اليمن يهزّ العالم ويوسّع دائرة النار ..بوادر شلل في سلاسل التوريد :ممنوع كسر الحصار على العدوّ
بوادر شلل في سلاسل التوريد: اليمن يهزّ العالم
في تصعيد واثق، تعهّد اليمن باستهداف جميع السفن المتّجهة إلى إسرائيل في البحر الأحمر بغضّ النظر عن جنسيتها، ما فاقم مِن قلق القائمين على سلاسل توريد التجارة الدولية عبر «قناة السويس»، في وقت يخنق فيه الجفاف «قناة بنما» على الجانب الآخر من العالم، ما يضع أكثر من نصف حاويات الشحن بين آسيا وأميركا الشمالية في دائرة الخطر. ويُفيد الخبراء بأن انعكاسات هذه التهديدات المتوازية على الإمدادات قد تبدأ بالظهور بدايةً من موسم عيد الميلاد، على أن تستمرّ حتماً في العام المقبل
لندن | تتسبّب اضطرابات طرق التجارة الحيوية بين الشرق والغرب، على خلفية دخول اليمن الحرب ضدّ دولة الاحتلال، في موازاة الجفاف الذي يخنق «قناة بنما»، في إثارة قلق القائمين على سلاسل توريد التجارة الدولية من تأثُّر الإمدادات ابتداءً من موسم الأعياد في الشهر الحالي. وفي هذا الإطار، حذّرت شركات الشحن الكبرى من أنّ تصعيد الهجمات اليمنية على الملاحة في مضيق باب المندب، والذي يترافق مع تراجع قدرة «بنما» على تمرير السفن، سيكون كارثيّاً. ووفقاً لمصادر مختصّة بالنقل التجاري، فإن أكثر من نصف حاويات الشحن التي تتنقّل بين آسيا وأوروبا/ أميركا الشمالية، تمرّ عبر قناتَي «بنما» في أميركا الوسطى، و«السويس» المصرية. كما تقطع باب المندب، يوميّاً، ناقلات تحمل أكثر من ثلاثة ملايين برميل من النفط الخليجي، متّجهة نحو الغرب. وأوردت صحف غربية إفادات مستوردين وتجار في أوروبا والولايات المتحدة، بأنهم يواجهون بالفعل صعوبات في تأمين إمدادات كافية لتغطية الطلب في موسم الأعياد، وسط توقّعات بأن تتفاقم الأمور مع بداية العام الجديد. ونقلت صحيفة «فايننشال تايمز» عن رئيس «معهد التصدير والتجارة الدولية» البريطاني، ماركو فورجيوني، قوله إن «الإلكترونيات الاستهلاكية، مثل هواتف آيفون، قد لا تكون متاحة بسهولة أثناء موسم الأعياد»، متحدّثاً عن صعوبات يواجهها مستوردون بريطانيون بسبب الأوضاع المستجدّة، حتى في الحصول على زينة عيد الميلاد في الوقت المناسب.
وكانت عمليات حركة «أنصار الله» ضد السفن التي تمتلكها جهات إسرائيلية أو لها صلات برجال أعمال إسرائيليين، أو حتى التي تمرّ عبر البحر الأحمر في طريقها إلى الكيان العبري، تسببت في ارتفاع أسعار التأمين على حاويات الشحن المتّجهة إلى «قناة السويس» بشكل ملموس، فيما توازي الضغوط العسكرية اليمنية مع تراجع قدرة «قناة بنما» التي تربط بين المحيطَين الهادئ والأطلسي على تمرير السفن، سيجعل توافر الحاويات – وليس مجرّد أسعارها – مسألة حرجة في الأسابيع القليلة المقبلة. وتجدر الإشارة إلى أن شهر تشرين الأول الماضي، كان الأكثر جفافاً في منطقة حوض «بنما» منذ 100 عام. وبحسب علماء الطقس، فإن ذلك «نتج جزئيّاً من ظاهرة النينيو، والارتفاع القياسي في درجات الحرارة. وقد اضطرّت هيئة القناة لقصر عدد السفن التي سيُسمح لها بالمرور يومياً على أقلّ من 20». ووفقاً للمصادر المختصة بالنقل التجاري، فإنّ «167 سفينة شحن فقط تمكّنت من عبور القناة في الأسبوع الأول من الشهر الجاري، مقارنةً بـ238 في المدة نفسها من العام الماضي». وقالت هيئة «قناة بنما»، من جهتها، إنّ السفن التي ليست لديها حجوزات مسبقة، تضطرّ للانتظار لمدة تصل إلى حوالى أسبوعين لعبور القناة التي يبلغ طولها 80 كيلومتراً. وللتعامل مع حالات التأخير تلك، فإنّ البديل الوحيد قد يكون تحويل طرق الملاحة من «بنما» إلى «السويس»، والذي يعني بالضرورة عبور مضيق باب المندب.
أكثر من نصف حاويات الشحن التي تتنقّل بين آسيا وأوروبا/ أميركا الشمالية، تمرّ عبر قناتَي «بنما» في أميركا الوسطى، و«السويس» المصرية
ورغم أن رئيس «مجلس الأمن القومي» الإسرائيلي، تساحي هنغبي، قال، في مقابلة تلفزيونية (السبت)، إنه «ما لم يتعامل المجتمع الدولي مع التهديد الذي يشكّله اليمنيون»، فإنّ «إسرائيل ستجد نفسها مضطرّة للتحرك»، إلّا أنّ الأميركيين تجنّبوا، إلى الآن، الدخول في مواجهة عسكرية صريحة مع اليمن، على خلفيّة هذه الهجمات. وبحسب مطّلعين على المداولات الجارية في هذا الشأن في أروقة الإدارة الأميركية، فإنّ الولايات المتحدة تناقش مع حلفائها في «الناتو» فكرة إنشاء قوة عسكرية مشتركة تتولّى مهمات تأمين الملاحة في البحر الأحمر. كما عُلم أنّ الولايات المتّحدة تسعى إلى خنق صنعاء عبر مطاردة جهات تتولّى نقل أموال لحكومتها من إيران. وفي السياق، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، أخيراً، فرضَ عقوبات على 13 فرداً ومؤسسة قالت إنهم يشكّلون جزءاً من شبكة تتولّى تحويل الأموال إلى الحكومة اليمنية، وتسهّل مبيعات السلع الإيرانية إلى التجّار اليمنيين. لكن تقديرات إستراتيجية تقول إن هذه الإجراءات قد لا تكون كافية لردع اليمنيين، علماً أنّ هؤلاء يمتلكون صواريخ كروز مضادة للسفن استخدموها بكفاءة في هجمات ضدّ سفن إماراتية وسعودية وأميركية وتركيّة، كما ابتدعوا نظاماً لاستخدام القوارب الصغيرة المحمّلة بالمتفجرات التي يتمّ التحكم فيها من بُعد، ونجحوا في استخدامه لإعطاب فرقاطة سعودية (2017)، وهاجموا ناقلات عدّة ترفع العلم السعودي.
وفي حين سعى كثيرون إلى التقليل من قيمة التدخل العسكري اليمني في الدفاع عن الفلسطينيين، تدلّ جميع المؤشرات المتقدّمة على فاعلية إستراتيجية الضغط على أعصاب حكومة الكيان في تل أبيب، وراعيتها الأميركية، وتدفع نحو وضع الأطراف المشاركين في الإبادة الجماعية الجارية في غزة، في مربّع تسديد أثمان جرائمهم ضدّ البشرية.
صنعاء توسّع دائرة النار: ممنوع كسر الحصار على العدوّ
صنعاء | في غضون 72 ساعة، منعت قوات صنعاء البحرية، بالقوة، عدداً من السفن التي كانت متّجهة إلى موانئ الكيان الإسرائيلي من مواصلة طريقها، واستهدفت إحداها بصاروخ أدّى إلى اشتعال النار فيها، مشدّدة الحصار على العدو الإسرائيلي. كما اشتبكت القوات البحرية اليمنية مع عدة بوارج أجنبية حاولت كسر الحصار اليمني على إسرائيل. وجاءت العمليات الجديدة في أعقاب استنفار صنعاء قواتها البحرية والجوية لمواجهة الاحتمالات كافة، بعد تلقّيها معلومات عن محاولات أميركية وبريطانية لكسر الحصار المفروض على دولة الاحتلال، والتلويح بتسيير سفن حربية لمرافقة السفن الإسرائيلية أو تلك المتجهة إلى موانئ الكيان. وأكّد الناطق باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، في بيان أمس، أن «قوات بلاده تمكّنت من منع مرور عدد من السفن الأجنبية التي كانت تحمل مؤناً وبضائع ونفطاً للعدو الإسرائيلي، ولكنها لم تلجأ إلى استهداف السفن التي استجابت لتحذيراتها، باستثناء سفينة نرويجية محمّلة بشحنة نفط للعدو رفض طاقمها الرد على كلّ النداءات التحذيرية، فتمّ استهدافها بصاروخ مناسب». وفي المقابل، اعترف الجيش الأميركي، في بيان، بأن صاروخ «كروز» مضاداً للسفن أصاب الناقلة النرويجية «ستريندا»، ما تسبّب بحريق وأضرار فيها، من دون وقوع خسائر بشرية. وذكرت شركة «موينكل كيميكال تانكرز» النرويجية المالكة للناقلة، بدورها، أنه على رغم عدم وجود صلة إسرائيلية بملكية الناقلة أو إدارتها، فإن الأخيرة «رُشحت بصورة مبدئية» من قبل مؤجّريها لنقل بضائع من ميناء أسدود في كانون الثاني.
من جهتها، قالت مصادر ملاحية يمنية، لـ«الأخبار»، إن صنعاء نجحت، خلال الساعات الماضية، في إجبار سفينتين على العودة من حيث أتتا بالقوة، موضحةً أن إحداهما تجاهلت تحذيرات القوات البحرية – علماً أن مقصدها كان أحد موانئ الاحتلال -، وتمّ إيقافها بواسطة طائرة مُسيّرة، في ما يمثل تحذيراً نارياً تستخدمه صنعاء لوقف السفن، التي يتم استهدافها بواسطة صواريخ مناسبة في حال رفضها الاستجابة. أما السفينة الأخرى، فقد استجابت للتحذيرات بشكل طوعي. في هذه الأثناء، استمرت حركة الملاحة البحرية في البحرين الأحمر والعربي بشكل طبيعي، وفقاً لمواقع تتبّع السفن، حيث مرت أكثر من 70 سفينة وناقلة عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب بسلاسة ومن دون أي مخاطر.
صنعاء رصدت تحرّكات أميركية وبريطانية وإماراتية بالقرب من سواحل عدن
وكانت صنعاء عملت على نشر قواتها البحرية على مقربة من الخطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وأعادت الانتشار في مناطق حسّاسة بالقرب من باب المندب وصولاً إلى أعالى البحار، وذلك بعدما رصدت تحرّكات أميركية وبريطانية وإماراتية على الساحل الغربي لليمن، بالقرب من سواحل عدن. وفي إطار الرد أيضاً على التهديدات الدولية، وجّه رئيس «المجلس السياسي الأعلى» في صنعاء، مهدي المشاط، كلّ التشكيلات العسكرية في القوات اليمنية البرية والبحرية والجوية، برفع مستوى الجهوزية والاستعداد لمواجهة كل الاحتمالات، مشيراً، في رسالة إلى القوات المسلحة، إلى أن «الأخطار المحدقة وتصعيد العدو الإسرائيلي ضد المدنيين العُزّل، يدفعان الجميع إلى بذل أقصى الجهود لضرب الأعداء». وأكّد أن «دفاع اليمن عن فلسطين والقدس ومساندة غزة في هذه المعركة الكبيرة والظروف القاهرة، هما دفاع عن اليمن وعن الأمة والبشرية جمعاء».
وبالفعل، ذكرت مصادر محلية في محافظة الحديدة، لـ«الأخبار»، أن القوات البحرية تعيش في حالة استنفار قصوى، وأن التوجيهات صدرت إلى الدفاع الساحلي وكلّ تشكيلات القوات البحرية والجوية بالبقاء في حالة استعداد كامل، تحسّباً لأي تدخّل من أي جهة كانت. وأكّدت المصادر أن صنعاء مستعدّة لأي مواجهة محتملة مع أي سفن عسكرية أجنبية تحاول المساس بقرار منع مرور السفن المحظورة. وكشف نائب مدير دائرة التوجيه المعنوي في صنعاء، العميد عبدالله بن عامر، بدوره، عن تمكّن القوات البحرية اليمنية من منع سفينة حربية فرنسية من الوصول إلى قاعدتها في جيبوتي على الضفة الأخرى من باب المندب، لافتاً، في تصريح، إلى أن قوات صنعاء اشتبكت مع عدة بوارج أجنبية حاولت كسر الحصار اليمني على إسرائيل.
ورغم قيام فرنسا بسحب الفرقاطة «لانغدوك» المتعدّدة المهام من البحر الأحمر، أول من أمس، إلى سواحل رأس بناس المصرية بعد تعرّضها لهجوم بعدة طائرات مُسيّرة، الأحد الماضي، إلا أن التحرّكات الأميركية والبريطانية والفرنسية مستمرّة، وتشكّل تهديداً للملاحة في مضيق باب المندب، وفق تأكيد الخبير العسكري، العقيد مجيب شمسان. ويعتبر شمسان، في حديث إلى «الأخبار»، أن أي «محاولة لكسر حصار اليمن على إسرائيل في البحر الأحمر ستقود الوضع إلى الانفجار»، ما يؤثر بشكل كبير على إمدادات الطاقة في البحر الأحمر وخاصة المتّجهة إلى الأسواق الأوروبية والأميركية، مشيراً إلى أن كل الخيارات التي يملكها الكيان وواشنطن بالغة الكلفة عليهما، والأقل كلفة هو إدخال المساعدات الإغاثية ووقف جرائم الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
الأخبار اللبنانية