النرويج توقف مد الإمارات بالأسلحة.. لا أحد يربّح اليمنيين “جميلة”؟!
عين الحقيقة/إبراهيم الوادعي
بعد ثلاث سنوات من العدوان على اليمن، والآلاف المجازر التي ارتكبها العدوان على اليمن، أعلنت النرويج إيقاف تصدير وبيع الأسلحة إلى دولة الإمارات المشاركة في الحرب على اليمن حسب قول الخارجية النرويجية وزادت على ذلك بإعلان القلق من الوضع في اليمن.
الإعلان النرويجي أتى في سياق بدت العديد من الدول تتحضر له وهي تراقب عن كثب تطورات الحرب على اليمن، وليس صحوة مفاجئة للضمير الدولي تدريجيا أمام هول مما يرتكب من جرائم في اليمن، فهذه الجرائم ترتكب منذ 3 أعوام وحكومات الدول تعرف ذلك وأجهزتها الاستخباراتية تنقل إليها بشاعة ما يجري ارتكابه على الميدان اليمني والمناهض للمواثيق الدولية، بل ويجري تغطية ذلك بغطاء أممي وبيانات وقرارات من مجلس الأمن تعطي المهلة تلو المهلة..
قبل أيام ألقت البحرية اليمنية القبض على طوربيد بحري مسير عن بعد تستخدمه بحرية الدول العدوان، في مؤشر على تفوق يمني في حرب الأدمغة، والطوربيد البحري المسير ريموس 600 يعود لشركة هايدرويد الأمريكية التي استحوذت عليها مجموعة كونجبيرج النرويجية للصناعات الدفاعية عام 2007م، وتنتج منها طوربيدات مسيرة للمسح المدني والعسكري، وبالتالي فوقوع الطوربيد في أيدي اليمنيين أقلق أوسلو ودفعها لوقف تعاونها مع دول الإمارات بشكل علني حيث ترتبط شركة كونجبيرج بصلات مهمة مع دول الإمارات والسعودية والكويت.
ولا يمكن بالطبع قصر سبب الإعلان النرويجي، وإن كان الحادث الذي دق جرس الإنذار في أوسلو، التي تدرك حتما أن سقوط تكنولوجيا عسكرية في يد اليمنيين يتعني خروج نماذج محلية يمنية ومنافسة ربما في المدى المنظور، الأمر في واقعه أعقد من ذلك ويرتبط بانسداد الأفق العسكري لدول تحالف السعودية، وبروز مؤشرات انتصار الطرف اليمني بعد 3 سنوات من القتال، ويجب اتخاذ خط رجعة مع بلد لاتزال الفرص الاستثمارية فيها واعدة، وقوة سياسية – أنصار الله – أضحت واقعا يجب الاعتراف به.
الأمر الثاني هو الصمود اليمني الذي برز بشكل أسطوري ويفرض على الأعداء وليس بائعي السلاح فقط احترام اليمنيين، وجعل من الخيار العسكري عقيما في مختلف الجبهات، وتعرف الدول المصدرة للسلاح أن أي حلول عسكرية عقيمة سلفا ولم يعد بمقدور تحالف السعودية والإمارات الإتيان بشيء جديد، وهى منحت كل صنوف لتكنولوجيا العسكرية المتقدمة، وأحدث الأسلحة بما في ذلك الأسلحة النووية التكتيكية، وسمح لها باستخدام الأسلحة الفسفورية والكيميائية والمحرمة، ولم تأت بجديد أو تعطي نتيجة، بل أخذت الحرب تطول دون أفق لنهاية، والجديد الوحيد الذي حاوله التحالف وانتظره العالم على شاكلة “المفاجئة ” سقط في الرابع من ديسمبر في قلب العاصمة صنعاء، وفي ظرف قياسي أصاب العالم كله بالصدمة، ولايزال يدرس عسكريا كيف جرى ذلك وكيف تم الأمر بهذه السرعة القياسية وانهار مخطط جهز لعام ووفرت له كافة الإمكانات .
وبالعودة إلى تعليق النرويج بيع أسلحتها إلى الإمارات وهنا جرى تجنب ذكر تحالف السعودية والسعودية تحديدا تجنبا لغضب الإدارة الامريكية، يمكن القول إن أحد أسباب هذا القرار هو تخوف النرويج من التورط في محاكمات دولية بات من الواضح أنها ستنصب لدول التحالف السعودي حال سقوطها النهائي في اليمن.
وأوسلو تقرأ اليوم وبعد 3 سنوات حالة الاهتراء والاهتزاز الداخلي السياسي للدول التي تبيعها السلاح بقلق كبير، فالسعودية والإمارات تتعرضان اليوم لهزات سياسية داخلية إلى جانب خضات اقتصادية وفي جزء كبير منها على خلفية التورط في الحرب على اليمن، وتنظر اليوم إلى هاتين الدولتين تحديدا كمقامرتين سينتهي بهما الأمر على هذه الحال إلى التفكك والانهيار، وحينها ستنصب المشانق الدولية وتفتح محاكم حقوق الإنسان حول الجرائم في اليمن، وهي تحاول اليوم القفز من المراكب قبل غرقها وتبلل ثوبها بالماء، بوقف بيع الأسلحة إلى الإمارات والسعودية حكما.
سبب أوروبي جامع بالمعزل عن الموقف البريطاني وهو الاندفاعة الأمريكية نحو إشعال الحروب في عدد من مناطق العالم بالشرق الأوسط وكوريا الشمالية ودق طبول الحرب مع إيران، وجر حلف الناتو إلى المحرقة التي يندفع إليها ترامب وإداراته كالأعمى ، فالعواصم الأوروبية قلقة بشكل كبير من الدور الأمريكي منذ وصول ترامب إلى السلطة، وهي عبرت عن غضبها في أكثر من محفل وبداخل الناتو من تعامل إدارة ترامب مع الأوروبيين بتعجرف واعتبارهم مقصرين في أداء واجباتهم في إطار حلف الناتو التذي تسخره واشنطن لخدمة أهدافها بدرجة كبير في مواجهة روسيا وفي أفغانستان وتجر دوما الدول الأوروبية خلفها دوما،
في بداية حكم ترامب عادت المنسقة الأوروبية موغريني إلى البرلمان الأوروبي بتصور قاتم عن الوضع في أمريكا، وقالت أمام المجلس الأوروبي ” لقد لمست انقساما حادا في داخل الولايات المتحدة الأمريكية وعلى صعد مختلفة، يؤسفني أن أخبركم أن أمريكا التي تشاهدونها اليوم لن تكون موجودة في وقت قريب “وأوروبا قلقة من اندفاعة أمريكية، إسرائيلية سعودية وإماراتية إلى مواجهة عسكرية مع إيران، وهي تسعى لاتخاذ موقف محايد مسبق.
وبعد سقوط أكبر أوراق العدوان “صالح” والإقرار الأمريكي بكون أنصار الله قوة سياسية لا يمكن محوها أو تجاوزها، وتصريحات فرنسية مماثلة، وهذه التصريحات تعبر عن قناعة أوروبية مسبقة لم تنصت لها واشنطن أو حلفائها الخليجيين في المنطقة، ترى الدول الاوروبية بانه حان الوقت لدفع الرياض وأبوظبي للتخلي جديا عن محاولة الانتصار العسكري أو محو أنصار الله ويجب دفعهم إلى تبني هذا الموقف عبر مؤشرات سيتلقونها تباعا، وفي مقدمها تعليق بيع الأسلحة، وحاليا يسمح للمنظمات الدولية برفع الصوت علنا ولوسائل الإعلام بنشر أخبار الجرائم والمجازر المروعة في اليمن والإشارة إلى التحالف السعودي بارتكابها.
وبنتيجة جميع ذلك فإن أوسلو تحاول بقرارها ايقاف مد الإمارات بالأسلحة النأي بنفسها عن المشاركة في التحالف الكوني على اليمني والمتعدد الأشكال وتستغل في ذلك قرار النواب الأوروبي وتوصيته بتعليق بيع الأسلحة إلى السعودية على خلفية الحرب على اليمن، كما أن الوضع السياسي الداخلي والاقتصادي للدول المنخرطة في العدوان على اليمن مقلق بشكل كبير، والحرب على اليمن أخذت منحى مختلفا عن الحال في العام 2015م وجزء من العام 2016م ، بما في ذلك وصول الصواريخ اليمنية الباليستية إلى أبوظبي وقصر الحكم السعودي، وليس بمعزل عن جميع انفجار الأزمة الخليجية بين قطر وجيرانها وتفاقمها دونما افق للحل، وتداعياتها على المدى القريب.
سستوالى القرارات المشابهة لقرار اوسلو في إطار القفز من مركب غارق وتحالف فاشل، فلا أحد يربح اليمنيين “جميله”، وعليهم أن يعززوا من عوامل صمودهم وانتصارهم، وسيأتي العالم راكعا بين أيديهم يطلب الغفران ونسيان الماضي.