اليمن: خمسة أشهر بإسناد فاعل.. والقادم أعظم
واحدة وستون سفينة وبارجة ومدمرة، استُهدفت خلال خمسة أشهر من الإسناد اليمني للمقاومة في غزّة، لإجبار كيان العدوّ ومن خلفه الغرب بقيادة واشنطن، على وقف العدوان ورفع الحصار عن المستضعفين في القطاع المحاصر، في أكبر مهمّة إنسانية أخلاقية قيمية على الإطلاق في العصر الحاضر، حيث اختار اليمن أن يتعرض لمخاطر المواجهة مع أكبر قوّة عسكرية مهابة على وجه الأرض، الإمبراطورية الأميركية، وبكل هذا الزخم الذي تجاوزه، بحسب السيد عبد الملك الحوثي، أي زخم للقوات المسلّحة اليمنية على مدى ثماني سنوات من العدوان السعودي – الأميركي.
عندما خاض اليمن غمار هذه الحرب، كان يأخذ في حسابه كلّ العوامل التي يمكن أن تؤثر في المواجهة، وكانت القيادة على إدراك كامل، بالأسباب والوسائل التي من شأنها أن تجعل الميزان لصالح فلسطين، وأهم هذه العوامل، أمر الله سبحانه، في قوله: “وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ”، مع وعده تعالى: “إن تنصروا الله ينصركم”، ومع كلّ ضربة تستحضر القوات اليمنية، قوله: “وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى”. وقبل الدخول في المواجهة، كان اليمن يسعى للتحضير، انطلاقًا من قوله: “وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة”.
اذًا، هذه هي عناصر المعادلة البسيطة التي لا يدركها الغرب ولا أذيالهم، تبدأ بالامتثال لأمر الله بالجهاد في سبيله، والإعداد بقدر الاستطاعة من دون توان للعدّة والعتاد والسلاح ثمّ الايمان بوعد الله بالنصر، وترك مسؤولية التسديد لله سبحانه، وتوجيه السهم والقذيفة والصاروخ، وتمكينها من التأثير الذي يريده الله سبحانه، وبالمستوى الذي يشاء، وتترك له وحده عاقبة الأمر كله.
هذه القواعد بعيدة كلّ البعد عن الاتكال والتواكل، ونائية بشكل كامل عن المغامرة غير محسوبة العواقب، فمعارك الدفاع لا تأخذ بكلّ عوامل وأسباب وحسابات معارك الهجوم، كلّ واحدة مختلفة بشكل كامل عن الأخرى، وما نتج عن عمليات الإسناد اليمني إلى اليوم يؤكد هذه الحقائق، بفعاليته وتأثيره وانعكاساته داخل دول العدوان وثلاثي الشر، والتقارير القادمة من الكيان ومن بريطانيا والولايات المتحدة كلها تؤكد أن عمليات البحر الأحمر تؤتي أكلها وتترك تأثيرات في تلك الاقتصادات.
قبل أيام أصدر معهد واشنطن تقريرًا بعنوان “البعثة البحرية الجديدة للاتحاد الأوروبي في البحر الأحمر: التداعيات والتحديات”، وأكد المعدّ خلال التقرير أن: “التصعيد المنضبط في المنطقة لن ينجح في تشكيل الردع”، بدورها عنونت “ذا اتلانتيك”: “ردع عمليات اليمن أصبح شبه مستحيل”، في ما نقلت “سي ان ان” عن مسؤول أميركي، قوله: “الحوثيون يواصلون مفاجأتنا، وليس لدينا فكرة جيدة عمّا لديهم من أسلحة”، ولم يتوقف الأمر هنا، بل وصل إلى قائد القيادة المركزية الأميركية مايكل كوريلا الذي أقرّ بعدم وجود “حلّ عسكري خالص لجميع التهديدات المعقّدة التي نواجهها” – في إشارة إلى عمليات القوات المسلحة اليمنية – مضيفًا أنّ: “الشرق الأوسط يمرّ بوضع غير محتمل وغير مسبوق”، ولافتًا إلى أنّ: “اليمن يصنع الكثير من الطائرات المُسيّرة ولدينا تحديات في ذلك”. وأكد كوريلا أنّ: “المُسيّرات اليمنية واحدة من أكبر التهديدات لأنها غير مكلفة وهي سلاح موجه بدقة”.
يأتي اعتراف قائد القيادة المركزية الأميركية بالتزامن مع إعلان السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي الذي يقود عمليات إسناد غزّة، عن تنفيذ القوات المسلحة اليمنية ستًا وتسعين عملية إسناد لغزّة، مكرّرًا في خطابه بالأمس ما قاله في الأسبوع الماضي، هناك مفجآت قادمة، نتركها للميدان، مؤكدًا أنها ستكون مفاجآت لا يتوقعها العدو، ولا الصديق. وزاد في خطابه الأخير بأن القادم أعظم، بعد أن أشار إلى الاندهاش والذهول الأميركي من القدرات اليمنية: “في بداية العدوان الأميركي السعودي على بلدنا، كان المدى الصاروخي للقدرات الصاروخية قرابة الأربعين أو الخمسة والأربعين كيلو، ثمّ بلغ إلى مستوى فوق الألف كيلو، لكن في هذه المرحلة على مستوى المدى، على مستوى القدرة الفائقة في الإصابة والدقة الفائقة في الإصابة والقدرة التدميرية، هناك اندهاش أميركي حتّى من ضربة الأمس التي أصابت سفينة أميركية، هناك اندهاش وذهول من الدقة في الإصابة، ومن القوّة في التدمير”.
مع استمرار المجازر الصهيونية في غزّة، وتواصل العدوان الأميركي البريطاني على اليمن، تعهدت القوات المسلحة اليمنية، بتطوير العمليات العسكرية ضدّ سفن ثلاثي الشر الأميركي والإسرائيلي والبريطاني، وبعد أن كانت الضربات الصاروخية والمسيّرة بالكاد تصل بالقرب من السفن المستهدفة، كضربات تحذيرية، فإنها انتقلت بعد التصعيد الأميركي البريطاني المعادي إلى مرحلة إصابة الأهداف بدقة وبكثافة نيرانية، كما حصل في الضربات الأخيرة، ومنذ استهداف السفينة البريطانية “روبيمار” التي استُهدفت في 18 فبراير/شباط الماضي، وأجلي طاقمها. وقال بيان القوات المسلحة حينها إنها معرّضة للغرق، وحاول مسؤول في وزارة الحرب الأميركية تخفيف وطأة الضربة بالقول إن السفينة ما تزال طافية حتّى يوم الخميس، وبالفعل أعلن عن غرقها في الخامس من الشهر الجاري.
الدقة في إصابة وربيمار البريطانية، ثمّ لاحقًا ترو كونفيدنس المملوكة لشركة “أوكتري كابيتال مانجمنت”، وهي شركة مقرها لوس أنجلوس، كان مؤشرًا على تصاعد نوعي في العمليات، ويحمل رسائل إلى الأميركي والبريطاني ترفع من المطالبة بوقف العدوان على غزّة ورفع الحصار من جهة، ومن جهة أخرى تشير إلى الفشل الأميركي البريطاني في العدوان المتكرّر، والذي لم ولن يحد من القدرات اليمنية بل يزيدها تطوّرًا في الدقة والمدى والتكتيك والتكنولوجيا؛ والقادم أعظم.
علي الدرواني