الولايةُ والتولّي (قراءةٌ ودعوة)…بقلم/محمد أمين عزالدين الحميري
عندنا في كُتُبِ السُّنة صحةُ حديث الولاية بطُرُقٍ مختلفة وأحاديثَ أُخرى تعضُدُه وتُبَيِّنُ فضلَ الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومقامَه الكبير، وأن ذلك الفضلَ الذي حازه، وبخَاصَّة توصية الأُمَّــة به في آخر أَيَّـام من حياة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وعلى لسانِه وأمام جمع غفير من الصحابة ومباركة الكثير له هذا الشرف الكبير، هو إشارةٌ إلى منهجية ينبغي السيرُ عليها، وأن هذه المنهجيةَ ليس فيها ما يتصادَمُ مع مقام النبوة من قريب أَو بعيد، كما يتوهم البعض، بل هو سيرٌ في خَطِّها ومنوالها، وكُلُّ عاقل منصِفٍ من علماء ومفكِّري الأُمَّــة سيفسرُ تلك النصوص بالشكل الذي ينسجمُ مع مدلول العقل والمنطق.. بعيدًا عن اللَّي المعوج للنصوص والذي يُخرِجُها عن سياقها ومضامينها الصحيحة والمنطقية ووضع التفسيرات القاصرة التي جعلت من ذلك البيانِ النبوي في حق الخليفة الراشد علي بن أبي طالب بياناً طبيعياً عادياً، فهو من باب الإشارة إلى فضله، أُسوةً بغيره ممن أشار إلى فضلهم من الصحابة، دون النظر إلى مضامين البيان ولا المقامات التي ورد فيها.
وكل تلك الأفهام القاصرة لا ننكرُ أنها قد أسهمت في صرف الأُمَّــة عن اتِّخاذ المواقفِ العملية الصائبة في باب الولاء والبراء وأبقاها في إطار التيه والتخبط والدوران في فلك مَن لا يريد لها الخيرَ ولا يرقب فيها إلًّا ولا ذمةً، وجعلت من التولي مظهراً من مظاهر التخلف والبدعة، وهو خاصٌّ بطائفة معينة داخل الأُمَّــة دون غيرها، مع أنه في الحقيقة يحمي الأُمَّــةَ من أيَّةِ اختراقات، ويُحَصِّنُها لتكونَ أُمَّـةً قويةً (بوَحدتها وتماسكها ونهضتها).
وإننا ومع دعوتنا لإعادة فَهْمِ النصوص الشرعية في القرآن والسنة كما هي، نؤكّـد أن ذلك لا يعني أبداً الانتقاصَ من رموز الأُمَّــة وأعلامها الآخرين وفي مقدمتهم الخليفة الراشد أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، وعلى الأُمَّــة بكل توجّـهاتها العملُ على قطع الطريق أمامَ كُـلِّ مَن يحرصُ على إثارة النعرات المذهبية والطائفية والإساءة لأيٍّ من الرموز محل تقدير داخل الأُمَّــة تحت أي مسمى أَو شعارات، مع الأخذ بالاعتبار أن أيَّ نقد بنّاء تصحيحي في إطار مسيرة الحكم في أيةِ حِقبة تأريخية لا يعني الاستهدافَ لأحد، بقدر ما يعني لفتَ الانتباه لمعرفة تأريخٍ معيَّنٍ على حقيقته، والبناءَ الصحيحَ على أَسَاسه، لكن مع أهميّة أن يكونَ هذا النقدُ صادراً من أهل الوعي والبصيرة وذوي الرصيد العلمي والاستيعاب التأريخي، وأن تكونَ دوافعُ التصحيح ساميةً، وذات مقاصد أسمى..
واختصاراً للأمر: هناك مراجعاتٌ ينبغي أن تكون من زاويتين، أولاً في جانب إعادة فهم النصوص وفقهها ومن ثم تنزيلها التنزيلَ الصحيحَ، وَأَيْـضاً في جانب المواقف العملية، وُصُـولاً إلى التخلُّصِ من الاختراق الذي تعرضت له الأُمَّــة والعمل على حمايتها في مسيرة علاقاتها مع الآخرين من المِلَلِ الأُخرى.
وبالنظر إلى الواقع سنجدُ أن التولي للإمام علي وكل من سار على دربه هو إحياءٌ لثقافة العودة الراشدة إلى القرآن الكريم الذي أنزله اللهُ على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والاقتدَاء السليم برسول الله كمبلِّغٍ عن الله، وهذه العودة هي السبيلُ لنيل العزة والكرامة وتحقّق الاستقلال في مختلف المجالات.
وما هو مطلوبٌ ونشدِّدُ عليه حتى لا يكونَ الخوضُ في التفاصيل والمجادلة غير المثمرة في هذا الباب، هو بناءُ جُسُورِ التواصل بين أبناء الأُمَّــة على قاعدة الالتفاف حول القواسم المشتركة، وفي مقدمتها القرآن الكريم؛ وكون رسولنا واحداً وقبلتنا واحدةً وعدونا واحداً، ومن هنا ستصحح الكثير من التصورات في باب التولي تدريجيًّا، ومن جانب آخر ستوقفُ الأصواتُ الشامتة برموز الأُمَّــة الآخرين عند حَدِّها، وسيكون السائدُ هو الحوارَ الهادفَ والتعايُشَ الراقي.
كما أن الدورَ التحريشي الذي يشتغلُ عليه أعداءُ الأُمَّــة هو الآخر لن يجدَ له سبيلاً إلى وسط الأُمَّــة، كما كان من قبلُ، فنجح إلى حَــدٍّ كبيرٍ في تأجيج الصراعات المذهبية والطائفية، من خلال صناعة بعض المتطرفين هنا وهناك، الأمر الذي يصعُبُ معه النجاحُ في أية خطوة تهدفُ للتقارب بين أبناء الأُمَّــة، وما إن يبدأ العقلاءُ للتحَرّك في هذا الدور الوسطي إلا ويسارع المحرضون نحو الهجوم عليهم وصَدِّ الناس عن معرفة الحقائق والوقيعة في كُـلِّ مَن ينطق بالحق ويستنهضُ الأُمَّــةَ نحو اليقظة وإرهابه وتخويفه واتّهامه في دينه وعقيدته دون أي مبرّر سوى أنه آثرَ الإفصاحَ عن مكمن الخلل، وما الذي ينبغي مما هو في صالح الأُمَّــة واجتماع كلمتها على الحق والخير.
اللهم إننا نتولاك ونتولى رسولك ونتولى من أمرنا رسولُنا الكريم محمدٌ بتوليه، فقال وهو الصادق المصدوق “اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاده” الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، ونتولى كُـلَّ مؤمن صالحٍ مصلحٍ، مُتَقٍّ سار على دربهم، ويعملُ على إصلاحِ وضعِ الأُمَّــة والنهوضِ بها، إلى ما فيه العِزةُ والسؤددُ والتحرُّرُ من تبعيتِها لأعدائك وأعداءِ عبادِك المؤمنين.