اليمن وفلسطين.. تحالف الدم ضد طغيان أمريكا و”إسرائيل”
في العالم الذي تدّعي فيه أمريكا أنها حامية الحرية وراعية الديمقراطية، تقبع في الظل حقيقة مرعبة عن أكبر عدو للبشرية في التاريخ الحديث. كيف لدولةٍ “تُبشّر بالقيم الإنسانية” أن تحمل في سجلّها أكبر رصيدٍ من الإبادات الجماعية والجرائم بحق الإنسانية؟ كيف لأمريكا -التي لا تفوّت فرصةً للحديث عن حقوق الإنسان- أن تكون ذاتها التي بدأت وجودها بإبادة ملايين السكان الأصليين للولايات المتحدة؟.
هي أمريكا التي قذفت العالم بوحشية القنابل النووية في هيروشيما وناجازاكي، لتحرق البشر قبل الأرض، وتترك ندوباً في الذاكرة الإنسانية لا تمحى. وهي ذاتها التي أبادت نصف سكان فيتنام، ودكّت أفغانستان والعراق بنيران أسلحتها، دون أن يرفّ لها جفن.
هل نسيت أمريكا تاريخها في سجون العار؟ من “أبو غريب” في العراق إلى “غوانتانامو” في كوبا، حيث التعذيب ليس فقط ممارسة، بل عقيدة. وهل يمكن لشعارات الحرية والديمقراطية أن تُغطي عار دعمها المطلق للكيان الصهيوني، الذي يمارس أفظع الجرائم بحق أهل غزة، بينما تصرّ أمريكا على الوقوف ضد كل من يساند المظلومين أو يطالب بوقف الإبادة؟
في ظلّ هذه التناقضات، كيف يمكن لأمريكا أن تتحدث عن عدالة دولية وهي التي شرعنت الظلم بأبشع صوره؟ كيف تستمر في تقديم نفسها أنها قوة خيّرة بينما تزرع الموت والخراب أينما حلّت؟
أمام هذه التناقضات الصارخة، يقف اليمن شامخاً، ممثلاً لحضارة تمتد جذورها إلى أعمق صفحات التاريخ، بينما تتصدر أمريكا و”إسرائيل” مشهداً حضارياً مزيفاً، يخفي وراءه تاريخاً دموياً أسود وثقته آلات الإبادة وسلاح التدمير. في هذه المواجهة التاريخية لم يعد الصراع مجرد مواجهة عسكرية، بل بات لوحة درامية تعكس صراع حضارتين: الأولى تدافع عن الكرامة والإنسانية، والأخرى تمضي في سبيلها غير عابئة بجثث الأبرياء.
اليمن: حضارة تصنع الحياة
اليمن بجباله ووديانه وشعبه يدافع عن المظلومين والمستضعفين منذ اليوم الأول لمعركة طوفان الأقصى، ومنذ اليوم الأول للعدوان الصهيوني كان اليمن بجيشه وشعبه حاضرا لإسناد المقاومة الفلسطينية بالعمليات العسكرية والحصار البحري والمظاهرات الأسبوعية والتبرعات المالية. ورفض الشعب اليمني أن يكون شاهد زور على جريمة إبادة يمارسها التحالف الصهيو-أمريكي بحق الأبرياء في غزة. تجلى ذلك في صمود شعبي وجيش ينطق بالقيم. يقف على خط المواجهة ليحمي الإنسان، لا المصالح، ويدافع عن كرامة البشر، لا الغاز والنفط.
ومن هنا، يعلو صوت القائد اليمني السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، مؤكداً إصرار الشعب اليمني على الوقوف بثبات إلى جانب أبناء فلسطين حتى يتوقف العدوان على غزة مهما كانت التطورات. فاليمن -الذي قدّم التضحيات الجسام دفاعاً عن القيم والمبادئ- يرى أن دماء أبناء فلسطين ليست مجرد أرقام في نشرات الأخبار، بل هي رسالة واضحة لكل ظالم ومستكبر بأن إرادة هذا الشعب عصية على الانكسار، وأن مقاومته تمثل الشاهد الحي على بقاء القيم الأصيلة في زمن تُباع فيه المبادئ لمن يدفع أكثر.
أمريكا و”إسرائيل” تتقاسمان أدوار الإبادة
في الجانب الآخر، أمريكا و ”إسرائيل” تتقاسمان أدوار الذبح والنهب. الأولى تُغطي جرائمها بشعارات براقة عن الحرية والديمقراطية، والثانية تفتخر بكونها “الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”، بينما تمارس القتل الممنهج والتدمير الوحشي والإبادة الجماعية بحق الأطفال والنساء.
أمريكا، التي تتقن فن التلاعب بالكلمات، لا ترى في شعوب أمتنا إلا ساحة لتجريب أسلحتها الجديدة وملء جيوب شركاتها العملاقة، فيما يقف اللوبي الصهيوني خلف الستار، يحرك خيوط اللعبة كأنه مخرج سينمائي لمشهد عالمي مبتذل.
أما “إسرائيل”، فهي تمثل النسخة الأكثر وضوحاً لآلة الإبادة؛ لا تتحرك إلا لقتل، ولا تتراجع إلا حين تُجبَر. وفي اليمن المصمم على الوقوف في وجه الإجرام الصهيو أمريكي، يحاولون من خلال القصف و الغارات إنهاء آخر صوت عربي يواجه جرائمهم، ولكن بإذن الله لن يفلحوا، وبيد الله النصر والتمكين، ولن تستطيع أمريكا و”إسرائيل” كسر إرادة هذا الشعب مهما قصفوا واجرموا.
بين ثقافة الحياة وثقافة الموت
عندما نقارن بين العدوان الأمريكي الصهيوني والموقف اليمني، نجد أن اليمن يمثل ثقافة الحياة، حيث يدافع عن أرضه وأهله، ويصر على وقف الجرائم التي لا تتوقف في فلسطين، من منطلق التكليف الشرعي والمسؤولية الدينية والانسانية، في المقابل، تقف أمريكا و”إسرائيل” رمزاً لثقافة الموت: القتل لتحقيق المكاسب، والهدم لضمان السيطرة.
المفارقة العجيبة أن أولئك الذين يرفعون شعارات الحرية وحقوق الإنسان، هم أنفسهم الذين يمولون الحروب ويقودون طائرات بدون طيار لتدمير غزة و إبادة سكانها، أمريكا التي تتغنى بديمقراطيتها، هي ذاتها التي تدافع عن مجازر “إسرائيل” وتدعمها بالسلاح والمال، بل وتشرعن جرائمها تحت عنوان “الدفاع عن النفس”.
اليمن وغزة: إسناد وجهاد لا ينكسر
في الوقت الذي صار في الصمت لغة الخطاب، تنهض اليمن كما لو أنها آخر من تبقى من زمن الأصالة وقيم النخوة والنجدة العربية ومبادئ الإسلام الأصيل في نصرة المستضعفين؛ تخرج من تحت الركام صوتاً صادقاً، يهتف بحب فلسطين كأنها قطعة من القلب، وكأنها نداء ضمير لا يملكه سواها. هناك، حيث تُقصف صنعاء و الحديدة و بقية المدن اليمنية، وحيث تتكالب على اليمن ثلاث قوى عالمية: أمريكا، بريطانيا، و”إسرائيل”، يظل هذا الشعب -المكدود بالجراح- يصرخ بوضوح: “لن نتراجع عن نصرة غزة، مهما كان الثمن.”
هذا الموقف الذي يبدو كأنه حكاية قديمة من كتاب عن الأخلاق المنسية، يضع اليمن في مواجهة صريحة مع قوى الشر.
اليمن يعرف جيداً أن غزة ليست معركة منفصلة، بل هي جزء من معركة أكبر، معركة وجود بين الحق والباطل، بين قيم الإنسانية وقسوة الهيمنة، هيمنة أمريكا التي تعطي دروساً للعالم في الديمقراطية وحقوق الإنسان وتقف على رأس العدوان شريكة في قصف الأبرياء، داعمةً لكيان يبني وجوده على أشلاء الآخرين.
ولكن، ما الذي يجعل اليمن وحيداً في هذا الموقف؟ أين بقية العرب؟ هل انطفأت قلوبهم، أم غُلّقت عقولهم وراء أبواب المصالح؟ في هذا المشهد المملوء بالتناقضات، يصبح اليمن -بجرحه العميق- شاهداً على خيانة الأمة لنفسها، شاهدا بمرارة على أمة باعت قضاياها، وعالم صامت أمام مشهد الإبادة .
اليمن -في تمسكه بموقفه تجاه غزة- ليس فقط يدافع عن فلسطين، بل عن ضمير الأمة كلها، إنها معركة تتجاوز الجغرافيا، لتصل إلى جوهر الإنسان، حيث المبادئ لا تباع، والكرامة لا تُشترى.
رغم كل هذا، يبقى اليمن حاضراً في قلب الصراع الحضاري، هذه الأرض التي هزمت كل الغزاة عبر التاريخ، تقف اليوم لتقول للعالم إن الحضارة لا تُقاس بعدد الطائرات ولا بكمية الصواريخ، بل بقيم العدالة والحرية.
في اليمن، لا يُنظر إلى أبناء فلسطين أنهم أرقام تُضاف إلى تقارير المنظمات الدولية، بل أرواحٌ يجب أن تُحمى مهما كان الثمن.
هذا التصعيد ليس مجرد معركة في ساحة حرب، بل هو انعكاس لصراع أعمق بين حضارتين: حضارة تحمي الإنسان وأخرى تسعى إلى إفنائه، وإذا كان العالم اليوم يغمض عينيه عن جرائم أمريكا و”إسرائيل”، فإن التاريخ لن ينسى، واليمن لن يسكت.
في النهاية، قد تُسقط الطائرات صواريخها، لكن لن تُسقط أبداً إرادة اليمنيين الذين علّموا العالم كيف تكون الكرامة، وكيف تنتصر الحضارات التي تصنع الحياة على تلك التي تزرع الموت.
المصدر ـ موقع أنصار الله