اليمن يضبُـطُ معادلة “التصعيد بالتصعيد” على ميزان التهديد الوجودي لـ “إسرائيل”..التحامُ جبهتَي اليمن والعراق -منظومةُ “فلسطين” البالستية تفتحُ أُفُقًا جديدًا لجبهة الإسناد -زخمٌ كبيرٌ وبنكُ أهداف يتوسَّعُ باستمرار

فتحت القواتُ المسلحةُ خِلالَ الأيّام الماضية آفاقًا استراتيجيةً جديدةً للمرحلة الرابعة من التصعيد ضد العدوّ الصهيوني، حَيثُ دشّـنت لأول مرة مسارَ العمليات العسكرية المشتركة مع المقاومة الإسلامية في العراق، والذي يمثّل تطوُّرًا تاريخيًّا كَبيراً في شكل وتأثير المواجهة الإقليمية مع العدوّ في هذه الجولة وكل الجولات القادمة، كما أدخلت إلى الخدمة صاروخ “فلسطين” البالستي المصمم خصيصًا لمتطلبات هذه المرحلة والذي لفت انتباه الكثير من الخبراء في أول ظهور له، وقد جاء كُـلّ ذلك بالتوازي مع استمرار مسارات العمليات البحرية القائمة والتي يتسع بنك أهدافها بشكل متواصل، حَيثُ أصبح يشمل حاملة الطائرات الأمريكية “آيزنهاور”، وهي أمورٌ يشكل كُـلٌّ منها صدمةً كُبرى مستقلةً للعدو، وتشكل في مجموعها زلزالًا عسكريًّا وجيوسياسيًّا هائلًا يزعزعُ أَسَاساتِ الوجود الصهيوني والأمريكي في المنطقة، ويثبِتُ أعلى كلفة ممكنة لتصعيد العدوّ في غزة.

التحامُ جبهتَي اليمن والعراق في معركة خنق العدو:

في خطوة تأريخية غير مسبوقة، أعلنت القوات المسلحة، عصر الخميس، تنفيذَ أول عمليتَينِ مشتركتَينِ مع المقاومة الإسلامية في العراق، “الأولى استهدفت سفينتَينِ كانتا تحملانِ معداتٍ عسكريةً في ميناءِ حيفا، والثانيةُ استهدفتْ سفينةً انتهكتْ قرارَ حظرِ الدخولِ إلى ميناءِ حيفا في فلسطينَ المحتلّة” وذلك “بعددٍ من الطائرات المسيرة” مؤكّـدة أن “الإصابة كانت دقيقة بعون الله”.

وأوضح بيان المتحدث باسم القوات المسلحة العميد يحيى سريع أن “عمليةَ ميناءِ حيفا المشتركةَ تأتي رداً على مجازرِ العدوّ الإسرائيليِّ في منطقةِ رفح” مؤكّـداً أن “على العدوّ الإسرائيليِّ توقُّعَ المزيدِ من العملياتِ النوعيةِ المشتركةِ خلالَ الفترةِ المقبلةِ وحتى يتوقفَ عدوانُه الإجراميُّ الوحشيُّ ويَرفعَ حصارَه عن إخوانِنا في قطاعِ غزة”.

وأضاف: “إنَّ القواتِ المسلحةَ اليمنيةَ تدعو كافةَ الجيوشِ العربيةِ إلى المشاركةِ في عملياتِ الإسنادِ للمقاومةِ الفلسطينيةِ تأديةً للواجبِ الدينيِّ والإنسانيِّ تجاهَ الشعبِ الفلسطينيِّ”.

هذه الخطوة كان قد تم التمهيدُ لها بشكل معلَن من خِلالِ دعوةِ قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي للمقاومة في العراق إلى المشاركة في المرحلة الرابعة من التصعيد، ثم حديثه لاحقًا عن وجود تنسيق، تُوِّجَ أخيرًا -وبسرعة قياسية- هذا الأسبوعَ بالضربات المشتركة التي برغم التمهيد لها مثّلت مفاجأةً كبيرةً للجميع.

العمليتان المشتركتان فتحتا مسارًا نوعيًّا جديدًا لعمليات المرحلة الرابعة من التصعيد والتي تركز بشكل أَسَاسي على تشديد الحصار البحري على العدوّ الصهيوني، حَيثُ تم تعزيز الحظر الذي فرضه اليمن على وصول السفن إلى موانئ فلسطين المحتلّة في البحر المتوسط، بإدراج ميناء حيفا بنفسه (وهو أبرز تلك الموانئ) كهدف وكوجهة محظورة بشكل خاص، وهذا تطور كبير للغاية في استراتيجية الحظر البحري؛ لأَنَّه يكبد العدوّ خسائر كبرى مباشرة وذات تأثير فوري وواسع وطويل الأمد؛ فتعرض الميناء نفسه لهجمات يعتبر كارثةً ستَهُزُّ -وبسرعة- اقتصادَ العدوّ بكله وبشكل صاخَبٍ وواضح لا يمكن التغطيةُ عليه، خُصُوصاً وأن ميناء حيفا أصبح الوُجهةَ الرئيسية للإمدَادات البحرية إلى العدوّ بعد إغلاق ميناء أم الرشراش.

هذا التطور يسلب العدوّ خياراتِه المحدودة أصلًا لمواجهة مفاعيل وتأثيرات العمليات البحرية في المسارات الأُخرى؛ فانتقال التهديد من طريق الشحن إلى رصيف الرسو نفسه يعني أن الإبحارَ إلى كيان العدوّ ليس فقط مغامرةً خطيرةً يمكن استمالةُ بعض الشركات لخوضها بالمزيد من المال ووعود الحماية، بل انتحارٌ حقيقي سَرعانَ ما ستجدُ شركاتُ الشحن أنه من الأفضل تجنبه تماماً.

وبإضافة استهداف الموانئ المحتلّة على البحر المتوسط، إلى معادلات استهداف سفن الشركات التي تنتهك قرار حظر الوصول إلى تلك الموانئ؛ فَــإنَّ النتيجة تصبح حصارًا مطبِقًا، لا يستطيع العدوّ أن يتحمل تأثيراته؛ فحتى لو أقنع بعض السفن والشركات بمواصلة الإبحار الانتحاري، لن يتمكّن من إبقاء الحركة كما هي عليه الآن أَو حتى الإبقاء على نصفها، وسيكون ما يصل من البضائع والسلع أقل بكثير من الاحتياج وبأثمان مضاعفة.

ومن المهم الإشارة إلى أن تدشين الضربات اليمنية العراقية المشتركة على ميناء حيفا باستهداف سفينتَين تحملانِ معدات عسكرية هو أُسلُـوب ذكي لبناء مسارٍ تصعيدي لهذه الضربات بشكل يجعل العدوّ ينظر إلى هذا الميناء كجبهة جديدة مفتوحة على خيارات متنوعة، ولها تأثيراتٌ متعددة، وإبقاء العدوّ في حالة ارتباك دائم بانتظار المفاجأة التالية، وقد أشار قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في كلمته الأسبوعية الأخيرة إلى أن هذا المسار سيكون “تصاعديًّا”.

مع ذلك، فَــإنَّ القيمةَ الاستراتيجيةَ لمسارِ العمليات اليمنية العراقية المشتركة تتجاوزُ حتى مسألة الحصار المؤثر والقاتل؛ لأَنَّ هذا المسارَ يمثل نقلةً نوعية في آليات عمل جبهة المقاومة الإقليمية بشكل عام؛ فالجولة الحالية والجولات القادمة أصبحت مفتوحة على سيناريوهات تصعيد إقليمي جديدة لا يستطيع العدوّ أن يفكر بها بدون أن يستحضر حتمية زواله؛ إذ أصبح من الممكن أن تشترك جبهات الإسناد في عمليات استراتيجية كبرى واسعة ومركزة من شأنها أن تسبب انهيارًا عسكريًّا أَو اقتصاديًّا كَبيراً وسريعًا للعدو (إلى جانب مسارات العمل المستقلة لكل جبهة)، وعلى سبيل المثال فقد أشَارَت عدة تقارير عبرية خلال الفترة الماضية إلى أن دخولَ حزب الله على خَطِّ معركة الحظر البحري واستهداف الموانئ سيكون مدمِّـرًا؛ لأَنَّ حزبَ الله يستطيعُ أن يغلِقَ الموانئ المحتلّة على البحر المتوسط تماماً، فضلًا عن تدميرِها إلى استلزم الأمر.

وقد أشار قائد الثورة في كلمته الأخيرة إلى أن “العملياتِ المشتركة مسارٌ مهمٌّ ستقدم نموذجًا عن التعاون بين أبناء الإسلام في إطار الجهاد في سبيل الله”.

منظومةُ “فلسطين” البالستية تفتحُ أُفُقًا جديدًا لجبهة الإسناد اليمنية:

الجبهة اليمنية المساندة لغزة فجَّرت أَيْـضاً خلال الأيّام الماضية مفاجأةً أُخرى من خلال إزاحة الستار عن صاروخ “فلسطين” البالستي، وتدشين دخوله الخدمةَ بعملية نوعية على هدف عسكري صهيوني في أم الرشراش المحتلّة التي كانت القوات المسلحة قد استطاعت في مارس الماضي استهدافَها بصاروخ تمكّن من الوصول بدون أن تستطيع دفاعات العدوّ رصده أَو التصدي له في عملية تجريبية أكّـد قائد الثورة حينها أنها “فتحت أُفُقًا جديدًا”.

لم يتم الكشفُ عن خصائص الصاروخ الجديد، لكن قائد الثورة أوضح في كلمته الأخيرة أنه تم تصميمه وصناعته بشكل خاص؛ بناءً على متطلبات المرحلة الرابعة من التصعيد، على المستوى التقني فيما يتعلَّقُ بتجاوز الطبقات الدفاعية للعدو (التي تشترك فيها دول عربية مع القوات الأمريكية والأُورُوبية على امتداد المسافة) وَأَيْـضاً على مستوى المدى.

والمراقب لطبيعة مسار تطور القدرات الصاروخية اليمني يدرك أن هذا التوضيح يعني أن الصاروخ يمتلك فاعلية كبيرة جِـدًّا؛ لأَنَّ اليمن يمتلك خبرة استثنائية في صناعة وتطوير الأسلحة بناء على متطلبات المعارك، بما في ذلك تجاوز الدفاعات، ومرحلة العدوان السعوديّ الأمريكي على اليمن غنية بالشواهد على ذلك.

وهذا أَيْـضاً ما أكّـده العديد من المراقبين والخبراء العسكريين الذي أبدوا اهتماماً كَبيراً بصاروخ “فلسطين” بعد أن عرضت القوات المسلحة مشاهِدَ مصوَّرةً لعملية إطلاقه، حَيثُ لوحظ أن الصاروخ يعمل بالوقود الصُّلب ويمتلكُ سُرعةً كبيرة، وتم إطلاقُه بزاوية مائلة، وهي مواصفاتٌ مميزةٌ بالنسبة لصاروخ طويل المدى.

ويمثل إدخَال منظومة “فلسطين” البالستية في الخدمة تصعيدًا استراتيجيًّا هامًّا وصادمًا للعدو ورعاته؛ فهو من جهة يؤكّـد ثبوتَ فشل كُـلّ محاولات التخلص من الجبهة اليمنية المساندة لغزة أَو حتى فرض قيود وأطر معينة على تأثيرها وعلى موقعها في الصراع؛ وهو ما حرصت القوةُ الصاروخية على تكريسه من خلال تسمية الصاروخ.

ومن جهة أُخرى، فَــإنَّ هذا الصاروخَ بمواصفاتِه المتطورة سيفتح مسارًا جديدًا للعمليات اليمنية باتّجاه الأراضي المحتلّة؛ فمن المؤكّـد أن دخول هذا الصاروخ جاء بعد تجارب ناجحة وإيجابية في ما يتعلق بتجاوز الدفاعات، وهذا من شأنه أن يقودَ إلى إشعال جبهة قصف أرضي مباشر ستحدث تأثيرات مزلزلة داخل كيان العدوّ الذي خيم عليه قلق كبير في مارس الماضي عندما وصل صاروخ يمني إلى أُمِّ الرشراش بنجاح.

زخمٌ كبيرٌ وبنكُ أهداف يتوسَّعُ باستمرار:

تدشينُ مسارِ العمليات اليمنية العراقية المشتركة وإدخَال منظومة صواريخ فلسطين البالستية في الخدمة، جاء على وَقْعِ استمرار التصعيد الكبير لعمليات المرحلة الرابعة من التصعيد ضد سفن الشركات التي تنتهك قرارَ حظر الوصول إلى موانئ فلسطين المحتلّة، حَيثُ أعلنت القواتُ المسلحة مساء الأربعاء عن استهدافِ ثلاث سفن إحداها أمريكية في البحرَين الأحمر والعربي، وذلك ضمن 11 عملية تم تنفيذها خلال الأسبوع الماضي، وتضمنت استهدافَ حاملة الطائرات الأمريكية “آيزنهاور” التي كشف قائدُ الثورة في كلمته الأخيرة أنه تم استهدافُها بسبعة صواريخ مجنَّحة وأربع طائرات مسيَّرة، وأعلن أنها ستبقى هدفًا للنيران اليمنية كلما سنحت الفرصة؛ وهو ما يعني أنه سيكونُ عليها مغادرة البحر الأحمر نهائيًّا لتجنُّبِ خطر الهجمات اليمنية؛ الأمر الذي يضاعفُ وَقْعَ الصفعة التأريخية الكبرى التي تلقتها أمريكا من خلال استهدافِ “آيزنهاور”.

هذا الزخم الكبير والمتصاعد للعمليات وما يوازيه من فتح مسارات إسناد جديدة وإضافة أهداف نوعية، يؤكّـد نجاح القوات المسلحة في إحكام سيطرتها النارية والعملياتية على مسرح عمليات تأريخي واستثنائي يمتد من البحر المتوسط إلى المحيط الهندي، وبمعادلات تتجاوز الحدود البرية للإقليم أَيْـضاً؛ وهو ما يؤكّـد أَيْـضاً أن اليمن يقوم بالفعل بإحراق المراحل متقدمًا نحو موقعٍ قيادي استراتيجي في الصراع المصيري الذي قد بدأ بالفعل بإحداث تحولات جيوسياسية تأريخية تبرز من خلالها العديدُ من ملامح نهاية عصرِ الوجود الأمريكي الصهيوني في المنطقة، ونهوض نظام جديد سيؤثر على موازين القوى في العالم بأكمله.

 

المسيرة

قد يعجبك ايضا