يستعد شعبنا اليمني لاستقبال أعظم مناسبة وأقدس ذكرى، ذكرى ميلاد خاتم الأنبياء (صلوات الله عليه ) أعظم قائد عرفته البشرية ومن وصفه الله بالخلق العظيم وبأنه الرحمة المهداة .. ومثلما في كل عام يستعد الشعب اليمني بشكل غير مسبوق منذ شهر ما قبل المناسبة في تزيين منازلهم بالأضواء الخضراء ومحلاتهم التجارية وما يتزامن مع ذلك من تزيين المنازل والسيارات والأماكن العامة.
وما أن تأتي المناسبة الكبرى في الثاني عشر من ربيع الأول حتى يتقاطر اليمنيون من كل منطقة وقرية إلى ساحات الاحتفال في أكبر تجمع سنوي في هذه المناسبة على مستوى العالم فمن هم هؤلاء الذين كلما عظمت بهم التحديات والمحن ازادوا قربا من رسول الله ومن أهل بيته.. إنهم من قال فيهم رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) قبل ألف وأربع مائة عام. (الإيمان يمان والحكمة يمانية)
فمنذ فجر الرسالة يوم كان رسول الله (صلوات الله عليه وعلى أله) يعرض نفسه على القبائل الوافدة إلى مكة والمجاورة لها عله يظفر بواحد أو اثنين يرشدهما إلى ما فيه فلاحهما وفوزهما في الدنيا والآخرة فلا يظفر من قريش سوى بالأذية والسخرية وملاحقته أين ما حل وعند من نزل يسفهونه ويحذرون الناس منه ، كان أهل اليمن من بادر إلى تلبيته فاعتنقوا الإسلام طواعية وحملوا على عواتقهم كرامة نشره والدفاع عنه فلم تخلو منهم معركة ولا ساحة سواء كان ذلك في عهد الرسول (صلوات الله عليه وعلى أله)أم بعده.
فقد وقفوا صادقين مع الصادقين أين ما حلوا وفي أي زمن كانوا كما يقول السيد حسين بدر الدين (رضوان الله عليه) {لقد برز من شيعة أهل البيت شخصيات عظيمة جداً في أيام الرسول وفي أيام الإمام علي، وفي أيام الحسن والحسين، وفي أيام زيد، والقاسم، والهادي، وغيرهم من أهل البيت (صلوات الله عليهم)، واليمن نفسه هو من البلدان المرتبطة بأهل البيت، الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) كان يرسل الكثير من الناس إلى مناطق أخرى لكنه اختار لليمن، وخاصة لهذا الإقليم من اليمن اختار له علياً (عليه السلام) أن يخرج إليه ليربط اليمنيين بعلي؛ وارتبط اليمنيون في تاريخهم الطويل بعلي بن أبي طالب، وبأهل البيت}( مسؤولية أهل البيت عليهم السلام).
فغير غريب أن يكون أهل اليمن هم طليعة الطلائع في كل حادثة وأمام كل معضلة.. ولم لا وهم استقوا الهدى من فم المصطفى (صلوات الله عليه وعلى آله) وعلي (عليه السلام) فأمنوا بالله ربا وبالقرآن منهجا وبمحمد (صلوات الله عليه وعلى أله) هاديا ومعلما وبالإمام علي (عليه السلام )ولياً وإماماً فهم الذين تبوؤا الدار والإيمان كما يقول الله سبحانه وتعالى {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }الحشر9 وقد تحدث عن ذلك السيد عبد الملك (حفظه الله) بقوله
{ إن شعبَنا اليمني الذي هو يمنُ الأنصار، يمن الأوس والخزرج الذين آووا ونصروا وحملوا رايةَ الإسْــلَام عاليةً، وكانوا سباقين إلى الإيمان والنصرة، الذين تبوؤا الدار والإيْمَـان ؛هذا هو الشعبُ اليمني الذي يحذو حذوَ أسلافه أولئك، بالتمسك بالإسْــلَام، وبقيمه، وبمحبة الرَّسُــوْل صلى اللهُ عليه وَعَلَـى آلِــهِ، وبالاهتداء به، وبالاحتفاء به، وبالتوقير له، وبالتعظيم له، وبالتقديس له صَلَــوَاتُ اللهِ وَسَلَامُـهُ عَلَيْـهِ وَعَلَـى آلِــهِ.} .
أهل اليمن وإيمانهم برسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)
إقبال أهل اليمن في انتمائهم للإسلام، وفي انتمائهم الإيماني، كان متميزاً بأنه في أغلبه طوعيٌ ، إقبالٌ برغبةٍ، بانسجامٍ، بتفاعلٍ كبير، باستجابةٍ ومبادرةٍ ورغبةٍ كبيرةٍ وسريعة، وأيضاً كان معه تجسيدٌ لقيم هذا الإسلام، ومبادئ هذا الإيمان، وتمسكٌ بقيمه وأخلاقه، ونصرةٌ، وجهادٌ، وعطاءٌ، وتضحية؛ ولذلك كانوا إلى درجةٍ وصفهم الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله” بها بوصفٍ عظيم، ويعتبر بحقٍ وسام شرفٍ كبير، عندما قال “صلى الله عليه وعلى آله وسلم” فيما روي عنه: ((الإيمان يمان، والحكمة يمانية)).
وهذا يعبِّر عن أصالة الشعب اليمني في انتمائه الإيماني، عن مدى إقباله إلى الإيمان، تمسكه بالإيمان، الإيمان كمنظومةٍ متكاملة: على مستوى المبادئ، على مستوى الأخلاق، على مستوى الالتزامات العملية، على مستوى المواقف، فكان هذا يميِّز هذا الشعب بأنه في انتمائه الإيماني أصيل الانتماء، صادق الانتماء، ثابت الانتماء، متميز الانتماء، وهذه نعمةٌ كبيرة، وشرفٌ كبير، نعمةٌ عظيمةٌ على أبناء هذا البلد، على مستوى ذلك الوقت، في ذلك العصر، في ذلك الزمن، في تلك المرحلة، ثم على مستوى كل مراحل التاريخ جيلاً بعد جيل إلى قيام الساعة، هذه نعمةٌ كبيرة، نعمةٌ عظيمةٌ جدًّا.
ليس غريبا على الشعب اليمني تعلقه برسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)
الشعب اليمني غير غريبٍ عليه هذا الارتباط، هذا التفاعل، هذه المحبة، هذا التعلق الحميمي والوجداني والشعوري برسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، غير غريب على أحفاد الأنصار، أنتم يا شعبنا العزيز، أنتم أحفاد الأنصار، أنتم الذين أعطاكم الله شرفاً عظيماً في تاريخ هذا الإسلام وفي سيرة هذا النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” أن جعلكم ذخراً لنصرته في أول التاريخ وفي آخر التاريخ، في أول التاريخ؛ كان الأوس والخزرج (القبيلتان اليمانيتان) ذخراً لنصرة النبي “صلوات الله عليه وعلى آله”، والمؤرخون يذكرون في التاريخ أنه حينما ذهب تبّع (تُبّع اليماني) ذهب ووصل إلى تلك المنطقة التي وردت آثارٌ- في آثار الأنبياء السابقين- أنها مهاجَر خاتم الأنبياء، ما بين عِيْر وأُحُد (جبلان)، تلك البقعة ما بين هذين الجبلين أنها مهاجر خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، تحكي الآثار ويحكي التاريخ أن (تُبّع) حينما وصل إلى هذه المنطقة خلّف فيها هاتين القبيلتين، ليبقيا في ذلك المكان، ويسكنا فيه، ويستقرا فيه، ويرابطا فيه، ويبقيا حتى يأتي هذا النبي ويهاجر إلى هذا المهاجَر، إلى تلك البقعة؛ فيكونان نُصرةً له، يكونان أنصاراً له، وفعلاً بقيا الأوس والخزرج، واستوطن الأوس والخزرج تلك البقعة وعمروها، وسكنوا فيها، واستقروا فيها جيلاً بعد جيل، حتى أتى الوعد الإلهي، وحتى أتى خاتم الأنبياء رسول الله محمد “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”؛ فكانوا هم الأنصار الذين استجابوا بكل رغبة، وكان انتماؤهم للإسلام؛ انتماءَ الإيمان، وانتماء النصرة والجهاد، ورفع راية الإسلام، والإيواء لرسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، فكانوا كما قال الله عنهم في كتابه الكريم: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}[الحشر: من الآية9] كانوا هم الذين تبوؤوا الدار: سكنوا تلك البقعة، وسبقوا إليها منذ القدم،
منذ زمن بعيد، منذ أجيال بعيدة، سبقوا إليها وتواجدوا هناك ليكونوا ذخراً للنصرة، وحين أتى الموعد كانوا هم الأوفياء مع الوعد الإلهي والمستجيبين بشكلٍ مسارع {تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} وما أعظم هذه العبارة، استوطنوا الإيمان كما استوطنوا الدار، إيمان راسخ، إيمان ثابت، إيمان عظيم، {مِن قَبْلِهِمْ} من قبل المهاجرين الآخرين، قال عنهم أيضاً في عبارةٍ مهمة وعظيمة في كتاب الله الكريم وهو يحكي عن ما قبل هجرة النبي إليهم، يحكي عن تعنت الكافرين في مكة، عن تعنت قريش، حينما قال: {فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ}[الأنعام: من الآية89]، فمن هم هؤلاء الموكَّلون؟ من هم هؤلاء الذين كانوا ذخراً إلهياً جعلهم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” مُعَدِّين لهذه المسؤولية ولهذا الدور، وللاضطلاع بهذه المسؤولية، وللتحمل لهذه المسؤولية العظيمة، ولنيل هذا الشرف الكبير؟ الأنصار: الأوس والخزرج (القبيلتان اليمانيتان).
وسيبقى الأحفاد كالأجداد أوفياء مع رسول الله ومن تبعه من أهل بيته سيبقى يمن الإيمان والحكمة حاملا على عاتقه مهمة نصرة دين الله ورسول الله وأعلام الهدى من أهل بيته مقارعا للظالمين والجائرين والمستبدين وكما صنع الله على أيديهم النصر لرسوله ولدينه ولأعلام دينه وللمستضعفين من عباده عبر القرون الماضية سيحققه على أيدي المخلصين الصابرين الصادقين المجاهدين الثابتين في جبهات العز والشرف من رجال الرجال في الجيش واللجان الشعبية عاجلا غير آجلا بمنه وكرمه {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }التوبة111