اليمنُ يحوِّلُ “التزامَ” أمريكا وبريطانيا بحماية الصهاينة إلى انتحار بحري: “التصعيدُ بالتصعيد”
عشرُ عملياتٍ بحرية نوعية نفَّذتها القواتُ المسلحةُ، خلالَ الأسبوع الماضي؛ إسناداً للشعب الفلسطيني؛ ورَدًّا على العدوان الأمريكي البريطاني، بحسب ما كشف قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، في خطابه الأخير،
وقد كان منها خمسُ عمليات معلَنة مثَّلت كُـلُّ واحدة منها ضربةً استراتيجيةً نوعيةً على العدوّ؛ فمن ناقلة النفط البريطانية “مارلين لواندا” إلى سفينةِ الدعم العسكري الأمريكية “لويس بي بولر” إلى المدمّـرة “غريفلي” والسفينة التجارية “كول” وُصُـولاً إلى سفينة تجارية بريطانية لم يُكشَفْ عن اسمها، كان واضحًا أن القوات المسلحة اليمنية تثبِّتُ سِمَةً “تصاعديةً” لمسار عملياتها، ليس فقط من حَيثُ كثافة الضربات، بل أَيْـضاً من حَيثُ نوعية الأهداف، سواء تلك التي ضربت بدقة عالية أَو تلك التي أعلنت القوات المسلحة رسميًّا دخولها دائرة الاستهداف في البحرين الأحمر والعربي؛ الأمرُ الذي يؤكّـدُ للعدوِّ ورعاته أن استمرارَ العدوان والحصار على غزة، واستمرار استهداف اليمن، هو انتحارٌ بحري مفتوح على كُـلّ الاحتمالات المرعبة وغير المسبوقة، وأن اللجوء إلى الوساطات ليس إلا إهداراً للوقت الذي يترتَّبُ على ضياعِه المزيدُ من الخسائر العسكرية والاقتصادية الاستراتيجية التي قد لا يمكن التعافي منها.
حديثُ قائد الثورة عن تنفيذ عشر عمليات بحرية ضد السفن المرتبطة بالعدوّ الصهيوني ورعاته خلال الأسبوع الماضي، كشف أن التحَرّك البحري اليمني قد تصاعد وتوسع بشكل كبير إلى حَــدِّ أن بعضَ العمليات لم تعد تُعْلَنُ لاعتبارات يمكن فهمها، وهو ما عزَّزه أَيْـضاً القائد بالتأكيد على أن العدوّ الصهيوني “يجب أن ييأس” من عودة ملاحته البحرية أَو وصول المؤن إليه، وهو يأس يجب أن يشاركه فيه أَيْـضاً الأمريكيون، الذي حذرهم القائد من أن المسألة لن تتوقف على فشلهم الواضح والمعلن في حماية سفن العدوّ أَو إيقاف التحَرّك اليمني، بل سيؤدي إلى تطوير القدرات العسكرية لتصبح أكثر دقة وتدميراً، وهو تحذيرٌ يشي تكراره بوجود مفاجآت جديدة قادمة في ما يتعلق بالتصنيع.
العمليات الخمس المعلنة خلال الأسبوع الماضي أكّـدت مضمونَ حديث قائد الثورة؛ فبعد استهداف السفينة البريطانية “مارلين لواندا” التي ظلت تحترق “من الليل إلى الليل” بحسب تعبير القائد، دشّـنت القوات المسلحة مسارَ استهدافٍ مباشرًا للقطع العسكرية الأمريكية في البحر الأحمر، بدءاً بسفينة الدعم “لويس بي بولر” التي تعتبر قاعدة لوجستية متنقلة، ووُصُـولاً إلى المدمّـرة “يو إس إس غريفلي” التي وإن لم يقر العدوّ الأمريكي بإصابتها، فقد أكّـد مسؤولون أمريكيون أنها اضطرَّت لاستخدام آخر طبقة من طبقاتها الدفاعية لمواجهة الصواريخ اليمنية، التي أقر قائد الأسطول الخامس قبل أَيَّـام بأنها سريعة وأن السفن الأمريكية لم يسبق لها أن واجهتها في التأريخ، وهو ما يعني أن استهداف المدمّـرة قد أثبت بوضوح أنها ليست حصينة بالشكل الذي يظن الأمريكيون، وأن احتمالات إصابتها بدمار كبير قد أصبحت الآن أعلى بكثير مما كانت عليه في أي وقت مضى.
وفي يوم الأربعاء نفسه الذي استهدفت فيه المدمّـرة “غريفلي” أعلنت القواتُ المسلحة أَيْـضاً عن استهداف السفينة التجارية الأمريكية “كول” أثناء إبحارها باتّجاه موانئ فلسطين المحتلّة في خليج عدن، لتستهدفَ بعد 24 ساعة سفينة بريطانية تجارية كانت تبحر إلى الوجهة نفسها في البحر الأحمر.
هذه العمليات الخمس أكّـدت أن مسار التحَرّك البحري اليمني يمضي تصاعدياً، لكن ليس من حَيثُ كثافة الضربات فقط، بل من حَيثُ بنك الأهداف الذي يبدو بوضوح أنه قد أصبح تطويره وتوسيعه بصورة احترافية ليحقّق هدفي منع الملاحة إلى الكيان الصهيوني والرد على العدوان الأمريكي البريطاني في وقت واحد مع كُـلّ ضربة بحرية؛ الأمر الذي يجعل تأثير كُـلّ عملية يشمل وبشكل متزامن العدوّ الإسرائيلي والولايات المتحدة وبريطانيا، وهو مستوىً متقدِّمٌ جِـدًّا واستثنائي يكشف بوضوح عن تطور هائل في قدرات القوات المسلحة تسليحاً ورصداً وتنفيذاً ومواكبة.
ولا يقتصر الأمر على الوصول إلى هذا المستوى؛ فعمليات الأسبوع الماضي جاءت معززة بتأكيدات من القوات المسلحة على “مواجهة التصعيد بالتصعيد”، وعلى أن “كافة السفن الأمريكية والبريطانية في البحر الأحمر والبحر العربي تمثل أهدافاً مشروعة”، وهي تأكيدات تضع منظومة العدوّ الثلاثية (الكيان الصهيوني وأمريكا وبريطانيا) أمام حقيقة أن الأمر لا يزال مفتوحاً على المزيد من المفاجآت الصادمة، وهي حقيقة سيتعين على هذه المنظومة أن تقيسَها على وقائعَ عمليةٍ أثبتت فيها القوات المسلحة وخلال أسبوع واحد فقط أنها تستطيعُ تنفيذَ عمليات مكثّـفة على جبهتَيْنِ بحريتين واسعتين، وضد كُـلّ أنواع القطع البحرية المعادية بما في ذلك المدمّـرات ذات القدرات الدفاعية والهجومية المتطورة؛ وبالتالي فَــإنَّ الإصرار على المواصلة في المستوى الحالي سيؤدي إلى نزيف بحري عسكري واقتصادي قاتل لكل أطراف منظومة العدوّ، أما التوجّـه نحو المزيد من التصعيد فسيكون انتحاراً بحرياً قد يؤدي إلى هزيمة جيوسياسية تاريخية مزلزلة لهم؛ لأَنَّ القيادةَ اليمنيةَ قد أثبتت بالفعل أنها لا تضعُ خطوطاً حمراءَ في الرد على التصعيد، وَإذَا كان هذا الردُّ قد وصل الآن إلى هذا المستوى فَــإنَّ المستوياتِ التاليةَ لن تكونَ أقلَّ من “كارثيةٍ” على العدوّ.
وبحسب صحيفة “الغارديان” البريطانية، فَــإنَّ حركة الصناعة في المملكة المتحدة قد بدأت تتضرر بالفعل نتيجة تحويل مسار السفن البريطانية (التي لم تكن مستهدفة قبل الاعتداء على اليمن)، فيما أكّـدت شبكة “سي إن بي سي” الأمريكية قبل أَيَّـام أن مسؤولين تجاريين ومستشارين للكونغرس أكّـدوا أن بعض الشركات قد بدأت بالفعل برفع أسعار السلع نتيجة ارتفاع كلفة الشحن إلى الولايات المتحدة الأمريكية؛ وهو ما يشبه بشكل كبير بداية التأثيرات التي ضربت الاقتصاد الإسرائيلي مع بدء العمليات البحرية اليمنية والتي وصلت اليوم إلى حَــدِّ مقاطعة كثيرٍ من شركات الشحن لموانئ فلسطين المحتلّة، وتوقف ميناء إيلات بشكل شبه كامل.
وقياساً على تجربة العدوّ الصهيوني فَــإنَّ التأثيرات الاقتصادية على الولايات المتحدة وبريطانيا ستتصاعد بلا شك في حال استمرار العدوان والحصار على غزةَ؛ (لأن ذلك يعني بالضرورة استمرار الأمريكيين والبريطانيين بالاعتداء على اليمن وبالتالي تعريض ملاحتهما للمزيد من المخاطر)، وهو أمرٌ لن يتحمله الشعب الأمريكي أَو البريطاني.
وحتى إن كانت الحكومتان الأمريكية والبريطانية تعوِّلان على “السيطرة” على التأثير الاقتصادي بطرق ما، فَــإنَّ التداعيات العسكرية لمواصلة حرب الإبادة في غزة، ستضرب هذه “السيطرة” في مقتل؛ فتصاعد العمليات البحرية اليمنية من المرجح أن يصل إلى حَــدِّ إصابة قطع حربية أمريكية أَو بريطانية بأضرار كبيرة؛ وهو ما سيجعل مهمة “التحمل” أكثر صعوبة على الولايات المتحدة وبريطانيا، بل سيضعهما مباشرة في وجه هزيمة تاريخية ستغير الكثير من الأمور.
وبغضِّ النظر عن مدى قدرة الأمريكيين والبريطانيين على “التحمل” فَــإنَّ قيمة هذا التحمل هي الوصول إلى نهاية ما مُرْضِيةٍ، وفي المعركة البحرية الراهنة فَــإنَّ النهايات كلها مسدودة أمام واشنطن ولندن، فطريق إجبار صنعاء على وقف عملياتها مسدود كما اتضح بشكل جلي من خلال فشل اللجوء إلى الصين للتدخل، وطريق محاولة تدمير القدرات اليمنية مسدود أَيْـضاً، بل إنه يحمل مخاطر تصاعد الرد اليمني، وكلّ طرق حماية السفن، التي حدّدتها القوات المسلحة كأهداف مشروعة مسدودة أَيْـضاً وقد ثبت فشلها بشكل واضح، والحال نفسه بالنسبة لطريق التحشيد الدولي ومحاولة فتح جبهة عالمية ضد اليمن؛ لأَنَّه حتى إن انضمَّت دولٌ أُخرى للحملة العدوانية على اليمن فلن يؤثر ذلك على مسار التحَرّك اليمني بل سيضيف سُفُناً وقِطَعاً بحرية جديدة إلى بنك الأهداف، وبالتالي فَــإنَّ الحَديثَ عن “السيطرة” على تأثيرات العملية اليمنية، أَو بمعنى أصح “تحمل” هذه التأثيرات، هو مغالطة ستسقط سريعاً إذَا استمرت حربُ الإبادة الصهيونية على قطاع غزة، وسيبقى الطريقُ الوحيدُ المتاحُ هو وقفَ هذه الحرب الإجرامية.
المسيرة نت