إنه اليمن: أمله أملنا وعزه عز لنا. إنهم رجال من اليمن يدكون العمق المحتل برغم ادعاءات السماء النظيفة من قبل الكيان الهش المؤقت وفي المنطقة الأكثر حماية جوية في العالم. يحصل ذلك برغم أساطيل المدمرات والبوارج والفرقاطات والسفن الحربية وحاملات الطائرات وأساطير التسميات والعبقريات وهستيريا غطرسة النظام العالمي الصهيو – أنغلو – أميركي. لنرسم، على الاختصار، الخط البياني لمسار تصعيد الجبهة اليمنية الأبية المباركة من أم الرشراش العربية المحتلة المسماة عبريا ايلات إلى يافا المحتلة المسماة عبريا يافا. فأولا، ما هو اليمن في عيون العدو الصهيوني؟ إنه في كلمتين “بحيرة يهودية” بتعبير مؤسسي هذا الكيان منذ أيام بن غوريون. وثانيا لماذا أم الرشراش المحتلة؟ لأنها ببساطة أول ما وصل إليه العدو على شواطئ البحر الأحمر في 10 مارس 1949 بقوة لا تتجاوز 200 جندي بدعم أمريكي وبريطاني وبتخاذل عربي. حيث كانت توجد قوات عربية عراقية وأردنية ومصرية في مثلث النقب – سيناء – غزة في ذلك الوقت. ثم وصل لواء غولاني ولواء البالماخ وأرسلوا برقية عاجلة إلى قيادتهم نصها: “لواء غولاني ولواء البالماخ ‘نقب’ يقدمان خليج ايلات لدولة إسرائيل”. ومنع الاتصال البري مذاك بين مصر والأردن وضرب الأمن القومي العربي برغم صغر المساحة الساحلية (7 أميال فقط) وكسب العدو رهان فتح الاتجاه الاستراتيجي الجنوبي. وثالثا، لماذا الموقف اليمني في طوفان الأقصى؟ لاستعادة القدرة على التحرير وبسط السيادة وتقدما نحو السيطرة والتفوق، هذا طبعا إلى جانب الدوافع الإيمانية والإنسانية في نصرة غزة وفلسطين وتكليف المشاركة الريادية في دحر الإحتلال. وكان الموقف اليمني كاسرا كاسحا. (ولمزيد الاطلاع والتأكيد على التفاصيل ولأمانة ما نعتمد عليه يمكن مراجعة الكتاب الصادر عن مكتب رئاسة الجمهورية اليمنية، المركز الوطني لبناء القدرات ودعم اتخاذ القرار، تحت عنوان “الدلالات والأبعاد السياسية والأمنية والاستراتيجية لمعركة البحر الأحمر والبحر العربي وآفاقها”، الصادر في 26 فيفري 2024). ثم رابعا، لماذا البحر الأحمر؟ في الحقيقة يعود الأمر إلى أيام الاستعمار البريطاني لإريتريا منذ 1920 وصولا إلى عام 1970 واختراق الصهاينة لهذا البلد من خلال التعاون مع القاعدة الأمريكية في أسمرا كاينيوا ستايشن حتى لا يصبح البحر الأحمر بحيرة عربية ولا تنضم إريتريا إلى الجامعة العربية. وتم اختراق إثيوبيا قبل انفصال إريتريا عنها وحصل العدو على جزيرة دهلك في العام 1975 وأقام أول قاعدة ثم استأجر جزيرتي حالب وفاطمة ثم سنشيان ودميرا. ثم خامسا، المتوسط والمغرب العربي، دون أن نبحث حركة العدو الصهيوني في السنوات الأخيرة من سواحل فلسطين المحتلة وقضايا الغاز والممرات والإرهاب والمرور إلى ليبيا وقضية المغرب… وهكذا. بما يعني أن ما يجري في اليمن قضية أمن قومي تونسي ومغاربي بامتياز. وهذا وقد ذكر الإعلام العبري في الأيام الفارطة بلادنا عدة مرة حيث كلما قارن هجمات العدو الخارجية إلا وذكر تونس في سياق المسافة التي قطعها العدو في عدوانه علينا سنة 1985 وهي الأولى بواقع 2300 كم أي على بعد 1430 ميلا ثم يأتي عدوانه على الحديدة اليمنية في الساحل الغربي. ولنذكر انه قبل 230 سنة، كانت أمريكا تدفع الإتاوات للجزائر لضمان مرورها عبر مياه المتوسط. حيث قال عضو الكونغرس عن ولاية هامبشير سنة 1783: “لسنا الآن في حالة تسمح لنا بأن نحارب الجزائر ولا نتوقع منها غير الضربات العنيفة”. وقتها كان الأسطول الجزائري متفوقا تسليحيا على ولايات الابادة الجماعية ويضم 9 بوارج كبيرة و50 قاربا مسلحا. وقال عضو الكونغرس فيشر آيمز عن ولاية ماساتشوستش: “إن تجارتنا على وشك أن تمحي تماما. وإن لم نجهز جيشنا فيمكننا أن نتوقع قريبا جدا وجود الجزائريين على أعتاب السواحل الأمريكية.” وتلك أيام وهذا زمان. .ثم سادسا، بعد سوريا والحرب الإرهابية العالمية عليها وأهم ما فيها قضية البحار الخمسة، يأتي اليمن والرهان هو نفسه من المحيط الهندي إلى البحر الأبيض المتوسط وهدف الأهداف إزالة العدو من الوجود لتحقيق سيادة الأمن القومي العربي المتكاملة. والمعادلة أمنية وعسكرية بأبعاد جيوستراتيجية غاية في الأهمية. ثم يأتي سابعا 7 أكتوبر. وبعده 18 أكتوبر تاريخ أول ضربة يمنية موجهة إلى أم الرشراش المحتلة. وهي “الأكثر أهمية” بحسب ما قال معهد أبحاث الأمن القومي الصهيوني وقتها. وهي معركة مصير واحد ووجود واحد. ولم يحصل منذ الحرب الاستعمارية الأوروبية الغربية الثانية على الأقل التي يسمونها عالمية أن تم تمريغ أنوف من يسمون أنفسهم سادة البحار البريطانيين وبعدهم الأمريكان ثم سادة الجو بحسب ما يزعم الصهاينة لأنفسهم. ثامنا، 13-14 أفريل: الرد الإيراني والدخول المباشر الأول منذ 75 عاما. وهذا تغير كلي في المعادلات التحريرية المستقبلية بحيث تصبح عملية “وعد صادق” قاعدة إذا تخطاها العدو وعاد إلى ما قام به في قنصلية إيران في دمشق يقصف على الفور، بل أكثر من ذلك إذا شن أي عدوان واسع خارج فلسطين المحتلة على لبنان مثلا أو غيره. تاسعا، الجمعة 19 جويليةووصول الطائرة يافا (التي سجل شرف تسميتها في السجل العسكري اليمني باسم المقاومة الفلسطينية التي طلب منها اقتراح تسميتها وسمتها واعتمد اليمن المقترح). وهنا السقوط التام للردع وحصول ما سماه الصهاينة “7 أكتوبر الجوي”.
حلقت طائرة يافا المسيرة لمدة 16 ساعة ولأكثر من 2000 كم، حلقت غربا نحو السودان ثم اتجهت شرقا حتى وصلت جنوب مصر ثم سيناء ثم توجهت شرقا إلى المتوسط وقد يكون مسارها قد قارب 2500 كم على غرار طائرة وعيد الانتحارية التي تصل إلى حد هذا المدى. ولقد أصابت ما أصابت على مقربة من السفارة الأمريكية في يافا المحتلة التي تسمى صهيونيا تل أبيب والتي تضم في عموم ما يسمى منطقة غوش دان 87 سفارة أجنبية في واقع تحول إلى رعب طال 360 ألف نسمة باعتبار ان القوات المسلحة اليمنية أعلنت يافا المحتلة منطقة غير آمنة.
وللتذكير، قال الباحث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية فابيان هينز لوكالة اسوشيتد برس: “الطريقة الوحيدة للتغلب على أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية هي إغراقها بأعداد كبيرة من الصواريخ لكن لا يمكنك فعل ذلك حقا على مسافة تزيد عن 1600 كم”. وسقطت هذه النظرية ووقعت البروفة الإيرانية الاستراتيجية رغم صد أكثر من 200 مقاتلة متعددة الجنسيات و6 حاملات طائرات وكل منظومات وطبقات الدفاع الجوي والصاروخي والأقمار ووقعت بروفات يمنية – عراقية ولسوف نصل إلى: عاشرا، 7 أكتوبر الجماعي وتحقق السيناريو الأكثر ترجيحا، دائما إذا لم يستسلم نتنياهو، وهو سيناريو فتح المعركة الكاملة الشاملة المفتوحة بحرا وبرا وجوا وبلا سقوف لتحقيق وإنجاز حل التحريرين أي تحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 48 والأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة سنة 67 وهو التحرير الشامل. وفي انتظار الرد اليمني الكبير تبقى المبادرة والتحكم في سلم التصعيد بيد اليمن بتنسيق تام مع كامل محور المقاومة: محور فلسطين.
وعندها تصبح كل البحار فلسطينية وتصبح الأبواب كلها فلسطينية وقد يسقط على رؤوس العدو ما يقارب 5000 صاروخ دفعة واحدة كما تعبر هستيريا موقع واللا نيوز العبري. وتتحقق مقولة ذلك الطفل اليمني المتشوق السعيد الهادر: ” سنوصل أمريكا إلى القول آمنا بما آمن به اليمن”.
مع اليمن لا يوجد شيء اسمه قلق الانتظار، مع اليمن لا توجد سوى أريحية الاطمئنان. وبعد تعبير العدو منذ أيام عن قلقه المزعوم من “تأثير اليمن في شمال افريقيا” حسب قوله، سوف يأتي اليوم الذي تتحول فيه ما يسمى ديمقراطية أمريكية إلى اختيار على قاعدة الاعتذار التاريخي لا على قاعدة الانتماء إلى الصهيونية. ولقد فتح اليمن بنفسه الطريق إلى الأقصى وهو يسير إليه.
الشروق التونسية
(المحاضرة ألقيت اليوم 24 جويلية بمدينة الثقافة في إطار ندوة دولية حول طوفان الأقصى نظمها مركز الشهيد محمد براهمي للسلم والتضامن بمناسبة الذكرى السنوية لاستشهاده)