النخبة وسؤال اللحظة : لماذا “تحبون” الحوثيين و”تكرهون” أنصارالله ؟!
الحقيقة / كتب / عابد المهذري
مفاوضات “الكويت” تنطلق من جبهة ماوراء الحدود “السعودية ” .. البندقية “اليمنية ” تلعب سياسة
جميعنا في زمن الحرب وذروة القهر من قصف العدوان .. نخرج عن النص ونتسرع بفعل تحفزنا المنفلت ؛ بإتخاذ الأحكام الظالمة في أحايين كثيرة ضد قيادات انصارالله المتصدرة للواجهة .. فنهاجمها بقسوة ونهجوها بلا رحمة من فرط حماسنا الزائد عن حده .. وربما بنزعة الحرص والخوف على اصحابنا من المتربصين والمتآمرين.
نضع أيدينا على قلوبنا إثر تصريح هادئ اللهجة يدلي به محمد عبدالسلام .. نتبادل مشاعر القلق ونحن نقرأ تصريحاته من زوايا الشكوك والظنون .. يثير سخطنا منشور مهادن يكتبه حسين العزي فيستفز اعصابنا .. نغضب من كلام ركيك يأتي عبر محمد البخيتي ومن مقال حداثي الطرح بقلم عبدالملك العجري بلغة متكلفة وتحليل غير مفهوم المفردات والمصطلحات .. ننزعج من مواقف نعتقدها سلبية يتخذها ابواحمد الحوثي تكون غارقة في الرسمية البروتوكولية .. ومن حصافة صالح هبره ورزانة حمزة الحوثي وبيانات المجلس السياسي الباردة .
نصدق أي تهمة يوصم بها عبدالكريم أميرالدين ويحيى بدرالدين وطه المتوكل دون التأكد من صحتها .. لا تعجبنا تحركات حسن الصعدي وخالد المداني وعلي العماد وحمزة الحوثي .. ونسمع عن اسم مشرف أمني يدعى الكرار فنحمله ظلما مشاكل وقضايا البلاد والعباد .. ونشاطات ضيف الله رسام وقرارات ومظاهرات اللجنة الثورية وأعمال المشرفين ولقاءات المختصين لا تستحق شكرنا .. لأننا نرى أنفسنا أفضل من هؤلاء ونفهم أكثر منهم وكل ما يقدمونه ويقومون به خطأ .. وهم فاشلون وأغبياء وسذج ونحن الناحجون والعباقرة والخارقون للعادة .. لدرجة جعلت كثير منا ينتقد العسكريين ويتطاول على المجاهدين ويسخر من المقاتلين المرابطين في جبهات مواجهة الأعداء .. لتصل العباطة بالبعض ؛ لتنصيب أنفسهم أوصياء على الأنصار ورجال الله .. فيطالبونهم بما يفوق طاقتهم ويتجاوز إمكانات المرحلة ؛ ويوجهون لهم الأوامر ويريدون منهم اجتياح السعودية في يومين وكأنما تلك الانتصارات العظيمة التي سطرها ابطال الجيش اليمني واللجان الشعبية في العمق السعودي والجبهات المحلية مجرد هراء لا يرقى لمستوى البطولة .
………………………………………………………
ازدواج المشاعر بين تناقضات الموقف والواقع
………………………………………………………
في المقابل .. نحتفي بكل حديث قوي الطرح يأتي من صالح الصماد حاملا تعابير التهديد والوعيد .. ونهتم جدا بموقف شجاع وصريح ضد إيران ودول العدوان يسجله يوسف الفيشي .. نثني على ضيف الله الشامي عندما يعبر تلفزيونيا عن نبض الجماهير .. نرصد بإهتمام أعمال وعمليات عبدالله الرزامي .. وكلما إلتأمت طاولات الحوار في مفاوضات التسوية داخليا وخارجيا تتركز أنظارنا على شخص مهدي المشاط كصوت قاطع كالسيف وصاحب مزاج سياسي واضح يسجل مواقف محترمة في كل جولة ويلقي برأيه بلا مواربة او تحاذق ويمضي تاركا بصمته تفرض حضورها في مسار المباحثات وبيان الختام .
بين هذا وذاك .. نظل نترقب وننتظر اطلالة السيد عبدالملك الحوثي في خطابات وكلمات متماسكة الموقف شديدة الصرامة يلقى فيه الجميع ضالتهم من الوعي والطمأنينة وفهم الواقع وكيفية مواجهة المؤامرة والتصدي للعدو .. عبر ما يضخه القائد في شرايين الناس من شحنة روحانية الايمان والثقة بالله .. وما يبعثه في النفس من مشاعر ولاء وانتماء للوطن .. والتضحية في سبيل الانتصار لليمن .. مما يجعل كل كلمة للقائد اليمني الشاب ابوجبريل ؛ بمثابة القول الفصل الحاسم لكل خلاف وجدل .. بخطوط عريضة تضع الأمور في سياقاتها السليمة .. تؤدي ما هو مطلوب من ردع لتحالف العدوان السعودي الامريكي المتصهين قولا وعملا .. بالتوازي مع رسم طريق الصمود بحشد الأمة في صف واحد وجبهات موحدة تسد الثغرات وتحافظ على تماسك الدولة وتلاحم المجتمع .. ليعيد السيد في كلمتة البوصلة للإتجاه الصحيح .. ويفتح ابوابا ونوافذ جديدة للتعاطي مع قضايا وملفات تستدعي الإثراء والتناول بتسليط الاضواء حولها وتكريس الإهتمام نحوها.
……………………………………………………
متاهة الحب المصطنع والكراهية المنكشفة
…………………………………………………..
كل هذا وأكثر ؛ يتفاقم نتيجة ما يحدث ويتداعي ويستجد في خضم وزخم الواقع اليمني بتطورات الأوضاع فيه على مدار الساعة وتركز الحدث وتركيز الحديث بشكل رئيسي على حركة “انصار الله ” داخل البلاد وخارج الحدود .. في دوائر صناع القرار الاقليمي والعالمي وعند بسطاء المواطنيين من ابناء الناس العاديين .. اذ لا يخلو بيت يمني او خليجي من تداول اسم الحوثي والحوثيين يوميا وبإستمرارية متواصلة .. ولا تخلو صحيفة او وسيلة اعلامية او نشرة قناة فضائية عربية وعجمية من إذاعة اخبار انصارالله الحوثيين في اليمن حسب وجهات نظر ورؤى ومواقف تتفاوت سلبا وايجابا .. حيادا واستهدافا .. تحليلا وتحريضا .. حبا وكراهية وهذه الأخيرة تظل أشبه بعلامة استفهام مقلوبة تؤرق ذهنية النخبة اليمنية وتحديدا أولئك الذين يظهرون انحيازا ومناصرة وتعاطف مع جماعة الحوثي حركة انصارالله ويبطنون عكسها .. فيجسدون هذا الحب بمهاجمة وانتقاد الانصار وتشويش الحقائق حولهم وتصويرهم أحيانا كفاشلين وفاسدين وخونة وقتلة وتجار حروب .. والاساءة اليهم بالاتهامات الملفقة والمطالبات اللامنطقية وكيلها تحت عناوين المحبة والنصح لهم والحرص عليهم والاخلاص معهم بمغالطة ذهنية فاضحة .. تبرز فيها الأنا النخبوية بإيحاء انتهازي يتعمد فيه النخبويون هؤلاء إظهار أفضليتهم المزعومة على انصارالله والتظاهر بأنهم من صنعوا الأنصار ولولاهم لما كان للحوثيين اي ذكر او وجود ؛ وهو زعم كاذب وظهور وتظاهر تحايلي مخادع يسلكه المثقف المغرور والسياسي المتسلق ومراكز الزعامات الالتفافية التي تجيد السطو على نجاحات وانجازات الآخرين وتوظيفها لصالحها ومصالحها بإستخدام أدوات وأوراق وأساليب كالتي نلمسها الآن في تعامل كثيرين مع انصارالله .. مما يبقي السؤال مفتوحا أمام النخبة هذه : هل تحبون الحوثيين صدقا أم تكرهونهم بطريقتكم الخاصة ؟!!
…………………………………………………….
أعتساف الحقيقة بقوالب الإنتهازية النخبوية
……………………………………………………
لا يستطيع المعنيين بالسؤال الإجابة بشفافية لا تعتمد على ميوعة الرد الرمادي والتصنع اللفظي المكشوف .. نظرا لصعوبة اقتناع الأوساط الشعبية بأي تخريجات تنظيرية متعالية الخطاب قد تأتي من نخب السياسة والثقافة .. قادة وتنظيمات .. مفكرين وشلل .. صحفيين وصناع رأي .. لسبب وحيد يتعلق بإستحالة الجمع بين المحبة والكراهية في قلب وقلم وعقل واحد .. خاصة في ظل وضع معقد كالذي تعيشه اليمن ويعايشه الشعب ويتحمل أعباءه وتراكمات ماضيه القريب والعميق ؛ أنصارالله بنكران ذات نابع من استشعار الواجب والاضطلاع بالمسؤلية دون مبالاة بجحود وردة فعل انتقاصية لتلك النخبة المغردة خارج سرب الإرادة الوطنية والإجماع الشعبي الأكثر تقديرا فطريا وامتنانا عفويا للأنصار .. اقتناعا وقابلية .. تجربة وملامسة .. ادراكا وممارسة .. بلا تصنع او رضوخ او محاباة او مطامع .. وبدون دوافع اجبارية او نزعات عنصرية وطائفية .. وهو ربما ما لا يفهمه ولا يستوعبه النخبويون بفعل الانفصام الحاصل في طرائق التعاطي والتفكير ؛ لديهم ؛ مع الواقع الحياتي ؛ بما انهم منفصلين عنه ويعايشونه من زاوية نظرتهم المخملية الضيقة الأفق .. بعيدا عن تفاعلات حياة الناس على الارض .. مما يؤدي لانفصال الطبقة النخبوية عن القواعد الشعبوية وإبقاء هوة التقييم المزاجي المحكوم باللحظة الآنية ؛ تتسع ؛ ويتسع معها الشرخ الوطني في الذهنية اليمنية ؛ بين هذه النخب وحدها ؛ تأثرا بإفرازات بعضها البعض ؛ للتناقضات وخلط المفاهيم واعتساف الحقيقة وقولبتها بشخصنة فوقية تتقاطع كليا مع الموقف الجمعي للشعب .. الأمر الذي في النهاية يمنح بساطة وتواضع أنصارالله ؛ النجاح وتعزيز الحضور المضطرد .. بينما تتبخر فقاعات وبالونات النخبة وتنعدم جدواها وتأثيراتها الضحلة زمانا ومكانا.
………………………………………………………..
الإنصاف في مواجهة الإجحاف لصناعة المستقبل
………………………………………………………..
صيغة الجمع أعلاه لا أقصد بها نفسي .. هروبا من ارهاب معنوي قد يأتي ضدي .. إذ أن وصم الكاتب والصحفي بتهمة التطبيل و مفردة القطيع لم تعد بعبع خوف وتركيع .. بقدرما هو افلاس لذوي الرأي المخالف لا يمتلكون سواه للتهرب من الاعتراف بضعف التبريرات والحجج التي يتكئون عليها بعناد أخرق .. وحين ندافع عن الموقف الصواب سعيا لتوضيح اللبس وكشف الزيف .. فالهدف أولا إعلاء الموقف القويم وحمايته من التشويش والتزوير والسطو والتشويه .. كما أن أقل الواجب مع انصارالله بإعتبارهم المدافعين عن الوطن ؛ بأرواحهم ودمائهم .. هو الدفاع عنهم بحبر الأقلام وحروف الكلمات .. إلتزاما بمبادئ الصحافة وأخلاقيات مهنة تحض على الانصاف والتصدي لأي إجحاف وانحراف .. والسكوت والصمت على التجريف الحاصل والهضم المتعمد لجهود وتضحيات وعطاء انصارالله ليس مقبولا التغاضي عنه وتركه يتمادى حتى يبلغ مستويات تخدم أجندة الأعداء والعملاء .. فأنصارالله يستحقون مساندتهم بإنصافهم .. والحيلولة دون بلوغ المشككين فيهم ؛ مآربهم ؛ من باب الإنتصار للكينونة والهوية الوطنية والتوثيق التاريخي الشريف والنزيه لتضحيات اليمنيين الراهنة حفاظا على مجد يمني يصنعه اليوم؛ الشعث الغبر المستضعفين ؛ لتفخر به أجيال المستقبل .
………………………………………………………
الطريق الى الكويت من بوابة الحدود السعودية
……………………………………………………..
تفصلنا عن انطلاق مباحثات الكويت أيام قليلة .. وهي المباحثات التي جاءت عقب تفاهمات يمنية سعودية في الجبهات الحدودية أنجزت تهدئة على شكل هدنة مؤقتة أو اختبار نوايا .
المنتظر من نتائج الكويت .. انهاء الحرب وإيقاف العدوان وانجاز تسوية سياسية بعد عام عاصف من القصف العدواني والمواجهات والقتال .. برز فيها اليمن قويا ومهيبا وندا شرسا لتحالف الأشرار .. أحبط المؤامرة وحقق للوطن انتصارا كاسحا أذهل العالم الذي أصبح ينظر لليمنيين بعين أخرى عكس ذلك الإحتقار والإمتهان الذي كان .
سيذهب الوفد اليمني الى الكويت وبيده أوراق القوة وهو يقف على أرضية صلبة وثابتة .. القضية العادلة هي مفتاح النصر .. لا تنازلات للخارج ولا اهتزاز أمام العدو .. المؤشرات كلها تعزز موقفنا وخيوط اللعبة لم تنفلت من أصابعنا المرابطة على زناد الجهوزية المضاعفة لردع أي اختراق او اسقاط اي مخطط غادر .. الثقة والإطمئنان سيد الموقف .. سلما أو حربا .. نوايا طيبة أو خداع وسوء نية .. وإن عادوا عدنا وان جنحوا لحقن الماء ووقف اطلاق النار والغارات الجوية والقصف البحري والزحف البري ؛ توقفنا عن إزهاق أرواح جنودهم وسفك دماء مرتزقتهم .
أما من يطالبون برفض الحل السياسي ويدعون لتغليب الحسم العسكري بسقف مرتفع لا يقبل بأقل من السيطرة على عاصمة العدو السعودي وإسقاط المملكة .. ويقولون كان علينا ان نرضخ للتسويات السياسة من أول لحظة ونوفر على بلادنا الدمار و آلاف الضحايا والشهداء مادامت النهاية بهذا الشكل .. فإنه ينبغي على هؤلاء التفكير ؛ هل كان الموقف اليمني سيكون من القوة في مواجهة الهيمنة السعودية كما هو عليه وهو متجه الى جولة الكويت .
أم ان القبول بالمشاركة بمؤتمر الرياض كان مناسبا لتحقيق الإنجاز ورفضه كان خطأ فادحا وفق رؤية الرافضين لتفاهمات الحدود ومباحثات الكويت في سياق شوشرة وضجيج يفتعلونه قد يصل بهم الى القول بأن مواجهة العدوان بالسلاح كان حماقة وان الإستسلام كان هو الحل الأنجع .
انصارالله لم ينفردوا بإتخاذ قرار الحرب والسلام كما يروج النخبويون .. ولم يتفردوا بالتفاوض مع العدو السعودي .. بقدرما تفردوا وانفردوا بالبذل والعمل والتضحية والدفاع عن اليمن والانتصار لعزة وشرف وكرامة الشعب اليمني .
…………………………………………………………
مشكلة إسمها الفراغ الطولي وفقدان التوازن
……………………………………………………….
قد أكون جمعت فكرتين منفصلتين في هذه القراءة .. بيد أن شطحات النخبة زجت بأصحابها في السياق .. وجدير بالفهم ؛ ان انصارالله لا يعانون فراغا بطوليا داخل حركتهم المتماسكة ؛ يجعلهم يبحثون عن بطولة ومكسب .. فكل فرد فيهم هو قائد وبطل .. ولا يفتقر انصارالله للإنتصارات ويندفعون للواجهة بنزعة استحواذية ؛ فرصيدهم حافل بالتفوق السياسي والعسكري في جميع ما خاضوه من تحديات وحروب .
الطرف الآخر هو الأشد افتقارا للانتصار وافتقادا للقادة والابطال الذين يملأون فراغ غياب البطل .. والانعكاسات السلبية لهذا الجانب تظهر في أداء تلك الأطراف المتخبطة القرار والمضطربة الموقف .
علينا ان نفهم ونعي أن البندقية اليمنية التي كسرت جبروت المدفعية والطائرات والأسلحة الحديثة ؛ قادرة أيضا أن تلعب سياسة بذات القدرة على كسر المعادلة وقلب الطاولة .
هيا بنا نلعب سياسة .