اليمن.. سنوات الحرب عصفت بالاقتصاد …!
تتطلب مقاربة آثار حرب التحالف السعودي على اليمن رؤية بمنظار يوضح كامل الصورة؛ إذ ليس استشهاد وجرح عشرات الالأف من اليمنيين الأبرياء خلال ما يزيد عن 2100 يوم، وتدمير 9526 منشأة في البلاد التي تعاني منذ عقود من تخلف في التنمية… وحدها كفيلة بالدعوة لإيقاف الحرب، وإنما ينبغي إحصاء الخسائر بشكل يلحظ حقيقة واضحة: اقتصاد اليمن مدمر والسكان يواجهون الجوع حرفياً.
تتحدث الأرقام عن افتقاد لـ28 مليون يمني – أي الغالبية العظمى من السكان- لمقومات الحياة الأساسية من ماء وكهرباء وصحة وتعليم، كما يحتاج 24 مليون مواطن إلى مساعدات إنسانية، منهم 12 مليوناً بأمسّ الحاجة إلى تلك المساعدات.
هذه الفاقة لا تقتصر على الكبار بل تشمل الفئات الاجتماعية الأكثر ضعفاً أي الأطفال، فبعد اتخاذ دول الجوار اليمني قراراً بـ”تجويع” اليمنيين وفق تعبير وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك، ارتفع عدد الأطفال الذين يعانون من سوء تغذية حاد إلى 2.1 مليون طفل.
لقد أنتجت الحرب المستمرة على اليمن منذ نحو 6 أعوام أزمات إنسانية واجتماعية عميقة، وأدت إلى تدمير الدورة الاقتصادية وتشريد الفئات العاملة، وقطع سلاسل التوريد، وتشتيت مركز الحكم حتى فقد اليمن قدرته على تثبيت سعر واحد للصرف.
أما وباء كورونا فقضى على الآمال المعقودة على التحويلات المالية الخارجية، بعد أن تراجعت تحويلات اليمنيين العاملين في الخارج بين 50 و70% منذ بداية الوباء، وفق الأمم المتحدة.
كما ساهم تراجع أسعار النفط عالمياً بانخفاض قيمة صادرات اليمن النفطية، الأمر الذي زاد الأعباء على الخزينة ودفع السلطات إلى اللجوء لتمويل عجز الموازنة من مصادر تضخمية.
ونتيجة لهذه العوامل وغيرها ازداد انكماش الاقتصاد المحلي وتدهور سعر صرف العملة الوطنية بأكثر من 186%، فيما فقد الناتج الاقتصادي لليمن 89 مليار دولار عام 2019، وهو رقم سيواصل الارتفاع ليصل إلى 181 مليار دولار، بحسب تقرير سابق صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
فعلياً، تراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي بحوالي الثلثين، وتآكلت الطبقة الوسطى وخاصة شريحة الموظفين المعتمدة على مرتبها الحكومي كمصدر رئيس للدخل، فيما أضحى أكثر من 80% من السكان فقراء.
لكن في مقابل هذه الكارثة التي حلّت على السواد الأعظم، تكونت طبقة ثرية جديدة مستفيدة من ضعف سيطرة الدولة، وتعدد الحكومات والمضاربة بالعملة واستيراد السلع الغذائية، منشئين بذلك اقتصاداً موازياً للاقتصاد الحكومي.
أمام ذلك، وفيما يسير اليمن إلى “أسوأ مجاعة يشهدها العالم منذ عقود” وفق تعبير الأمين العام للأمم المتحدة، يصبح الحديث عن مستقبل البلاد متعلقاً بنقطة حاسمة: نهاية الحرب -لا المساعدات الإنسانية- هي البداية الضرورية لإعادة بناء اقتصاد البلاد المدمر.