اليمن: مقاومة المبدأ في وجه العالم : حالة فريدة في العلاقات الدولية – رؤية جديدة في السياسة والمجتمع – تطور دائم بناء على القناعات الراسخة
اليمن: مقاومة المبدأ في وجه العالم
حالة فريدة في العلاقات الدولية – رؤية جديدة في السياسة والمجتمع
تطور دائم بناء على القناعات الراسخة
كتب / خالد خليل
العبارة التي قالها قائد حركة أنصار الله، عبد الملك الحوثي: “اليمن في كفة والعالم في كفة”، تحمل معاني عميقة تتجاوز مجرد الكلمات لتجسد رؤية سياسية واجتماعية تعكس مكانة اليمن في العالم وتصورها لنفسها في سياق الصراع الدولي. هذه المقولة تعكس شعورًا بالاستقلال والعزة، وتؤكد على أن اليمن، رغم تحدياتها الداخلية والخارجية، تقف كدولة ذات مبدأ في مواجهة القوى العالمية، وهو ما يمنحها قوة معنوية تتجاوز إمكانياتها المادية.
اليمن: دولة مبدئية
في السياق السياسي، تعكس هذه المقولة فلسفة سياسية خاصة باليمن؛ فلسفة تقوم على مبدأ أن السيادة الوطنية لا تُقاس بالقوة العسكرية أو الاقتصادية، بل بالقدرة على الحفاظ على المواقف والمبادئ الثابتة. اليمن اليوم تقدم نفسها كنموذج سياسي يرفض الاستسلام للهيمنة الدولية، ويصر على أن يكون مبدئيًا في مواقفه، خصوصًا في القضايا التي تمس وجودها الوطني. من هذه القضايا تبرز القضية الفلسطينية التي تعتبرها اليمن القضية المركزية في سياستها الخارجية. اليمن، إذن، ترفض الانصياع للضغوط الخارجية وتستمر في مقاومة قوى الاستعمار والهيمنة، لتصبح نموذجًا للدولة المبدئية التي لا تساوم على سيادتها.
المقاومة بلا مصالح: اليمن وأبعادها الاجتماعية
من منظور علم الاجتماع السياسي، تمثل اليمن حالة فريدة في السياسة الدولية. في حين أن معظم السياسات الدولية تقوم على المصالح والصفقات، فإن السياسة اليمنية تتجه نحو المقاومة التي لا تتعلق بتحقيق مصالح خاصة أو مكاسب آنية، بل هي مقاومة من أجل مبادئ أعمق. اليمن تتمسك بحق الشعوب في تقرير مصيرها، ورفض التدخلات الأجنبية، وتدافع عن حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية. هذه المقاومة ليست نابعة من حسابات مصلحية أو استراتيجية قصيرة الأمد، بل من مبادئ ثابتة تتعلق بالهوية الوطنية والثقافية، مما يجعلها تنفرد عن غيرها من دول المنطقة.
العلاقات الدولية: مبدأ فوق المصلحة
على المستوى الدولي، تختلف السياسة اليمنية عن غيرها من السياسات التي تقوم على المصالح الاقتصادية أو العسكرية. في اليمن، يتم تحديد العلاقات مع الدول الأخرى بناءً على المبادئ المشتركة، أكثر من المصالح المادية. اليمن تسعى لإيجاد حلفاء يعترفون بمبادئها، ويشاركونها رؤيتها السياسية بشأن السيادة ورفض الهيمنة. لا تسعى اليمن إلى التوسع أو القوة العسكرية على حساب الآخرين، بل تركز على دعم قضايا الشعوب المظلومة مثل القضية الفلسطينية، وتثبت موقفها الثابت في مواجهة التدخلات الأجنبية.
النقد والتحليل التقليدي للسياسة
في الفكر السياسي التقليدي، تُعتبر المصالح هي المحرك الأساسي للسياسات الدولية. لكن النموذج اليمني يطرح سؤالًا حول ما إذا كانت السياسة يجب أن تُقاس بالمصالح فقط، أم ينبغي أن يكون لها بُعد أخلاقي وقيمي. اليمن ترفض هذا التحليل التقليدي، وتدعو إلى “التحليل المبدئي” الذي يأخذ بعين الاعتبار القيم والمبادئ الإنسانية الأساسية، والتي لا ينبغي التفريط فيها مقابل المصالح الآنية. هذا النموذج يعيد النظر في كيفية فهم السياسات العالمية ويعرض مفهومًا جديدًا للسيادة والمقاومة لا يرتبط بالقدرة العسكرية أو الاقتصادية، بل بالثبات على المواقف المبدئية.
المستقبل اليمني: رؤية جديدة في السياسة والمجتمع
اليمن اليوم تمثل نموذجًا سياسيًا فريدًا، ينبع من تمسكها بمبادئها الثابتة في مواجهة التحديات الكبرى. قد تكون اليمن دولة صغيرة جغرافيًا، لكنها بحجم تأثيرها في السياسة الإقليمية والدولية. هذا النموذج، القائم على المبدئية والمقاومة بلا مصالح، يفتح آفاقًا جديدة لفهم العلاقات الدولية والسياسة العالمية. اليمن، كما يظهر من خلال مواقفها الثابتة، تعيد تحديد معايير السيادة والمقاومة، مؤكدة أن القوة الحقيقية لا تكمن في السلاح أو المال، بل في المبادئ التي تؤمن بها الشعوب.
“اليمن فيه كفة والعالم فيه كفة” ليست مجرد عبارة، بل هي رؤية سياسية عميقة تعكس فكرًا جديدًا في السياسة والمقاومة. اليمن تقدم لنا دروسًا في الثبات على المبادئ، وفي كيفية مقاومة القوى الكبرى من دون التفريط في السيادة الوطنية أو القيم الإنسانية.
اليمن: التطور الدائم بناء على القناعات الراسخة
كما يبدو فان اليمن، بفضل قناعاتها الراسخة في مواقفها السياسية والمبدئية، تشهد تطورًا مستمرًا على جميع الأصعدة. رغم التحديات الكبيرة التي تواجهها، لا تزال اليمن تسعى بجد لبناء دولة قوية على كافة المستويات العسكرية، الاقتصادية، التكنولوجية والثقافية. إن هذا التطور لا يعد فقط نتاجًا للظروف، بل هو استحقاق لهذه القناعات الثابتة التي لا تتزعزع، والتي تشكل أساس رؤيتها الوطنية.
من الناحية العسكرية، يسعى اليمن إلى تقوية قدراته الدفاعية ليس لمجرد الحفاظ على أمنه، بل أيضًا لتمكينه من مواجهة التحديات الخارجية التي تهدد سيادته.
على مستوى التكنولوجيا، تستثمر الدولة اليمنية في تطوير قدراتها التقنية، رغم الحصار والتحديات، بهدف تقليص الفجوة التكنولوجية وتعزيز استقلالها العلمي.
في الاقتصاد، تتوجه اليمن نحو بناء بنية اقتصادية مستدامة، تتناغم مع طموحاتها في تحقيق الاستقلال الاقتصادي بعيدًا عن التبعية للخارج.
وفي الثقافة، تظل اليمن تحافظ على تراثها الحضاري وتعمل على تنميته من خلال المبادرات المحلية التي تدعم الإبداع والمعرفة.
كل هذه الجهود لا تمثل مجرد رد فعل على التحديات، بل هي تجسيد للرؤية المبدئية التي تأسست عليها اليمن. تطور اليمن اليوم ليس محض صدفة، بل هو نتيجة منطقية لإيمانها العميق بقيمها ومبادئها التي تشكل دافعًا أساسيًا للنهوض والتقدم.