اليمن: معجزة لن ينساها التاريخ
الحقيقة/شارل ابي نادر
حتى الآن، ست سنوات بالتمام والكمال مرت من العدوان على اليمن، حملت الكثير من المعارك والمواجهات الميدانية والسياسية والديبلوماسية، تداخلت خلالها سلسلة طويلة من صور المآسي والمعاناة الإنسانية والاجتماعية مع صور الثبات في الميدان والاقتدار العسكري والشعبي، صور الخيبات مع صور الانتصارات، ومع كل ذلك، طغت صورة واحدة فرضت نفسها، لم ولن يستطع أحد نكرانها أو تجاوزها، صورة شعب صامد، قاتل أقوى الجيوش والدول وهو عار، جائع، مريض ومظلوم، تحدى نصف الكون وبقي صامدًا عزيزًا كريمًا.
تكلم كثيرون وبحقٍ، عن معركة اليمنيين بمواجهة تحالف العدوان، عن الصمود والثبات في الميدان، قتالًا باللحم الحي وبأبسط أنواع الأسلحة الفردية المتواضعة، بمواجهة أكثر آلات القتل والدمار تطورًا وقدرة، فاستطاعوا كسر المعادلات التي سادت أغلب الحروب والمواجهات، حيث الضعيف لا بد أن ينكسر أمام القوي والمتمكن، فكانوا مثالًا ضاربًا عبر التاريخ، عن شعب فقير انتصر على زمرة من الدول الغنية، وأرغمها على أن تتوسل منه وقف استهدافها ومواجهتها.
تكلم كثيرون أيضًا، وسوف يتكلمون دائمًا، عن سر هذا التفوق الاستثنائي في القتال، دفاعًا في أصعب المناطق الجغرافية وعورة، وهجومًا في أخطر الميادين المكشوفة المرصودة، والممسوكة بأحدث أنواع الأسلحة ووسائل المراقبة والرصد، فشكل نموذج قتال أبناء اليمن في الدفاع والهجوم، مدرسة استثنائية في التكتيك والمناورة، أيضًا وأيضًا، كسروا فيها ما أرسته جيوش الدول عبر التاريخ، في معادلات التوازن والتناسب بين الإمكانيات من جهة، وبين الأهداف الموضوعة والمحققة من جهة أخرى.
هذا على صعيد القتال والمناورة وتكتيك الدفاع والهجوم وفن العمليات الخاصة، ولكن ما كان لافتًا كذلك لأغلب المتابعين والمعنيين، في الإقليم والعالم، ما يتعلق بمسار تطوير وتصنيع الأسلحة والقدرات النوعية التي حققتها وحدات الجيش اليمني وأنصار الله، من صواريخ باليستية أو مجنحة، أو من مسيرات مختلفة النماذج الخاصة بالمراقبة أو الهجوم أو المركبة من الخاصتين، أو من منظومات دفاع جوي، وكل ذلك بتقنيات خاصة وامكانيات متواضعة، أذهلت دول العدوان وجعلتهم مصدومين من تأثيراتها وفعاليتها، محتارين في كيفية مواجهتها والتعامل معها، فكانت هذه القدرات النوعية، النقطة الإستراتيجية المفصلية، والتي أفشلت وبشكل نهائي، أية فرصة للعدوان للتملص من الهزيمة، أو أية امكانية لإعادة تنظيم صفوف وحداته والانطلاق في عملياته العدوانية في الميدان من جديد.
أيضًا وأيضًا، سلط كثيرون الضوء وبصدق، على قيادة جبارة أحسنت وبحكمة استثنائية وبتفوق صادم للعدوان، إدارة معركة من أصعب المعارك التي يخوضها شعبٌ محاصرٌ وجيشٌ محدود الإمكانيات، بمواجهة أقسى أنواع الضغوط العسكرية والمالية والسياسية والاجتماعية، والثبات في قيادة مناورتي المواجهة العسكرية والسياسية بنجاح منقطع النظير، فأذهلت بذلك المتابعين والمعنيين في المحيط والعالم، وكانت اية مقارنة بسيطة بين هذه القيادة اليمينة الصامدة التي انتصرت، وبين مستوى ما ظهرت به قيادة العدوان المهزوم من ضعف وتردد وضياع، كافية وحدها لاستنتاج أحد أهم أسباب هذا الانتصار التاريخي لأبناء اليمن.
أخيرًا، وكيفما تكلم الجميع، ومهما كان مستوى كلامهم عادلًا ومحقًا، لن يكون كافيًا لإيفاء هذا الشعب اليمني العظيم حقه، هذا الشعب الجبار الذي صبر صبرًا عظيمًا أمام خسارته سيلاً جارفًا من الشهداء، من الرجال المقاتلين في الميدان، ومن الأطفال في مدارسهم وعلى طرقاتها، ومن الشيوخ في دور العبادة أو في منازلهم أو أكواخهم الفقيرة، فكان هذا الشعب وبحق، معجزة التاريخ الحديث.