اليمن الجغرافي والأطماع الخارجية ..
مشروع سعوصهيوأمريكي للسيطرة على باب المندب
تقرير / محمد الحمزي
تزايدت الأطماع الخارجية للسيطرة على ثروات اليمن وخيراتها ومواقعها الإستراتيجية والهامة , والتي لم تتوانى تلك الدول الطامعة حتى شنت عدوان عالمي – بصمت أو بتدخل مباشر – على دولة اليمن العظمى بشعبها وثرواتها , فبعد أن عاد الممرُّ الحيوي إلى السيطرة اليمنية بعد خروج المستعمر البريطاني من عدن العام 1967 والذي يصل طوله إلى 50 ميلاً، بينما لا يتجاوز عرضُه 19،5 ميلاً , لذا تحاشت دول العدوان تدويل باب المندب لأن أية دعوة لتدويلِ المضيق ستنعكسُ على ترابُطِ الجبهة الداخلية وزيادة تماسكها وهو ما لا تريده.. شن تحالف العدوان حملةٌ قويةٌ للسيطرة على جزيرة كمران وجزيرة ميون اللتان تشرفان بشكل مباشر على الملاحة البحرية في المضيق، ولم تتمكن لاستبسال الحامية اليمنية لما تمثلانه من خط دفاع أخير ستسقُطُ معه القدرةُ اليمنيةُ على السيطرة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب..
باب المندب رابعُ أكبر الممرات من حيث عدد براميل النفط التي تمر به يومياً وتمر منه سنوياً أكثر من 21 ألف سفينة محملة بشتى أنواع البضائع تمثّل 7% من الملاحة العالمية , حمايةُ المضيق بحاجةٍ إلى قدرات اقتصادية وبشرية عالية الكُلفة، ما يجعلُ من الصعب على اليمن توفيرَها منفردةً في حالة الاستقرار، فكيف بها في حالة العدوان؟
تشكّل جزيرة بريم أَوْ ميّون قيمة إستراتيجية مميزة بمينائها الصغير وبموقعها الذي يتيح التحكّم بالمضيق حيث تشطر المضيق إلى قناتين غير متساويتين، إحداهما صغرى تسمى قناة “اسكندر” وتقع باتجاه الساحل اليمني، والأُخْرَى تقع باتجاه الساحل الأفريقي وتعتبر عملياً أكثر اتساعاً ويبلغ عرضها 16 كم وعُمقها 100-200م، ما يسمح للسفن بالعبور بيسر على محورين متعاكسين.
يمثّلُ مضيقُ باب المندب والذي تشرف عليه اليمنُ، أحدَ أَهَمّ الممرات المائية على مستوى العالم؛ نظراً لحجم النشاط التجاري المرتبط به، ولكونه المعبر الأساسي لناقلات النفط التي تأتي من دول الخليج وتتجه إلى أوروبا وبقية دول العالم، ومن هنا ارتبطت أهميته بمطامع الدول الكبرى ومصالحها، الأمر الذي جعل هذا المضيق مجالاً لمحاولات عديدة سعت كلها باتجاه السيطرة عليه وإخراجه من سيادة الدول التي يقعُ عملياً في إطارها الجغرافي، تارةً بالقوة العسكرية والاحتلال المباشر كما هو الحال مع بريطانيا وتارة باقتراح مشاريع كالتدويل والحماية كما هو الحال مع المشاريع المختلفة التي تقدمت بها كُلٌّ من بريطانيا في أعقاب انسحابها من عدن وَالولايات المتحدة الأمريكية وَإسرائيل في مراحل لاحقة، وبالرغم من تعثر كُلّ المشاريع التي قدمت والتي غالباً ما يكون نتيجة تقاطع مصالح القِوَى الدولية، إلا أنه بين الحين والآخر تظهر على السطح مطالبات ودعوات مماثلة تستند إلى وجود مهدّدات أمنية تمس سلامة الملاحة في المضيق، وسواءٌ أكانت هذه المهددات حقيقية مثل ظاهرة القرصنة التي انتشرت في العشر السنوات الأخيرة وجلبت معها أساطيلَ العالَمِ؛ بدعوى محاربة القرصنة أَوْ كانت مجرد ادعاءات مقصودة للوصول إلى الهدف الأساسي المتمثل في نزع سيادة اليمن عليه والسيطرة عليه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية التي ادعت مؤخراً أن القوات الموالية لصالح والحوثي قد استهدفت إحدى سفنها العابرة للمضيق بالقصف الصاروخي، وهو ما جعلها تسارع إلى الرد العسكري حيث قصفت ثلاثة مواقع للرادارات البحرية اليمنية قبل أن تعترف أنها اتخذت هذا الإجراء المتسرع بدون أن تتحقق من مصدر القصف، إلا أنها أكدت أنه من الضرورة بمكان تأمين هذا الممر وإيجاد آلية دولية لحمايته، وهو ما يعني ضمناً إعادةَ طرح ملف التدويل مجدداً، ما يمثّلُ تهديداً مباشراً يطالُ سيادة اليمن على مياهه الإقليمية.
استهداف أمريكا المباشر لمحطات الرادار البحري اليمني
بعد أن شنت الولايات المتحدة الأمريكية هجومها على محطات الرادار البحري اليمني بذريعة حماية أفراد جيشها وسفنها والتي زعمت أنها تعرضت لهجوم صاروخي في التاسع من أكتوبر المنصرم، عادت وأعلنت عدم اليقين من حادثة الاعتداء التي تعرضت لها البارجة الأمريكية يو اس اس ميسون والتي أعلن عن تعرضها لهجوم صاروخي من الأراضي اليمنية، وهو ما نفته القوات اليمنية في حينه ونفاه المكتب الإعلامي للمؤتمر الشعبي العام مذكراً بالتنبيه الذي سبق وأن أعلنته السلطات اليمنية في صنعاء لناحية استقدام هادي والسعودية لمجموعة من الإرهابيين والمرتزقة ونشرهم على الشريط الساحلي للمخا وباب المندب بغرض استهداف السفن العابرة للمضيق وتهديد أمن الملاحة الدولية ونسب ذلك للقوات اليمنية وتحميلها المسؤولية؛ بقصد جرّ الولايات المتحدة للحرب المباشرة على اليمن، وقد عزز هذا طرح الناطقُ باسم الجيش اليمني العميد شرف لقمان أثناء الحوار الذي جرى في سياق المنتدى الثاني لمقاربات، أن موقع “zero hedge” الأمريكي قال إن السعوديين هم مَن فعلوا ذلك، مستنداً إلى أن نوعية الصواريخ التي هوجمت بها المدمرة الأمريكية هي صاروخين كروز وهذه النوعية غير متوفرة لدى الحوثيين وشريكهم صالح أَوْ كما أورد الموقع، بالإضافة إلى التراجع الغريب في الاتهامات الأمريكية وَفي المقابل جرى تأكيد تراجع اليقين هذا وتقدم الشكوك فيما ذكره موقع (Military) الأمريكي المختص بالدفاع والبحرية الأمريكية، من أن المتحدث باسم البنتاغون صرح (الخميس 13 أكتوبر/تشرين الأول 2016)، أن الولايات المتحدة لم تحدد بعد الجهة المسؤولة عن إطلاق الصواريخ على السفن الحربية في البحر الأحمر، وأضاف: “أننا لا نعرف من ضغط على الزناد” هذا قبل أن يتغير الأمر ويتراجع مسؤولون في وزارة الدفاع إلى رفض تأكيد الحادثة، وما إذا كانت قد وقعت بالفعل أم لا، وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول الهدف من وراء العملية، ومن يقف خلفها؟ وما هي الدوافع الحقيقية لها؟ والتي في مجملها قد سبق وأن حذرت منها وزارة الدفاع اليمنية في فترة سابقة.
صعوبة استعمار اليمن
من المؤكد أن حالة العدوان التي تطال اليمن والتي تقترب من إنهاء عامها الثاني وما تزال مستمرةً، تلقي بظلالها على واقع القدرات الأمنية والدفاعية لليمن وتجعل من الصعوبة بمكان تأمين كافة التراب اليمني بما في ذلك حدوده البحرية وسواحله ذات الامتداد الكبير، بالإضافة إلى دخول قوى الغزو والعدوان وسيطرتها العملية على جزء من التراب اليمني، هذه الحالة حفزت بعض القوى الدولية والإقليمية على إعادة طرح مشاريعها القديمة بالحديث عن مخاطر تهدد الملاحة الدولية في باب المندب وإن من ناحية إعلامية كخطوة تهدف منها لجس النبض وردة الفعل الرسمية اليمنية والتي تميزت بالعقلانية وعدم التسرع والتخبط، ما دفع هذه الأطراف إلى سرعة التراجع والتأكيد على أن ما حدث من اعتداء على محطات الرادارات اليمنية بني على معلومات خاطئة وغير موثوقة المصدر.
إلا أن هذه الخطوة حملت مؤشراً هاماً وسلطت الضوء على حجم المصالح سواءً لدول الجوار الإقليمي أَوْ للقوى العظمى الأُخْرَى وإستراتيجيتها، ما يتوجب معه الإشارة والتأكيد على أن أمن مضيقَ باب المندب جزء لا يتجزأ من أمن اليمن، وقد أكدت الوقائع أن أي تهديد لهذا المضيق هو تهديد لليمن وللمنطقة أيضاً ولمصالح القوى الدولية التي تمر عبره.
بالإضافة إلى أن مسألةَ حماية المضيق بحاجةٍ إلى قدرات اقتصادية وبشرية عالية الكلفة وهو ما يجعلُ من الصعب على اليمن توفيرَها منفردةً في حالة الاستقرار، فكيف بها في حالة العدوان؟، وبالتالي يستوجبُ ذلك تكاتُفَ الجهود العربية في سبيل دعم اليمن واستقراره وإيقاف العدوان الغاشم عليه، كما أن انعدامَ الأجواء التصالحية السائد في اليمن؛ بسبب دعم طرف ضد آخر من قبل بعض دول الجوار الإقليمي قد خلق حالةً من الاستقطاب لقوى بعيدة ذات أطماع تاريخية في المنطقة لا تسعى إلّا إلى تحقيق مصالحها وجعل اليمن ساحةً بديلةً لتصفية حساباتها، وهو ما سينعكس سلباً في المنظور البعيد على أمن وسلامة واستقرار المنطقة كلها.