النفاق الأميركي يوسّع مداه لإطالة أمد العدوان على غزة .. صواريخ الشمال تُذل الكيان واليمن يقلب الحسابات الأمنية
دائماً ما تتم العودة إلى الميدان وإلى المقاومة بجبهاتها الواسعة وانتظار ما تُقدمه وما تُخبئه من مفاجآت في سياق الرد ومجابهة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المتواصل للشهر التاسع على التوالي من دون أي رادع أو إجراءات دولية وإقليمية من شأنها أن تضع حدّاً له، ومن الواضح للجميع أنّه ليس الكيان الصهيوني من يتعنّت على العدوان فقط، بل أيضاً واشنطن، ومن لا يدرك هذه الحقيقة عليه إعادة تصويب القراءة.
صحيح أنّ الولايات المتحدة تقدم مشاريع قرارات ومقترحات لوقف إطلاق النار، لكن الأصح أنها تبقى غامضة مواربة ومتحيّزة لمصلحة الكيان، مُلقية باللوم على المقاومة لإفراغ إنجازاتها من مضمونها وتأليب البيئة الحاضنة عليها، وهذا يُقرأ جيداً من التصريحات الأميركية التي تنتظر المقاومة لتقديم «التنازلات»، في المقابل تُبرئ الكيان من أي التزامات، وعليه فإن المشروع الأميركي الذي صوّت عليه أمس في مجلس الأمن الدولي لا يعدو سوى كونه مثل القرارات التي صدرت منذ بداية العدوان على غزة من دون أن تجد طريقها إلى التنفيذ ومن دون حتى أن يستطيع المجلس إلزام الكيان بأي منها، فقد سبقته ثلاثة قرارات ذهبت طي النسيان.
واشنطن تقدم مقترحات لوقف إطلاق النار غامضة مواربة ومتحيّزة وغير مُلزمة لا تهدف إلى إنهاء العدوان بل إطالته بطريقة تقلب الطاولة لمصلحة الكيان
النفاق الأميركي
تبنّي مجلس الأمن الدولي القرار 2735 الذي يدعم مبادئ اقتراح الرئيس الأميركي جو بايدن حول وقف إطلاق النار في غزة والذي عارضه كيان الاحتلال مُصراً على مواصلة العدوان وعدم المشاركة في مفاوضات «لا معنى لها مع حركة حماس»، على حد تعبير المندوب الإسرائيلي في الأمم المتحدة، تزامن مع الزيارة الثامنة لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى المنطقة، ودائماً ما يتمّ التساؤل: ما الجدوى من القرارات إذا كانت النتيجة واضحة؟.. وكيف قد تجد واشنطن ومعها المجلس طريقاً إلى تنفيذها؟
لا يختلف عاقلان على أنّ القضية في واشنطن كما في الكيان ليس إيجاد السبل لإنهاء العدوان، بل إطالته ولكن بطريقة تقلب الطاولة لمصلحة الاحتلال، فالواضح أنّ بلينكن لا يبحث إنهاء الحرب راهناً بقدر ما يعني بلاده شكل «اليوم التالي» في غزة، وبالتالي عموم المنطقة ضمن ترتيبات تضمن «اليد العليا» للاحتلال، ولتحقيق ذلك لابد لواشنطن من بحث عدم توسيع الصراع، فتداعيات التوسيع ستكون أكبر وأكثر إيلاماً للكيان.
كما أنه وبالنظر إلى تصريح المندوب الروسي في مجلس الأمن أمس يتمّ التأكد أنّ الشيطان يكمن في التفاصيل، وأنّ واشنطن قدمت المشروع مُستغلة عامل الوقت، إذ قال فاسيلي نيبينزيا إنّ «معالم اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، المنصوص عليها في القرار الذي اتخذه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ليست معروفة لأحد باستثناء الوسطاء في عملية التفاوض»، مشيراً إلى أن واضعي القرار لم يبلغوا مجلس الأمن الدولي بتفاصيل الاتفاقيات، قائلاً: إنهم يقدمون لنا في الأساس «قطة في كيس» (المقصد سمك في الماء)، مضيفاً: على هذا النحو، لم تكن هناك عملية تفاوض بشأن المسودة، بل إن واضعي المشروع قدموا صيغاً مختلفة للنص النهائي، مطالبين أعضاء المجلس بالتوقيع عليها في ظروف تحت ضغط الوقت.
وربما يكفي النظر إلى تصريحات بلينكن في القاهرة لندرك حجم النفاق الأميركي.. بلينكن قال: «إذا كنتم تريدون وقف إطلاق النار فاضغطوا على حماس لتقبل به.. حماس هي الوحيدة التي لم تقبل الاقتراح المكوّن من 3 مراحل والذي يتضمّن إطلاق سراح الرهائن وإجراء محادثات من أجل إنهاء القتال.. تحقيق وقف إطلاق النار سيفتح الباب أمام وقف دائم للقتال في غزة، ومن المهم أيضاً العمل على خطط لليوم التالي بعد الحرب».
مَنْ المسؤول عن الإذلال الذي يقوم به حزب الله في الشمال ومن قال إنّ «حماس» والحزب مردوعان؟.. لا أحد مرتدعاً من رئيس الحكومة الضعيف
الإذلال في الشمال
وبالتزامن مع زيارة بلينكن، يبقى الوضع على جبهة الشمال على ما هو عليه.. تصعيد مستمر وضربات استراتيجية يتعرض لها الاحتلال من المقاومة اللبنانية – حزب الله، مع إطلاق عشرات الصواريخ من لبنان التي أشعلت الحرائق مُجدداً، كما استهدفت المقاومة مواقع الاحتلال في الأراضي اللبنانية المحتلة، وعلى الحدود مع فلسطين المحتلة وشمالها، معلنة أنّ وحدة الدفاع الجوي تصدّت منتصف ليل الإثنين – الثلاثاء، لطائرة إسرائيلية معادية انتهكت الأجواء اللبنانية، وأطلقت باتجاهها صاروخ أرض – جو، ما أجبرها على التراجع باتجاه فلسطين المحتلة ومغادرة الأجواء اللبنانية على الفور، بالتزامن مع استهداف تجمع لجنود الاحتلال الإسرائيلي في محيط مستوطنة «نطوعا» بالأسلحة المناسبة، وأصابوه إصابة مباشرة، وأوقعوا أفراده بين قتيلٍ وجريح.
مع هذه التطورات، تبقى وسائل إعلام العدو أسيرة ما يحققه الحزب بما تقدمه من تصريحات وتحليلات توضح حجم الهزيمة والإذلال الذي أصاب الكيان.
وكان لافتاً سؤال صحيفة «يديعوت أحرونوت» حول من المسؤول عن الإذلال الذي يقوم به حزب الله في الشمال؟ ومن المسؤول عن إدارة حملة فاشلة لمدة ثمانية أشهر؟ ربما من قال لنا إنّ «حماس» وحزب الله مردوعان، لا أحد مرتدعاً من رئيس الحكومة الضعيف والجبان هذا، الذي لا يستطيع حتى أن ينظر في عيني رئيس بلدية «كريات شمونه» عندما تدمر مدينته ويشتعل الشمال.
إدخال حزب الله مسيّرة إلى حيفا يُعدُّ حدثاً استثنائياً ويبدو كما لو أنّ الحزب صعّد 14 درجة في سلم الحرب
مركز «ديان» لدراسات الشرق الأوسط، قال: المعركة في الشمال ليست مريحة لجندي الجيش الإسرائيلي الذي يشبه البط في ميدان الرماية، الأمر غير مريح أيضاً لسكان الشمال الذين تم إجلاؤهم، حزب الله قال إنه لن يوقف المعركة إلا إذا توقفت الحرب في غزة، لهذا من الصعب أن نرى عودة للسكان في الشمال، في حين نقلت صحيفة «إسرائيل هيوم» عن مستوطن من «دوفيف» بالجليل الغربي: على الجانب اللبناني يقيمون الجنائز بمشاركة الآلاف قرب الحدود ونحن نقيم الجنائز ليلاً بمصباح الهاتف.
في السياق ذاته، تحدّثت وسائل إعلام العدو عن قدرات حزب الله التي قد تُلحق أضراراً بتشكيل الدفاع الجوي في جيش الاحتلال، مشيرة إلى عدم استعداد الجيش لمواجهة تحدي الطائرات المسيّرة في الشمال، لافتة في الوقت ذاته إلى أنّ إدخال حزب الله مسيّرة إلى حيفا للمرة الأولى منذ بدء الحرب يُعدُّ حدثاً استثنائياً جداً، والأمر يبدو كما لو أنّ الحزب صعّد 14 درجة في سلم الحرب.
قدرة القوات المسلحة اليمنية على إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة قلبت الحسابات الأمنية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط
اليمن والفشل الأميركي
في سياق متصل بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، سلّط مركز أميركي الضوء على التحديات الأمنية الكبيرة التي تواجه الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، قائلاً: تصعيد القوات المسلحة اليمنية ضد «إسرائيل» في البحر الأحمر لايزال مستمراً على الرغم من الجهود التي تقودها الولايات المتحدة، مشيراً إلى أنّه عكس كل التوقعات، فإنّ الجهود التي بذلتها السفن الحربية الأميركية والبريطانية والتابعة للاتحاد الأوروبي من أجل وقف هجمات اليمن قد فشلت حتى الآن، كما أنّه ليس لديها احتمال كبير للنجاح.
وختم المركز: إنّ ظهور قدرة القوات المسلحة اليمنية على إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة قلب الحسابات الأمنية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
تشرين- هبا علي أحمد: