«اليمن الأمة» وسيد الجهاد المحمدي.. سلطان الأنفاس النبوية
من يستطيع أن يحمل شعبنا اليمني عنوةً على تبَنِّي مواقف أو معتقدات أو خيارات أو السير في سبيل يأبونها وتأباها أنفسهم المكتنزة إباءً وكرامةً وأنفة.
ما يأباه شعبنا الشريف هو ما لم يكن ولا كان ولن يكون بامتداد التاريخ ماضياً وحاضراً ومستقبلاً وفي الرخاء والشدة على السواء.
هذه السويّة الإنسانية هي من الخصوبة واللين لاحتضان ربيع النماء بقدر ما هي من الصلابة والجَلَد للامتناع على عواصف العقم وخريف اليباس والذبول والانقراض، ولطالما أغرى الطغاة والطامعين خصبُها بإمكان تشكيل صلصالها تبعاً لانحرافاتهم وعلى مقاس أهوائهم فانكسروا فوق جلمد صلابتها وتلاشوا هباءً.
في لحظة تاريخية سابقة بأزمان لمولد النبي العربي شد اليمنيون رحالهم تحدوهم البشارة وانزرعوا في تربة وعد الميلاد بمكة وفجر الرسالة بيثرب أشواقاً تبرعم أشواقاً وتخضَرُّ حباً وتصفرّ لهفة وانتظاراً لقادم يشرق على ثلاث منازل: رحم إبراهيمي حنيف طاهر يحمل ذبيحاً مفتدى مباركاً يرفع وأبوه الأوّاه الحليم قواعد بيت البشارة لبزوغ كوكب دري يوقد من شجرة مباركة إسماعيلية حنيفية لا شرقية وثنية جائرة ولا غربية ضلالية مستكبرة، ثم استواء فجر البعثة الطالع من “ثنيات الوداع” على أهداب عيون اليمانين وشغاف قلوبهم المخضلة بالأشواق قمراً منيراً وسراجاً وهاجاً.
كانت قريش تشد رحال قوافلها -يحدوها بريق الذهب والفضة وأشواق الكنز والإثراء- لرحلتين خلف دمقس القماش والبخور والقينات والأطعمة والرقيق…
وكان بدو الجزيرة يشدون رحالهم بسطوة الحافز البيولوجي يُطوِّح بهم الظمأ شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً خلف الماء والمرعى، وكانت القبيلة العربية تغزو لتعتاش بالسطو على أموال ونساء من “لا يغدرون بذمة ولا يظلمون الناس حبة خردل”.
وحدهم اليمنيون شدوا الرحال بدوافع قيمية حضارية سامية ونبيلة فـ”أسلموا مع سليمان” وهم أولو بأس وقوة، ونزلوا في حمى “هاجر” بظمأ سلسبيل البعثة الموعودة، وحرثوا يثرب لنواة المجتمع المحمدي الأول، وأنهكوا جيادهم ضرباً في سبيل الله والرسول والمستضعفين، واستشهدوا رجالاً وعلى صهواتها في ملاحم مقارعة المستكبرين وتحرير الإرادة الإنسانية من أكبال الطواغيت ليؤمن من آمن طائعاً وعن بينة وتمتاز الفطرة الآدمية المجبولة على الكرامة والحرية عن الخلقة الناكصة لدرك البهيمية.
ملايين اليمنيين المثخنين بسبعة أعوام عجاف من العدوان الكوني والحصار الشامل تدفقوا نهور اخضرار محمدي تماماً كما تفجروا براكين حمم جرفت وتجرف ترسانات الاستكبار العالمي العسكرية والاقتصادية والإعلامية، في معادلة يمانية بلا نظير قوامها “الرحمة والشدة”.
تحت أقدام هذا الغنى الحضاري الإنساني اليمني الباذخ والمشهود تتضاءل تريليونات مشيخات البترودولار فتبدو أحقر من حبة خردل، فبأي سلطان ترغيب تَسابَق شعب الأنصار على هذا النحو من اللهفة والغبطة والزخم الملاييني من كل حدب وصوب لإحياء مولد أمة كادت ذكراه تنمحي في زحمة أعياد ميلاد يحييها مواتُ الأمة وغيابها المتخم بحضور أعدائها!
بأي سلطان ترهيب يمكنك صناعة مشهدية بهذه الكثافة والعفوية والاندفاع لشعب استعصى ترهيبه على كل ترسانات الحرب الكونية وأحابيلها النفسية والإعلامية، وانقلب سحر أرباب هذه الآلة العدوانية فارتد رهبة تفتك بنفوس أربابها وتنسف مداميك سطوتهم العالمية تباعاً بعد سبعة أعوام من حربهم عليه؟
بأي سلطان سوى سلطان الأنفاس النبوية التي هبت على أشواق شعبنا الغافية تحت صقيع قرون التغييب فأذكتها كأول عهدها اشتعالاً وطموحاً لريادة لحظة انبعاث تاريخية وقيادة أمة باتت على شفا حفرة من الموت.
إنه سلطان القائد النبوي الذي يملك شغاف القلوب ويترجم مكنون خلجاتها قولاً وفعلاً ويحدوها إلى منتهى معراج نهوض هي جديرة به، لتحدو بدورها الأمة وتأخذ بزمام لحظتها الذاوية إلى ضفاف حياة قوامها الكفر بالطاغوت والإيمان بالله بوصف ذلك هو قدس “الحرية والاستقلال” الحقيقيين، كما يجزم سيد الثورة السيد القائد عبدالملك بدر الدين تأصيلاً موصولاً بجوهر الإسلام والكتاب المبين.
لا “فيل إبراهام” الصهيوني الجديد قادر على تحويل قبلة “اليمن الأمة” إلى “تل أبيب”، ولا ذباب الوهابية قادر على أن يلوث شهد معرفتها الصافية بنبيها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم فيلتبس عليها محمد ببهلوانات المسرح الديني الهزلي خليطِ الأمشاج مسلوب الهوية والملامح.
نحتفل بمولد نبي الأمة مُضياً في سبيله واهتداءً بالثقلين اللذين أضحيا مسيرةً وقائداً ومشروعاً وجهاداً يتجاوز -ببصيرة سيد الانبعاثة المحمدية وإيمان وحكمة شعب الأنصار- لحظةَ الصراع المباشرة مع تحالف عدوان الاستكبار الكوني في حدودها القُطْرية إلى مضمار الصراع الأشمل والأرحب والأعمق في بُعده الحضاري النهضوي الريادي حيث يمن 21 أيلول وجود رسالي عابر للحدود وكينونة أكبر من أن تتشرنق في كيان جغرافي “وطني” بمعزل عن قضايا الأمة وفي صدارتها قضية فلسطين بوصفها قدس أقداس الجهاد الإسلامي الحق وأجلى مصاديقه تجسيداً في مقارعة الاستكبار والهيمنة الصهيوأمريكية.
لم يعد الأمر إذن أمر معركة داخلية تقليدية يخوضها شعبنا بسقف تحرير التراب الوطني فحسب، إنما حرب وعي ومعرفة وبصيرة شاملة مع عدو ناشب في لحم التاريخ والجغرافيا البشرية فكراً وثقافةً وديناً يتربع على أنقاض دين الخالق وما ينتظمه من أفكار وقيم سوية ورؤية قرآنية سليمة تهدي الأمة للتي هي أقوم فلا تقع في متاهة تغييب الجوهر الرسالي كطفو طقوسي شعائري ميت وبلا روح ولا رؤية نهضوية ولا مضمار جهادي.
وكما هو دور عابر للحدود المحلية هو كذلك دور عابر لمفهوم “المحور” بحدوده المرحلية إلى جوهر الاستخلاف كرسالة كونية مفتوحة على كافة الناس… دون تغييب للحظة الاصطفاف الراهنة أو إحراق مراحل واعتساف لمقتضياتها، وإنما تأصيل لـ”محور جهاد” مفتوح دلالياً على تخوم صراع الاستخلاف بشموليته القرآنية الرسالية مع مراعاة طور “المقاومة” الذي ينسحب على مرحلة تجاوزتها مدخلات الصراع الراهن فكرياً ومادياً على الضفتين: ضفة أعداء الأمة وضفة حملة مشروعها الرسالي في ميدان الفعل والاشتباك المباشر من غزة فلسطين إلى مران اليمن ومن جنوب لبنان إلى دمشق وبغداد وطهران.
في هذا السياق المفاهيمي يؤكد سيد الجهاد أبوجبريل أن يمن الثورة هو طرف في “معادلة الحرب الإقليمية” التي ضبط سيد المقاومة أبوهادي ساعة نشوبها بـ”ارتكاب العدو الصهيوني أي حماقة بحق القدس وأهلنا هناك” في المستقبل القريب عقب ملحمة “سيف القدس”.
على تخوم مدينة سبأ تدق أقدام مجاهدي جيشنا ولجاننا الشعبية أجراس التحرير بقوة فتضطرب سفارات الاستكبار الصهيوأمريكية، وعلى امتداد 24 ساحة يدق شعبنا اليمني الحر المحمدي أجراس العودة إلى قدس أنبياء الله وحرم إبراهيم الخليل في معركة واحدة متكاملة متزامنة عنوانها “لبيك يا رسول الله” عطفاً على صرخة الولاء والبراء.
ذاهبون لأبعد من حدود الحصار أشواقاً يمانية رسالية ستغمر مشارق الأرض ومغاربها بأنوار محمد ودعوة الرسول الأعظم كما غمرتها بالأمس.
صلاح الدكاك / لا ميديا –