اليمن المنتصر لفلسطين.. ثمرة صمود السنوات التسع
يستشرف اليمانيون عامًا عاشرًا من الصمود والجهاد، في شهرٍ نذروا فيه صيامهم وقيامهم وكلّ أوقاتهم لغزّة هاشم. وفي معركة باتت أوسع حدودًا وامتدت لتقطع كلّ الممرات البحرية عن “إسرائيل”، والعزائم اليمنية آكد وأوثق، والقرار هو الثبات والاستمرار في التصدي للعدوان ومقارعة قوى التصهين وأرباب النفاق. كيف لا؟ وشهر رمضان يقضونه رباطًا مع فلسطين. أنشطةٌ واسعة تقام يوميًا تحشيدًا وتعبئة لمعركة الفتح الموعود والجهاد المقدس.
يتحدث نائب وزير الثقافة، في حكومة الإنقاذ الوطني وعضو لجنة الفعاليات والمناسبات، الأستاذ محمد حيدرة عن زخم البرامج والأنشطة المتضامنة مع غزّة لموقع “العهد” الإخباري: “في شهر رمضان تخرج مسيرات حاشدة، في العاصمة صنعاء وعموم المحافظات، عصر كلّ جمعة تأييدًا ومناصرة للمجاهدين في غزّة وللشعب الفلسطيني عامةً. كما تقام وقفات احتجاجية أسبوعية عقب صلاة الجمعة في معظم المساجد اليمنية، وتقام أيضًا ندوات وحلقات نقاشية في الجامعات وبعض مؤسسات الدولة. وهناك حملات إعلامية مكثفة لدعم الشعب الفلسطيني والمجاهدين وإسنادهم في غزّة، إلى جانب حملات التبرعات التي لا تتوقف، وتتم بالتنسيق مع ممثلي فصائل حركات المقاومة الفلسطينية”.
ويشير عضو المكتب السياسي لأنصار الله الأستاذ محمد الفرح، في حديثه لموقع “العهد” الإخباري، إلى السمة الرمضانية اليمنية لهذا العام: “نحن نرى أن هذا الشهر يختلف عما سبقه بأنّ لنا موقفًا مناصرًا، وهذا محسوب للشعب اليمني. فإذا كان شهر رمضان هو شهر الجهاد وشهر التقوى، فنحن نرى أن ما تقوم به القوات المسلحة من جانب، وما يقوم به الشعب اليمني من جانب آخر، هو الذي يعكس حال التقوى، وهو عبادة مقدسة ويدخل ضمن فريضة الجهاد في سبيل الله. فالصمت والسكوت والتقصير إزاء ما يحدث في غزّة هو إجرام وعصيان لله وتمرد على توجيهات الله التي تأمر الإنسان المسلم أن يناصر أخاه وأن يقف معه، وأن يقاتل في سبيل المستضعفين. فمن أهم ما يميز شهر رمضان هذا العام أنه بالتزامن مع عملية الصيام، هناك أيضًا عمليات عسكرية تقوم بها القوات المسلحة في البحر الأحمر والعربي، وأيضًا كما أعلن السيد القائد في المحيط الهندي وحتّى رأس الرجاء الصالح، وتترافق معها أنشطة وفعاليات شعبية لمناصرة فلسطين، وهي جميعها تدخل ضمن الجهاد في سبيل الله”.
في ١٥٤ ساحة أو يزيد، تداعى اليمينون أفواجًا مليونية تلبي نداء غزّة والقدس. خرجوا في نهار رمضانهم، فما أبطأتهم شمس الظهيرة وحرّها، وهم يدركون أن أطفال غزّة لا أسقف تغطيهم فتقيهم برد ليالي القصف، وحرَّ وجوع نهار الحصار.
تحشدوا بمعنويات عالية وهمة من لا يألون جهدًا لإيقاف الحصار والعدوان على غزّة. ينوّه الأستاذ حيدرة لموقع “العهد” الإخباري: “تفاعل الشعب اليمني مع غزّة منقطع النظير، فلقد أصبح الحديث الأساسي والأول والطاغي على حياة الناس هو فلسطين، والالتفاف حول قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي – حفظه الله – وتفويضه في كلّ الخطوات والقرارات التي تسهم في دعم المقاومة الفلسطينية، وكذلك التأييد المطلق للقوات المسلحة اليمنية، مع العداء والكره للعدو الإسرائيلي والأميركي والبريطاني”.
ويصف الأستاذ الفرح المظاهرات اليمنية لموقع “العهد” الإخباري: “تختلف هذه المظاهرات عن غيرها أن كلّ من يحضرون إلى هذه الساحات يحضرون باستعدادٍ عالٍ للتضحية، ويحضرون بأسلحتهم. ولا أذكر أنني لقيت أحدًا ممن يحضر هذه المظاهرات، إلا وهو يحمل تفاعلًا كبيرًا واستعدادًا عاليًا لأي خيار يتخّذه القائد في سبيل الله، نصرةً لأهل غزّة وفلسطين، الكل مستعد ولا يوجد سقف محدّد للموقف بالنسبة إلى الجماهير، فلا فرق بين الفرد والقائد في المعنويات والاندفاع، وفي مستوى الاستعداد للتضحية، هذه نعمة كبيرة بفضل الله وبحمد الله، فهو الذي وفقنا لمثل هذه الأعمال التي تعد كبيرة”.
وعن تأثير التحرك الشعبي الجماهيري على العدوّ الأميركي والإسرائيلي؛ يتحدث الفرح لموقع “العهد” الإخباري: “العدوّ دائمًا يزن الأمور بميزان تأثير هذه الأعمال على مؤامراته وسياساته، ولا ينظر بنظرة أخرى هو ينظر من هذا المعيار، كم مستوى السخط الذي سيعيق سياساته مستقبلًا، ويعيق مشروعه الذي يهدف إلى الهيمنة والتحكّم ونهب الثروات ومشاريعه الكبرى التي يطلق عليها أمركة العالم ومشاريع العولمة، وغيرها من الأهداف التي يريد تحقيقها والوصول إليها. فالسخط وتنمية الشعور بأن هذا عدو، وتنمية الشعور بخطورته، هذه مسائل يحسب لها ألف حساب، بل قد تكون أحيانًا أشد عليه من إطلاق الرصاص؛ لأنها أمور تبقى في الذاكرة الشعبية وتورث للأجيال”.
وينوّه الأستاذ محمد الفرح لموقع “العهد” الإخباري: “أنَّ التفاعل الشعبي مع غزّة وفلسطين يأتي من إحساس عالٍ بالمسؤولية وشعور بالألم، فالشعب اليمني نتيجة المعاناة التي عانها والألم الذي حلَّ به، يشعر أكثر من بقية الشعوب بحجم المظلومية في غزّة، فنحن على مدى تسع سنوات ذقنا الأمرّين جراء العدوان السعودي الأميركي- الإماراتي على اليمن، وعندما نرى المجازر والأشلاء المتناثرة في الشوارع والطرقات ونرى الحصار على غزّة، نستذكر ما حلَّ بنا على مدى أعوام العدوان الذي بدأ على اليمن في ٢٠١٥ ومستمر حتّى اللحظة. فالإنسان اليمني الذي فقد أهله وأسرته، وفقد بيته وممتلكاته جراء العدوان عليه من النظامين السعودي والإماراتي، هو أكثر إنسان يشعر بمعاناة غزّة وفلسطين”.
كما يلفت الفرح إلى عوامل تحرّك اليمنيون: “الشعب اليمني هو شعب حرّ، ويتفاعل مع قضايا أمته. وهو شعب معنوياته عالية، وشعبٌ محافظ متمسك بدينه. والشعب اليمني ما تزال ثقافته والمفاهيم التي يحملها كلها مفاهيم وثقافة صحيحة قرآنية، ثقافة نقية من كلّ الشوائب. أيضًا القيادة لها دور، عندما يكون من يقود الناس ومن يتربّع على عرش السلطة خانعًا ذليلُا، بالتأكيد هو سيتّجه ليربي شعبه على أن يكون هكذا، ويقتل فيه الضمير، ويقتل فيه الإحساس بالآخرين، وهناك شعوب أقرب للشعب الفلسطيني منَّا لا يعزل بينها وبين الشعب الفلسطيني فاصل سوى الشباك، لكن لأن رأس السلطة والنظام القائم الموجود لديهم مرتبط بعلاقات وباتفاقيات وتربطه بالعدو مصالح مشتركة، ومعاييره وحساباته مختلفة في مسألة نصرة المظلوم. يغلب ما يراها بأنها مصالح؛ فيتّجه في المقام الأول إلى تثقيف شعبه بثقافة السكوت والجمود، ومحاولة إلهائهم وتخويفهم من جانب آخر، ويتّجه إلى قمع وسجن الأحرار ومن لا يزال فيه غيرة وحمية، بالذات من يتبنون مواقف عملية”.
في أعوام صموده، يخوض اليمن معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، ينتصر للقضية التي حورب وحوصر لأجلها تسع سنوات وما يزال.. وها هو اليوم يناصر فلسطينه، وماضٍ في تصعيدات كبرى، غير آبهٍ بجعجعة العدو.