اليمن يزداد استعصاءً: إسرائيل تكرّر المكرّر

لم تمض ساعات على العدوان الإسرائيلي الأخير على اليمن، والذي استهدف مطار صنعاء والحديدة ومحطتَي حزيز ورأس قنتب، فجر الـ 26 من الجاري، حتى جاء الرد من اليمن باستهداف مطار بن غوريون بصاروخ باليستي فرط صوتي، لتتبعه سلسلة من الهجمات المستمرة منذ ذلك الوقت. ولذا، لم تنه الضربات الإسرائيلية الأحدث، والتي اعتبرت الأكثر شمولاً حتى الآن، النقاش الداخلي حول كيفية التصدي للاستهدافات اليمنية، وهي صارت تأخذ أبعاداً استراتيجية وعملياتية وسياسية، كما توظَّف في الصراع الداخلي بين القوى السياسية داخل الكيان. كما لا يتوقّف الحديث عن الجدوى من تكرار الضربات في فترات متباعدة، مع إقرار بأن مهاجمة البنية التحتية اليمنية لن تغيّر في مواقف القيادة في هذا البلد.
ويؤكد ما يتسرّب عن المستويَين العسكري والأمني في إسرائيل، استعصاء الحلول للمشكلة اليمنية، نظراً إلى القيود الجغرافية والمعضلات العملياتية المتمثّلة في بُعد المسافة وتوزُّع الأصول اليمنية على مساحة واسعة من الجغرافيا المعقّدة، بالإضافة إلى اعتماد الجانب اليمني على الدفاع السلبي في إخفاء القدرات، مع إقرار إسرائيلي وأميركي بالفشل في اختراق اليمن وتكوين بنك أهداف يمكّن من الإضرار بالأصول العسكرية هناك. وحتى لا تدور النقاشات في حلقة مفرغة، ترتفع أصوات وازنة في إسرائيل تدعو الى ضرورة قطع الأوكسيجين عن «أنصار الله»، والمقصود هنا توجيه ضربات إلى إيران، وفق ما يطالب به مثلاً رئيس «الموساد» دافيد برنياع، رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، داعياً إلى عدم الاكتفاء باستهداف اليمن، وإنما الهجوم المباشر على إيران.
وإذ لا يتقبل قادة الكيان أن ينغّص عليهم التحدي اليمني نشوة الفرح بالإنجازات الاستراتيجية في الجنوب السوري، فإن إسرائيل تخشى من تأثير استمرار العمليات اليمنية على معادلات الردع المرسومة، ومن حجم التحدي الكبير الذي تُشكله الضربات اليمنية لقدرة الكيان على حماية المستوطنين، ومصالح الولايات المتحدة في المنطقة. وقد تصدّر التحدّي اليمني المشهد السياسي والأمني والإعلامي في إسرائيل، عقب المتغيّرات التي طرأت على المشهد في سوريا، ليَظهر انكباب أمني على البحث عن خطط للخروج من مأزق محدودية الخيارات وضعف التأثير على صنعاء.

لا يتقبّل قادة الكيان أن ينغّص عليهم التحدي اليمني نشوة الفرح بالإنجازات في سوريا

وهكذا، بات الملف اليمني موضوعاً على نار حامية كأولوية، بعدما ثبت أن قدرة التحالف الأميركي – البريطاني على ردع قوات صنعاء باتت موضع شك، بسبب احتواء الأخيرة للضربات الموجّهة إليها منذ قرابة عام. ويعزو القادة العسكريون الفشل في ثني اليمن عن متابعة مشاركته في جبهة إسناد غزة إلى سببين، الأول أن السقف المحدّد للعمليات من قبل إدارة جو بايدن غير كافٍ، وأن رفعه يعني الدخول في حرب مفتوحة، الأمر الذي يحاذره البيت الأبيض؛ والثاني، الفشل الاستخباراتي، إذ بعد قرابة عشرة أعوام من عدوان «التحالف العربي» بقيادة السعودية وبدعم ورعاية أميركية وبريطانية، وعام على الضربات الجوية على اليمن، تقرّ وكالات الاستخبارات الأميركية البشرية والفنية بعجزها عن اختراق اليمن، وبقدرات الأخير الاستخباراتية في البحر الأحمر، وفي مكافحة التجسس وإعماء العدو وتضليله واستنزاف قدراته. وكان وكيل وزارة الحرب الأميركية لشؤون الاستحواذ والاستدامة، ويليام لابلانت، قد حذّر، الشهر الماضي، من أن القدرات اليمنية أصبحت مُخيفة، وقال إنه مذهول من التقنيات التي يمكن لصنعاء الوصول إليها الآن.
ولا تمتلك إسرائيل القدرات العسكرية التي بحوزة الولايات المتحدة التي أغارت على اليمن بواسطة قاذفات استراتيجية خفيّة من طراز «بي – 2»، في منتصف تشرين الأول الماضي. وقال وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، إن هذه الطائرات انطلقت من الأراضي الأميركية، وادّعى أنها وجّهت ضربات دقيقة ضدّ 5 مواقع محصّنة لتخزين الأسلحة تحت الأرض. وتحتل القاذفة مكانة بارزة بين الطائرات العسكرية، فمميّزاتها تجعلها تقريباً غير مرئية للرادار، ومصممة لحمل الأسلحة النووية واختراق الدفاعات الجوية وإلقاء قنابل خارقة للتحصينات. ومع ذلك، فإن نسبة الاستهدافات اليمنية ارتفعت عما كانت عليه قبل الضربات الأميركية تلك.
وبناءً على ما تقدّم، يتساءل المعلّقون الإسرائيليون عن الفارق الذي يمكن أن تحدثه الضربات الإسرائيلية على اليمن، سوى أنها تمثّل إقراراً بالفشل، على رغم أن حرية العمل الإسرائيلية أوسع من تلك التي تلتزم بها كل من واشنطن ولندن. وعليه، فإن الاتجاه العام في إسرائيل ينحو صوب التدمير الممنهج للبنية التحتية المدنية والاقتصادية، وحرمان اليمنيين ممّا تبقى من موارد لديهم، فضلاً عن محاولة استهداف مسؤولي الدولة والقادة العسكريين فيها. غير أن السؤال يبقى ذاته، ويتمحور حول النتيجة في اليوم التالي، وقدرة إسرائيل على تحمّل حرب الاستنزاف جراء سقوط الصواريخ على تل أبيب ودخول نصف المجتمع الإسرائيلي إلى الملاجئ. وعلى أيّ حال، مهما ارتفع مستوى العنف الإسرائيلي وعدد الغارات وحجمها، فلن يحقّق ما حقّقته الغارات السعودية – الإماراتية والأميركية – البريطانية والتي بلغ عددها أكثر من 247 ألف غارة خلال عشر سنوات.

لقمان عبد الله : الأخبار اللبنانية

قد يعجبك ايضا