اليمن يكبّل واشنطن في البحر الأحمر
مستوى الإسناد اليمني لغزة منذ بدء العدوان الإسرائيلي صار واضحًا. صواريخ ومسيّرات تتهافت نحو مواقع جنوب الكيان، وهو عامل مؤثر في أم الرشاش، وملاحقة السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر وبحر العرب إن توقيفًا أو استهدافًا.
منذ السيطرة على أولى السفن، حددت صنعاء الهدف بالسفن الإسرائيلية فقط، وأعلنت بشكل واضح أن الممر البحري الاستراتيجي في باب المندب هو آمن أمام الملاحة الدولية، وهي نقطة جوهرية.
واشنطن، التي تدير الحرب على غزة عبر إسناد الكيان عسكريًا وسياسيًا وجدت نفسها أمام معضلة صعبة بحرًا.
مارس الأمريكيون تهويلًا على صنعاء، وعملت على محاولة إشعال بعض الجبهات الداخلية، وكذلك التهويل باستئناف العدوان السعودي الأمريكي، وتعطيل مسارات التفاوض، لكن ذلك لم يغير من الموقف اليمني المساند لغزة، ووجد الأمريكيون أنفسهم أمام طريق مسدود.
يصف الأمريكيون، كما عبّر أكثر من مسؤول بينهم جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأميركي تحرك أنصار الله بالمتهور، وهو وصف يعكس حجم الإرباك في واشنطن.
مسؤولون أمريكيون، كشفوا لـ “بوليتيكو”، عن نقاش كبير داخل الإدارة الأمريكية حول كيفية الرد، ليخلصوا إلى أن الرد المباشر من قبلهم ليس منطقيًا، وهو ما يقصد به أنهم لم يتعرضوا لضربات يمنية، وأن صنعاء حصرت المسألة بالسفن الإسرائيلية، مع تأكيد بأن أي تدخل من جهة ثانية سيعني توسيع الرد والاستهداف، وهذا ما لا تريده واشنطن لأنه سيعني تدخلًا مباشرًا لن تقف الردود عليه عند اليمنيين، وبالتالي إن انفلات الأمور سيصبح أقرب، خصوصًا أن الأمريكيين يتعرضون لضربات مباشرة من قبل المقاومة العراقية في العراق وسوريا، ويعملون على احتوائها قدر الممكن.
نجحت صنعاء في فرض معادلة جوهرية، من جهة هي تؤثر على اقتصاد العدو الإسرائيلي، ومن جهة أخرى تؤثر في صناع القرار في مجلس حرب العدو، الذي تتسع التحديات أمامه شمالًا وجنوبًا من الغلاف حتى إيلات.
في الخلاصة، إن الأمريكيين معنيون بإيجاد حلول “رادعة” لكنهم عاجزون عن ابتكار الأدوات والأساليب، وخطوة مرافقة بوارجهم للسفن الإسرائيلية لن تمنع الاستهداف، بل تعرضهم لخطر الاستهداف، وصنعاء تكتفي حتى الساعة بالرسائل النارية التحذيرية اتجاههم.
إن تصوير ما يجري في البحر الأحمر على أنه تهديد للملاحة الدولية ساقط لاعتبار أن حركة السفن اعتيادية ولا يتم التعرض لها، وهو يسقط المبررات الأمريكية. وصنعاء، بإدارتها المدروسة لهذه المعركة، كبلت الأيدي الأمريكية وحشرتها في زاوية واحدة وهي الضغط على “تل أبيب” لوقف العدوان على غزة.
يبقى القول إن واشنطن تستشعر خطرًا بحريًا مستقبليًا اتجاهها مصدره اليمن، لأن من يدير اللعبة لا يرضخ للتهديد ولديه جرأة الإقدام، وهو قد يصرف شيئًا منه فيما يتعلق بالحصار المفروض عليه، في المستقبل.
خليل نصر الله