصل الى جميع الطوائف في البلاد”، “إنهم لم يتسللوا فقط”، لقد ملأوا الفجوات أيضًا. و”عندما تملأ الفجوة ، فهذا أمر خطير. وهذا هو الوضع “.
5ـ الحرب الاقتصادية مع الصين بشكل يضر باقتصاد الحلفاء، وكما تقول كارولين أتكينسون، الخبيرة في مجموعة روك كريك الاستثمارية في واشنطن: عندما تكون في آسيا، فإن الصين هي المهيمنة فقط. جميع الدول الموجودة حولها قد تكون حليفة للولايات المتحدة، وقد تكون حليفة قوية للولايات المتحدة مثل اليابان، لكن الصين شريكهم التجاري الكبير والصين لا تنمو بالسرعة التي كانت عليها، لكنها لا تزال تنمو بوتيرة أسرع بكثير من الولايات المتحدة. وبالتالي لا يمكنهم تصور انفصالهم عن الصين.
هنا يمكننا بلورة بعض الانتقالات كما يلي:
* الانتقال من مرحلة بناء التحالفات والتي بدأت بعد الحرب العالمية وبالتزامن مع “امريكا الصاعدة” الى مرحلة فقد التحالفات وخسارة الحلفاء وهي مؤشر للتحول الى “امريكا الهابطة”.
* الانتقال من مرحلة استرضاء التوابع والأذيال وحفظ ماء وجوههم الى مرحلة الابتزاز الصريح والاحراج والاهانة العلنية.
* الانتقال من مرحلة بناء المؤسسات الدولية وقيادتها كسبيل للهيمنة الى اضعاف المؤسسات وتفتيتها.
الصعود الصيني يرى في النظام الدولي الحالي ومؤسساته الموروثة من نظام ما بعد الحرب العالمية والتي شكلت رافعة لامريكا، فرصة للصعود والهيمنة السلسة دون حروب
كيف يمكن تفسير ذلك اذاً؟
يبدو اننا امام تحولات دولية وانتقال لمراكز القيادة الدولية، وهناك اتفاق على ان قوة الصين الصاعدة هي المرشحة بقوة لاسقاط الولايات المتحدة عن عرش السيطرة واحتلال مكانها رسميا.
ويبدو اننا امام تحول غير تقليدي، فهناك رصد للتحولات التاريخية يخرج بنتائج انها متغيرة وفقا لطبيعة النظام العالمي، ووفقا لرؤية القوة الصاعدة.
فعند تسلم الولايات المتحدة لزمام القيادة، لم تطرح الزعامة بشكل علني وانما سعت لتشكيل مؤسسات والهيمنة عليها لتصبح قائدة فعلية بحكم الأمر الواقع، بينما المانيا مثلا في فترة صعودها قبل الحرب العالمية كانت تريد الهيمنة بالقوة، وهو ما أدى الى اتحاد الفرقاء ضدها ونشوب الحرب.
يبدو ان امريكا الصاعدة بعد الحرب العالمية مختلفة جذريا عن امريكا الهابطة، ويبدو أنها لا تريد انتقالا سلسا للقوة على غرار الانتقال من الهيمنة البريطانية الى الامريكية في مشهد انتقال سلس، والشواهد تقول ان امريكا تريد تخريب النظام العالمي، حتى لا ترث الصين وضعا مريحا خاليا من العوائق، باعتبار أن الصين تحترم النظام العالمي، بل انه كان عاملا من عوامل صعودها.
وهذا يفسر محاولات امريكا لتخريب مؤسسات التجارة التي ساهمت في صعود الصين، ومحاولة عمل انقلاب وفوضى دولية، ربما لتشكيل مانع امام تسلم الصين القيادة وكتحطيم للجسور التي يمكن ان تمر عليها القوة الصاعدة الجديدة.
مشكلة امريكا ان الصعود الصيني يرى في النظام الدولي الحالي ومؤسساته الموروثة من نظام ما بعد الحرب العالمية والتي شكلت رافعة لامريكا، فرصة للصعود والهيمنة السلسة دون حروب او عداءات صريحة، باعتبار ان الحراك الدولي خاضع للنمو، وهو ما حققته الصين، بينما تريد امريكا خلق اوضاع صعبة تجعل من انتقال القيادة بمثابة معركة تتسم بسباق التسلح وتفجير التناقضات والعداءات، حتى لا ترث قوة جديدة ما اجتهدت امريكا في تشكيله كغطاء للهيمنة.
هذا النوع من السلوك الامريكي المتسم بنظرية “هدم المعبد”، هو سلوك خطير يقود الى سباق للتسلح وقد يقود لسياسات مكيافيلية خطيرة للتشبث بعرش القيادة، ستنعكس بمزيد من الخراب على أذيال امريكا حيث سيتعرضون لمزيد من الابتزاز تعويضا لعجز اللحاق بصعود القوة الجديدة، كما يمكن ان يقود الى نزاعات عسكرية في بؤر متعددة نتيجة تخريب التوازنات التقليدية.