اليمن الجريح  والاستثنائي ..أعلى صوتاً وأقوى موقفاً

اليمن الجريح  والاستثنائي ..أعلى صوتاً وأقوى موقفاً

الحقيقة /خاص

الحديث عن اليمن كبلد وكشعب يستدعي بنا أن نغوص في أعماق التاريخ، فالشعب اليمني غني بتاريخه وحضارته، حيث يعود تاريخه إلى آلاف السنين. وقد تميزت حضارة اليمن بتقدمها في العديد من المجالات، مثل التجارة والصناعة والعمارة والعلوم. وأنشأ الكثير من الممالك  ولم يكونوا يأنفوا من اتباع الحق فالقرآن يحدثنا في قصة النبي سليمان باهتمامه الكبير باليمن وكيف ظهرت رجاحة اليمنيين وتقبلهم لدين الله كما يحدثنا التاريخ عن اهتمام الملك تبع اليماني بمجيء رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وحثه لقومه باتباعه ونصرته بل إن اليمنيين هاجروا إلى المنطقة التي وردت فيها أنباء عن ظهور الرسول محمد (صلوات الله عليه وعلى آله ) فيها فكانت قبيلتا الأوس والخزرج اليمنيتان تستوطنان المدينة المنورة والتي كانت فيما بعد مهاجر ومأوى رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وفي القرن السابع الميلادي، اعتنق معظم اليمنيين الإسلام، على يد الإمام علي (عليه السلام) مبعوث رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ولأن اليمنيين كما ذكرنا مشهورون بتقبلهم للحق وانحيازهم إليه بغض النظر عن الأثمان التي يدفعونها فكانوا المناصرين الأوائل لرسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وهو الذي قال فيهم (لَوْلَا الهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأنْصَارِ، ولو سَلَكَ النَّاسُ وادِيًا وشِعْبًا، لَسَلَكْتُ وادِيَ الأنْصَارِ وشِعْبَهَا…. إلى آخر الحديث المشهور) كما اشتهر اليمنيون بتعلقهم بعظماء الإسلام من أهل البيت وقدموا أعظم صور الوفاء معهم تاركين الحياة وزخرفها وأبهة السلطة وهيلمانها على الرغم أنهم كانوا يستطيعون الحصول على أعلى الرتب والمناصب ولكنهم آثروا الحق وأهله .

ومع الانحرافات التي سادت الأمة لم يكن الشعب اليمني بمنأى عن تبعاتها وتأثيرها بل واجه اليمنيون الكثير من الضغوط والحروب والاقصاء والتهميش رغم دورهم البارز في التاريخ الإسلامي وصولاً إلى التاريخ المعاصر وإلى هذه المرحلة التي نعيشها اليوم بالذات..

إن الحديث عن اليمن كحضارة وعن الدور التاريخي المشرف لليمنيين في نصرة الإسلام وأهله يطول بنا ولكننا في هذا التقرير سنقتصر على ذكر دور الشعب اليمني في هذه المرحلة بالذات بل سنقصر حديثنا على الموقف الاستثنائي للشعب اليمني في نصرة القضية الفلسطينية..

اليمن وقضية فلسطين

لا يمكن فصل القضية الفلسطينية عن الانحرافات المبكرة في واقع الأمة بفعل صعود أعداء الإسلام وأعداء الرسول فوق أكتاف الأمة كولاة لأمرها وقد بدأ ذلك باعتلاء بني أمية السلطة فبدلاً من موالاة الإمام علي ومن يمثلون الامتداد الحقيقي لرسول الله ولمنهج الإسلام القويم صعد على اكتافها أبناء الطلقاء ممن حارب الإسلام وحارب الرسول هذا الانحراف  شكل تهديدا كبيراً كونه انحرف بالأمة عن المنهج الحق، وتمكنوا من فصل الأمة عن المنهج الإلهي وبذلك سهل عليهم تدجينها وتضليلها والأخطر في الأمر أن هذا الانحراف امتد تأثيره في أجيال متتالية حتى وصل إلى زمننا المعاصر مما سهل على أعداء الأمة السيطرة عليها وفرض هيمنتهم ونهب مقدراتها وإبقائها رغما عنها في الحضيض فلا هي تقدمت صناعيا كباقي الأمم واستفادت من موقعها الاستراتيجي ومن ثرواتها الهائلة ولا هي حافظت على استقلالها وحريتها بل وصل بهم الأمر لاحتلال أقدس بقاعها وزرع حفنة من اليهود في أرض فلسطين وإنشاء كيان لهم وجُلب إليها اليهود من كل أصقاع الأرض يغتصبون أرض أهلها وينتهكون كرامتهم وأعراضهم وأمة الإسلام التي كان يفترض بها أن تجسد دين الله وأن تكون كما قال الله خير أمة, لكنها صارت للأسف أذل وأحط أمة على وجه الأرض..

لقد مر بنا أكثر من 70 عام وفلسطين تحت الاحتلال والشعب الفلسطيني بين مشرد ومسجون ومحاصر ولا ردة فعل ولا موقف لهذه الأمة التي يبلغ تعدادها فوق المليارين نسمة بل تمادى الأعداء وواصلوا عبثهم وإجرامهم إلى ما نراه اليوم من إبادة وقتل وتشريد لم تحدث لشعب ولا لأمة في التاريخ كما يحدث لأمتنا اليوم، أهذه هي أمة محمد؟ كلا والله إنها لبعيدة عن رسول الله وعن رسالته وعن منهجه ولكن ومع كل هذا ما تزال في الأمة بقايا أحرار وما تزال هناك أصوات حرة نعم وضع الأمة اليوم بشكل شامل وضع مخز ومذل ومع هذا ما يزال هناك أمل؟ هذا الأمل يجسده اليوم أبناء الشعب اليمني ورغم ما تعرضوا له ويتعرضون له من مؤامرات وحروب واستهداف شامل إلا أنهم لم يركعوا ما زالت بركة نصرتهم لرسول الله ولأهل بيته تتجسد في موقفهم الاستثنائي اليوم في ظل صمت الجميع وتآمر الأغلبية ممن يدعون زورا وبهتانا انتماءهم للإسلام والمسلمين..

فمنذ ظهرت قضية فلسطين ظهر الموقف اليمني مسانداً قويا لفلسطين ومتمسكا بها على المستوى الشعبي، ورغم التباينات والاختلافات ومحاولة زرع الشقاق بين أبناء الشعب اليمني فإن قضية فلسطين بقيت حية في نفوسهم، وظلت قضية مصيرية بالنسبة لهم لدرجة أن الأنظمة السابقة لم تجرؤ أن يكون لها موقف معلن في علاقتها مع الصهاينة رغم الضغط الأمريكي، فإن العلاقات بين اليمن وتل أبيت بقيت سرا ومن تحت الطاولة, علاقة يمكن أن نقول عنها بين رأس النظام السابق وبين الصهاينة لكن بالنسبة للشعب اليمني فقد بقيت القضية الفلسطينية نابضة في وجدانه وعندما سنحت له الفرصة للتعبير عنها كان ما رأيناه وما نشاهده اليوم يقف بكل اعتزازاً مفاخراً بنصرته لفلسطين متوعداً للصهاينة, يملأ الساحات كل جمعة ويقصف بالصواريخ وبالطائرات المسيرة ويهدد ويفعل في المياه الإقليمية وفي باب المندب وما زال الشعب اليمني يواصل نصرته لفلسطين حتى ينتهي العدوان على غزة وعلى أبناء فلسطين, وسيبقى اليمن السند الوفي لفلسطين حتى تتحرر أرض فلسطين من براثن اليهود المحتلين..

اليمن الجريح أعلى صوتاً وأقوى موقف

مع انطلاقة عملية طوفان الأقصى التي كان يفترض أن تكون عمليات وليست عملية وحسب وأن تشترك فيها الجيوش العربية والإسلامية كافة لكن للأسف استيقظ العالم على أبشع المجازر وصدمنا جميعا بموقف الأنظمة العربية المتخاذل تلك الأنظمة التي سارعت بحشد الكتائب والألوية من مختلف تشكيلات جيوشها وإرسالها إلى اليمن للمشاركة في قتل الشعب اليمني في عدوان غاشم  استمر لأكثر من 8 سنوات وما يزال اليمن تحت الحصار والنار كل ذلك استجابة للتوجيهات الامريكية وتحت ذرائع الأمن القومي ومواجهة إيران لكن أمام العدوان الصهيوني على غزة المدعوم أمريكيا للأسف رأينا تلك الأنظمة لم تتخاذل عن نصرة الشعب الفلسطيني المظلوم بل أنها وبدون خجل تتآمر مع الصهاينة على المقاومة الفلسطينية وبنفس حجج العدوان على اليمن فتارة ينعتون حماس بالأخوانية وتارة أخرى بأنها تتبع إيران مواقف مخزية ومذلة أمام سيل من الدماء وأمام أسر يتم إبادتها بأكملها أمام جريمة حرب لا سابق لها في التاريخ أمام 2 مليون ونص فلسطيني تحت حصار بلا ماء ولا غذاء ولا دواء واستهداف بأبشع الصور بكل الوسائل والقنابل المحرمة ووسط فزعة غربية غير مسبوقة مع الكيان الصهيوني فيما المسلمون والعرب بالذات يتفرجون اللهم إلا من حركات هنا وهناك وأشخاص معدودين يتحركون بالكلمة وأخرون تحت سطوة الأنظمة القمعية الخائنة لا يستطيعون حتى أن يتكلموا أو يعبروا عن موقفهم تجاه ما يحدث في غزة، إلى هذه الدرجة وصل حال الأمة؟؟

 ولكن ما المستجد؟

أمام الإجرام الصهيوني لم يكن اليمن الجريح المنهك جراء عدوان إجرامي لأكثر من 8 أعوام وبرصيد أكثر من ربع مليون غارة وبأحدث الأسلحة وافتكها لم تترك مدينة ولا قرية إلا وطالتها يد الإجرام هذا الشعب المثقل بجراحه، المهموم بمعيشته التي سرقها المجرمون، المنهك بالكثير من تبعات الحرب انطلق ليناصر غزة وأهلها بكل ما أوتي من قوة، انطلق بموقف استثنائي معبراً عن ما يجب أن تفعله كل الأنظمة الخائنة والعملية وما يجب أن تقوم به كل الشعوب الإسلامية، انطلق لا يخاف وهو الذي ما زال تحت الحصار التي تفرضها دول عربية وغربية وبقيادة الشيطان الأكبر وأم الإرهاب أمريكا التي لم تنجز للبشرية سوى كم هائل من الجرائم الوحشية، انطلق اليمن وترك جراحه وهمومه وراءه ليشارك أبناء فلسطين في دفاعهم عن كرامتهم وحريتهم أمام المتوحشين الصهاينة… أطلق ما بيده من صواريخ وقدرات ومسيرات كان قد صنعها في ظل الحرب المفروضة عليه على أهداف صهيونية في عمق الأراضي المحتلة ولم يكتف بهذا الحد بل أنزل قواته إلى البحر وأعلن أن مرور السفن الصهيونية عسكرية أو تجارية من باب المندب محرم على إسرائيل حتى إيقاف جرائمها بحق الشعب الفلسطيني واردف تهديده بالفعل فتم استهداف كافة السفن الصهيونية واقتاد احداهن إلى سواحل اليمن ولم يخش اليمن التهديدات الأمريكية لأن هذا موقف إنساني قبل أن يكون ديني وأخوي فلا يعقل أن يتفرج أي إنسان ما زال على فطرته على مشاهد الأطفال الخدج في مستشفيات غزة وهم يموتون، لا يمكن لأي شخص تجري في عروقه دماء عربية أن يتفرج وجثث النساء والأطفال تملأ الشوارع بفعل القصف الصهيوني لقد كان موقف اليمن موقفا إسلاميا لم يتخيله العدو ولا الصديق، لم يكن العدو يعتقد أن اليمن المنهك سيكون له الموقف الفصل في مناصرة الشعب الفلسطيني لم تدرك أمريكا بعدوانها المتكرر على الشعب اليمني إنما أيقظت أسدا نائما، لم يعتقد المعتدون أن اليمن قادر على توظيف موقعه الاستراتيجي الهام بالصورة وبالطريقة التي لم يكونوا يتحسبونها نصرة لغزة ودعما لفلسطين.. لم تعتقد الأنظمة العربية الخائنة أنها ستتلقى اللطمات من الشعب اليمني المستضعف وهو يقف بكل شموخ مناصرا بكل ما يملك غزة وأهلها المظلومين لقد كان موقف اليمن صادما واستثنائيا وبصورة أعادت الأمل للمقاومة والشعب الفلسطيني ولشعوب الأمة بأكملها..

   بلد استثنائي وشعب استثنائي و قيادة استثنائية

“إن قضية فلسطين هي قضية كل الأمة وليست قضية الشعب الفلسطيني وحدهم” هذا هو الموقف الذي يتبناه اليمن شعبا وقيادة وعلى الرغم من أن جرائم الصهاينة في فلسطين كفيلة بأن يتحرك كل العالم ضدها لكن نتيجة التأثير اليهودي في المحافل الدولية وفي الاقتصاد العالمي وفي الإعلام وفي مختلف المجالات أصبح الموقف هو العكس وبات العالم المستكبر يصنف الفلسطينيين بالإرهاب ويعطي الحق لليهود بإبادتهم، ولا يريدون رؤية الحقائق على الأرض  ولم يعد أحد يهتم حتى الأنظمة العربية المرتبطة بأمريكا لم تعد ترى أن الشعب الفلسطيني يحتاج إلى الحرية والكرامة، وأنه يستحق أن تتحرر أرضه وأن يعيش كما يعيش بقية البشر  لم يدركوا أن دعم الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال والظلم هو حماية لهم ولعروشهم الخائفين عليها، فهم ليسوا بعيدين عن الاستهداف اليهودي والأمريكي فقتلة الأنبياء لا يمكن أن يأتي من جانبهم أي خير وهذا ما حكاه الله عنهم وانهم لا يودون لنا أي خير .. لكن لأن قرراهم لم يعد بأيديهم كان موقفهم موقف الذليل الخانع وبالتالي فموقف اليمن مع الشعب الفلسطيني هو موقف مشروع ويفترض بكل الدول العربية والإسلامية أن يكون لها مواقف أقوى من مواقف اليمن فاليمن تعرض للكثير من المؤامرات والحروب الداخلية بفعل التآمر الأمريكي والإقليمي وبلد لم يخرج بعد من عدوان إجرامي خلف أكبر كارثة إنسانية على وجه الأرض فكيف أستطاع هذا الشعب العنيد أن يسجل أقوى وأعظم موقف مع الشعب الفلسطيني؟؟

إنها روح الحرية والكرامة و التربية الإيمانية التي علمت هذا الشعب أن الموت في سبيل الحرية كرامة وأن العيش تحت الخنوع ليس إلا شقاء وبرما كما قال سيد الشهداء والثائر الإسلامي الأول الإمام الحسين سلام الله عليه ومن الثورة الحسينة ومن تعاليم رسول الله ومن ثقافة القرآن الكريم انطلق الشعب اليمني ليسجل موقفه المشرف أمام الله وأمام الأمة وأمام الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لإبادة برعاية غربية أمريكية وبأيدي من لعنهم الله وضرب عليهم الذلة والمسكنة، موقف اليمني الاستثنائي جاء منسجما مع هوية هذا الشعب الإيمانية والإسلامية والعربية، جاء مترجما لما تحمله النفس اليمنية من حمية وإباء وشهامة، جاء مترجماً لذلك الرصيد الجهادي والثوري منذ فجر الإسلام وإلى اليوم جاء معبراً عن أصالة هذا الشعب وإيمانه العميق وثقته العالية بالله..

إن ما يمكن أن نصف به الموقف اليمني تجاه نصرة أبناء غزة هو بكل بساطة أنه موقف استثنائي في مرحلة استثنائية وبقيادة يمنية استثنائية. إنه زمن أولئك الذين قال الله عنهم {… فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }المائدة54