الناشط مالك المداني يروي ( قصة ذهابي إلى الكويت (( طويلة بعض الشيء ))) …!
الساعة الثامنة صباحاً وردتني مكالمة هاتفية ايقظتني من نومي ، تخبرني عن اختياري ضمن الوفد المشارك في مفاوضات الكويت وتبلغني ايضاً أن موعد الرحلة المسافرة الى هناك هو ظهيرة نفس اليوم !!
نهضت من على فراشي فرح متعجل لا ادري مالذي افعله !
هرعت باتجاه خزانة ثيابي ، وبدأت بنبشها وتفتيشها رفاً رفاً باحثاً عن ثياباً لائقة تليق بتمثيلي كمواطن يمني محترم متعلم مثقف ولكنني للأسف لم اجد !
كانت كلها اما رثة وقديمة واما شعبية !!
قميص ضيق !
بنطال ممزق !
سترة واسعة !
ثوب ابيض !
ثوب رمادي !
ثوب ترابي !
ثوب اسود !
معوز !!
صماطة !!
معوز اخر !!
قايش !!
جنبية !!
أصبت بأحباط شديد وتذكرت ان الحرب شغلتني عن شراء ملابس جديدة وأنني كنت انفق كل ما أملك على ‘التخازين’ وتوابعها ..
اغلقت باب خزانتي ، ولمحت وجهي في المرآه ‘كث اللحية مُهمل الشارب فوضوي التسريحة اشعث اغبر’ !!
تضاعف احباطي بهذا المنظر ايضاً ، وقررت ان اعتذر عن الذهاب ، لذا اخذت هاتفي وفتحت قائمة المكالمات الواردة وضعت إصبعي على اخر مكالمة وردتني وكبست على علامة الاتصال وانتظرت أن يَرُد من هاتفني لاعتذر له عن المجيء !!
آنذاك وتحديداًً اثناء تلك الثواني القليلة التي تفصل بين الانتظار والرد ، مررت من امام التلفاز مصادفةً ، كان ابي يجلس امامه
فاتحاً لقناة المسيرة يشاهد حشود القبائل التي اجتمعت للتهجير والتعاهد على حماية صنعاء ..
توقفت مكاني وشاهدت ماكان والدي يشاهده
رأيت الشعث الغبر بثيابهم البسيطة واسلحتهم الممتشقة يكادوا يفوقون عطان ونقم بشموخهم وكبريائهم وادركت حينها أن هؤلا ومن هم على شاكلتهم هم فعلاً من يليق بهم تمثيل اليمن بصمودها وعنفوانها ومناعتها ، بتراثها وتاريخها وحضارتها ، بحاضرها ومستقبلها وبكل مافيها هؤلا فقط هم اليمن قولاً وفعلاً وطباعا ..
لذا انهيت المكالمة قبل ان يجيبني احد ،
وعدت لخزانتي ، حزمت مافيها بفخر واعتزاز يمني اصيل ..لم اقص شعري ولم اشذب لحيتي ، اخذت حماماً بارداً فقط ..!
وكنت انا كما انا ! بلا تزييف او تحسين او تهجين !!
ارتديت ملابسي المعتادة ‘ثوبي النظيف والقايش’
وانتظرت وصول من سيقلني إلى المطار وبدأت بمراجعة سريعة للتأكد من عدم نسيان شيء …
صلاة الفجر .. تم ذلك
مصحف جيب .. معي
النشيد الوطني … راجعته
هاتفي .. معي
شاحن الهاتف .. معي
حاسوبي المحمول .. معي
مصروف طريق .. معي
محفظتي … معي
كل شيء كان معي ولكن ذاك الشعور الذي يراود كل مسافر ويخبره بأنه قد نسي شيء هام لم يختفي !!
عجزت عن تذكره وارتفع ضجيج بوق السيارة التي كانت تنتظرني خارجاً ، لذا تجاهلت كل شيء وحملت حقيبتي وهرولت للخارج !
لم اودع احداً من عائلتي ، كنت اعرف اني ساعود سريعاً ولن اطيل البقاء هناك ،
فتحت باب منزلي وسارعت لركوب السيارة التي انطلقت من فورها نحو المطار ، !!
وعدت للتذكر ثانيةً ..
قلم .. معي
نوتة .. معي
مقص اظافر .. معي
قنينة عطر .. معي
………… ، ليس معي ، نسيتتتتته !!
قف !!!! صرخت بوجه السائق !
عد ادراجك رجاءً ، لقد نسيت شيئاً هاماً جداً ..!
التفت للوراء و حمدت الله اننا لم نكن قد ابتعدنا كثيراً ..
عدنا ادراجنا للمنزل ، دخلت جرياً باتجاه غرفتي ، ووجدت ضالتي معلقة امامي تماماً ( تنفست الصعداء ) واختفت حمرة عيناي فور رؤيته !!
ذهبت نحوه ، اخذته وارتديته وعدت طريقي خارجاً ضاحكاً بشوشاً …
خروجي من اليمن كاد ان ينسيني ( كوتي الرمادي ) ياللمصيبة
مالذي كنت سافعل لولاه !!
لايهم ، اعتذرت للسائق على التأخير واخبرته بأن يعرج على اقرب صيدلية لأخذ اقراص منع الغثيان ( ليس لأنني اصاب بدوار السفر ) انما لكي لا اتقياء عند رؤيتي وجوه اولئك السفلة الذين سنقابلهم هناك !!
جلست على مقعدي بهدوء احتضن ( كوتي ) ويحتضنني ، واشاهد من النافذة حركة السير في الشارع ..
مشرد يبحث عن شي يسد به رمقه …
مسن يسند ظهره الى عصى خشبية …
جريح على كرسي مدولب ..
امرأة يملؤها التراب ، يبدو انها انتهت من دفن ابنائها تواً …
دمار هنا وخراب هناك ..
واهات هنا وآنات هناك ( مابين قلبي ورئتي ) ..!
وصلنا لبوابة المطار وانا مابين شهقة وحرقة ، متندماً على عدم اخذ بندقيتي معي !!
ترجلت من على السيارة اجر حقيبتي خلفي ذاهباً نحو صالة الانتظار وفي القلب غصة والف قصة وقصة تحكي معاناة فقير وحزن يتيم وضيم 30 مليون يمني !
جلست على كراسي الصالة منتظراً لنداء المغادرة حتى سمعته ، مشيت نحو الباب المؤدي لمدارج الطائرات
وقفت في الطابور حتى جاء دوري ..
– سيدي ارني جواز سفرك قال لي ..!!
فتشت في جيوب ( كوتي الرمادي ) واخرجت صوراً لبضعة شهداء ووضعتهن امامه !!
هؤلا هم معرفيني وتذكرة سفري وتأشيرة عبوري قلت له !!
ابتسم لي قائلاً : تفضل ..!
تجاوزته شاكراً ، متحركاً نحو حافلة النقل التي ستقلني للطائرة ، متأملاً لاثار القصف على كل مدرج !
مشاهداً لافواج الجرحى الذين يتزاحمون لنقلهم للخارج ، عندها تمنيت ان تلغى رحلتنا علنا نتيح مكاناً اضافياً لجريح اخر’ اتقوا الله في الجرحى
اتقوا الله في الجرحى
اتقوا الله في الجرحى
مكثت ارددها وانا اصعد سلم الطائرة درجة درجة وانا حاملاً لعزة مجاهد ، لتضحية شهيد ، لغبن ثكلى ، لحزن اب ، ولدمعة يتيم لجوع فقير ولقهر عزيز !!
جلست في مقعدي بيمانيتي كاملة لابساً كوتي الرمادي مرتدياً ثيابي الشعبية اشعث اغبر ، مستعداً للذهاب لأركاع عتاولة العالم واذلال كبريائهم ،وموقناً ان خلفي رجال كالجبال اصابعهم على الزناد ، تفضل الموت على الاذلال والخضوع ومن ورائهم شعب ابي أولي بأس شديد حرمت الذلة عليه والهوان !!
مدركاً انني في موقف قوة مصدقاً لآيات الله مؤمناً بنصر الله الذي وعد به رجاله المؤمنين وتمكين عباده المستضعفين ماداموا مستضعفين ..!
–