السمة العاجلة للتهديدات القائمة حالياً تطرح بقوة إمكان إنشاء منظومة قيادة وسيطرة ورصد واشتباك مشتركة بين السعودية والإمارات.
يمكن اعتبار بروز تحدٍّ ميدانيّ جديّ للدفاعات الجوية الإماراتية، من بين النتائج الآنية التي نتجت عن عمليات الاستهداف الصاروخي المتكررة للأراضي الإماراتية من جانب القوات المسلحة اليمنية، والتي بدأت بشكل نوعي في السابع عشر من الشهر الماضي.
ظهور هذا التحدي كان مفاجئاً رغم عوامل عديدة كانت تؤشر على احتمال ظهوره، منها التجربة السعودية في هذا الإطار، حيث ظلت أراضي المملكة منذ عام 2016 تحت نير الضربات المستمرة الآتية من اليمن، سواء على شكل طائرات مسيّرة أم عبر الصواريخ الباليستية والجوّالة.
كانت الأراضي الإماراتية بشكل أو بآخر في منأى عن تأثيرات هذه الضربات، رغم إعلان الجيش اليمني واللجان الشعبية وحركة أنصار الله عدة مرات، خلال السنوات السابقة، تنفيذ ضربات ضدّ مدينتي أبو ظبي ودبي، وقد كانت البداية في هذا الصدد في كانون الأول/ ديسمبر 2017، من خلال الإعلان عن استهداف مفاعل “براكة” النووي في مدينة أبو ظبي بصاروخ باليستي، وتلا ذلك إعلان آخر في تموز/ يوليو 2018، عن هجوم تمّ تنفيذه بطائرات مسيّرة ضد مطار أبو ظبي، ثم الإعلان مرتين متتاليتين خلال الشهرين التاليين عن استهداف مطار دبي، وكذا الإعلان عن استهداف مطار أبو ظبي في أيار/ مايو 2019.
في هذه الإعلانات كافة، لم تتوافر دلائل واضحة على نتائج هذه الهجمات، ومدى نجاحها من عدمه، سواء عبر تصريحات إماراتية رسمية، أم دلائل مصوّرة بشـأن نتائج هذه الضربات.
هذه الدلائل والتصريحات توافرت بشكل كبير في الضربات التي تتالت على الأراضي الإماراتية منذ منتصف الشهر الماضي، وتحديداً الهجومين المتتاليين اللذين حصلا في السابع عشر والرابع والعشرين من الشهر الماضي.
ففي الهجوم الأول أصيبت منطقتان من مناطق أبو ظبي بشكل مباشر؛ المنطقة الأولى هي منطقة خزانات النفط الموجودة في قطاع “آيكاد 3” في منطقة “المصفح” بالقرب من مجمع لخزانات شركة “أدنوك” للخدمات البترولية، وتقع هذه المنطقة في القسم الجنوبي الغربي من مدينة أبو ظبي. أما المنطقة الثانية فهي في محيط مطار أبو ظبي الدولي، في القسم الشرقي من المدينة. أدّى هذا الهجوم إلى تدمير ثلاثة خزانات للنفط، ومقتل ثلاثة أشخاص، أحدهم باكستاني والآخران من الهنود، مع إصابة 6 آخرين لم تُعلن جنسياتهم.
أما الهجوم الثاني الذي حصل في الرابع والعشرين من الشهر الماضي، فلم يتم تحديد المناطق التي استهدفها بشكل محدد، بل قال المتحدث العسكري اليمني، إنه تم فيه استهداف مدينتي أبو ظبي ودبي. جدير بالذكر هنا أنّ كلا الهجومين وقعا بالتزامن مع هجومين آخرين على الحد الجنوبي السعودي.
ذخائر بعيدة المدى استُخدمت في هجمات أبو ظبي
استخدمت القوات المسلحة اليمنية في هذا الهجوم بشكل رئيسي، جميع الوسائط البعيدة المدى المتوافرة لديها، وهي صواريخ “ذو الفقار” الباليستية، وصواريخ “قدس-2” الجوالة، إلى جانب الذخائر الجوالة “صماد-3”.
اللافت في معظم هذه القدرات التسليحية السالف ذكرها أن الإعلان الأول عن استخدامها في الميدان اليمني، جاء مقترناً مع إعلانات سابقة من جانب قوات صنعاء بشأن استهداف الأراضي الإماراتية؛ فمثلاً، كان الظهور الأول للذخائر الجوالة “صماد-3” مقترناً بالإعلان في أيار/ مايو 2019 عن قصف مطار أبو ظبي.
تُعدّ هذه الذخائر الجوالة من أهم التقنيات التي حازها اليمنيون خلال السنوات الأخيرة، وتُعتبر بمنزلة “طائرة انتحارية من دون طيّار”، وتتميّز بمدى هو الأكبر ضمن التقنيات المسيّرة الموجودة في حوزة قوات صنعاء، يراوح بين 1400 و1800 كيلومتر.
لكن هذا المدى الكبير أثّر بشكل واضح على الشحنة المتفجرة التي تحملها هذه الطائرة، حيث تشير التقديرات المتوافرة إلى أن زنتها تراوح بين 50 و70 كيلوغراماً فقط، وبالتالي لا تكمن الفعالية التكتيكية لهذه الذخائر في قدرتها التدميرية، بل تكمن في استخدامها بأعداد كبيرة لمهاجمة أهداف محددة، ما يقلّص من فرص إسقاطها من جانب وسائط الدفاع الجوي، نظراً إلى صِغر مقطعها الراداري، حيث يبلغ طولها الكليّ 3 أمتار، وطول جناحيها خمسة أمتار، وقطرها 24 سنتيمتراً فقط.
النوع الرئيسي الثاني من أنواع الأسلحة التي تم استخدامها في هذه الهجمات هو الصاروخ الباليستي القصير المدى “ذو الفقار”، وهو اسم بدأت قوات صنعاء باستخدامه أواخر العام الماضي، للإشارة إلى صاروخ “بركان-3″، وهو أحدث صاروخ في سلسلة صواريخ “بركان” الباليستية، المطوّرة عن صواريخ “سكود-سي” الباليستية السوفياتية.
الظهور الأول لهذه الصواريخ العاملة بالوقود السائل كان في آب/ أغسطس 2019، حين أعلن الجيش اليمني عن استهداف مدينة الدمام السعودية بصاروخ من هذا النوع، الذي يعدّ فعلياً الصاروخ الباليستيّ الأبعد مدى في حوزتهم، حيث يراوح مداه بين 1400 و1600 كيلومتر، ويجري توجيهه بالقصور الذاتي.
النوع الثالث من أنواع الأسلحة التي تمّ استخدامها في الهجوم على أبو ظبي كان الصواريخ الجوّالة “قدس-2″، التي تم الإعلان عنها للمرة الأولى في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، خلال عملية استهداف محطة تابعة لشركة “أرامكو” النفطية السعودية في مدينة جدة. هذا النوع من الصواريخ الجوالة يعود تصميمه إلى صواريخ “كيه إتش-55” السوفياتية. النسخة الإيرانية تمّ فيها تعديل أسلوب الملاحة، ليصبح معززاً بالتوجيه بالأقمار الاصطناعية لتحديد المواقع التي يجري استهدافها. وقد ظهرت النسخة الإيرانية في اليمن أواخر عام 2017، حين أعلنت قوات صنعاء عن استخدام صاروخ جوّال يسمّى “قدس-1″، لاستهداف مفاعل “براكة” النووي في مدينة أبو ظبي. وتشير التقديرات المتوافرة إلى أن مدى صواريخ “قدس1-2” يراوح بين 1500 و1800 كيلومتر.
مدى استجابة الدفاع الجوي الإماراتي
تشير المعلومات المتوافرة (من مصادر غير يمنية) إلى أن استجابة وحدات الدفاع الجوي الإماراتي للهجومين الصاروخيين اللذين وقعا الشهر الماضي على أبو ظبي، انحصرت بشكل أساسي ضد الصواريخ الباليستية والجوالة، بواقع اعتراض صاروخ باليستي من نوع “ذو الفقار” خلال الضربة الأولى، بواسطة إحدى بطاريات منظومة الدفاع الجوي البعيد المدى “ثاد”، المتمركزة في قاعدة الظفرة الجوية، واعتراض صاروخين من النوع نفسه في الضربة الثانية، بواسطة بطاريات “باتريوت” الإماراتية.
يضاف إلى ذلك تمكّن المقاتلات الإماراتية، ودائماً بحسب مصادر غير يمنية، من تدمير منصة إطلاق صاروخي الضربة الثانية، والتي كانت متمركزة في محافظة الجوف الحدودية مع المملكة العربية السعودية.
بالنسبة إلى الذخائر الجوالة، لا تتوافر معلومات بشأن إذا ما تمّ اعتراض أيّ منها أو لا، لكن الأكيد أن بعضها تمكّن من الوصول إلى أهدافه، وخاصة في الضربة الأولى. تمكّن الذخائر الجوالة من الوصول إلى أهدافها في هذا الهجوم طرح، ومن قبله الهجمات المستمرة على السعودية، مسألة تأثير هذا الوضع على منظومة الأمن القومي لمنطقة الخليج، ومدى الخيارات المتاحة أمام الإمارات العربية المتحدة للتعامل مع هذا التهديد المتزايد.
إذا ما أردنا النظر إلى الخيارات الإماراتية من باب التجربة السعودية، سنجد أن الاستراتيجية السعودية في هذا الصدد كانت تعتمد بشكل رئيسي على التكامل بين بطاريات الدفاع الجوي من نوع “باتريوت” ومقاتلات سلاح الجو السعودي، وخاصة مقاتلات “تايفون” و”اف-16″، بهدف الاستفادة من قدرات بطاريات “باتريوت” في اعتراض الصواريخ الباليستية والجوالة، وإعطاء المقاتلات مهمّة التصدي للأهداف المحدودة المقطع الراداري، التي يصعب على بطاريات الدفاع الجوي التصدّي لها، مثل الطائرات من دون طيار والذخائر الجوّالة.
هذه الاستراتيجية كانت لها نقائص مهمة ظهرت من خلال الخبرة الميدانية، منها مثلاً التكاليف الباهظة التي تتكبّدها المملكة خلال عمليات الاعتراض، حيث يتم في المتوسط إطلاق صاروخي باتريوت نحو أيّ هدف معادٍ آتٍ من الأجواء اليمنية، علماً بأن الصاروخ الواحد قد يصل سعره إلى أربعة ملايين دولار، وهي معضلة حاولت المملكة التقليل من تأثيراتها السلبية، عن طريق استخدام المقاتلات لمعاونة بطاريات الدفاع الجوي، لكن هذا أدّى إلى تناقص مخزونات سلاح الجو السعودي من صواريخ الاشتباك الجويّ المتوسطة والقصيرة المدى.
أما في ما يتعلق بالتجربة الإماراتية في مجال الدفاع الجوي، فقد كانت مرتكزة بشكل كبير على توفير الدفاع الجوي للوحدات القتالية التابعة للتحالف السعودي- الإماراتي، والتي ظهرت أهمية الدفع بها بعد الضربة الصاروخية التي نفّذتها قوات صنعاء على معسكر “صافر” في أيلول/ سبتمبر 2015، وحينذاك دفعت القوات الإماراتية ببطاريات صواريخ “باتريوت” إلى داخل الأراضي اليمنية، وتحديداً في محافظتي مأرب والمخا، ومحيط قاعدة العند الجوية، معزّزة بمنظومات الدفاع الجوي القصيرة المدى والذاتية الحركة “بانتسير”، وتشير التقديرات إلى أن هذه البطاريات ظلّت في اليمن حتى منتصف عام 2019، وشهدت خلال هذه الفترة عدة محاولات لاستهداف رادارات هذه البطاريات عبر الذخائر الجوّالة.
الخيارات المتوافرة أمام أبو ظبي والرياض
إذن يمكن القول إن الذخائر الجوّالة باتت تمثّل التهديد الأساسيّ للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وخاصة في ظل فشل منظومات باتريوت في التعامل بشكل فعّال معها، بالنظر إلى زاوية الرصد الخاصة برادارات هذه المنظومة، وهي 60 درجة فقط، ولهذا فشلت رادارات هذه المنظومة مثلاً في التعامل مع الصواريخ التي تمّ استخدامها في الهجوم على منشآت شركة أرامكو في بقيق وهجرة خريص شرقي مدينة الرياض في أيلول/ سبتمبر 2019. لذا اتّضح من خلال التجارب الميدانية السابقة أن الخيارات المتوافرة لدى كلا البلدين للتعامل مع هذا التهديد، تتركّز في العمل بشكل مشترك لتشكيل منظومة دفاع جوي موحدة أو مشتركة، إلى جانب العمل للحصول على منظومات للدفاع الجوي، متخصّصة في التعامل مع الطائرات من دون طيار.
السمة العاجلة للتهديدات القائمة حالياً للأجواء الإماراتية والسعودية، تطرح بقوة إمكان إنشاء كلتا الدولتين منظومة قيادة وسيطرة ورصد واشتباك مشتركة، تشترك فيها دفاعاتهما الجوية إلى جانب المقاتلات وطائرات الاستطلاع.
هذه الفكرة بدأ بالفعل تطبيقها على المستوى الخليجي، حيث تمّ في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي افتتاح مقر القيادة العسكرية الموحدة لدول مجلس التعاون الخليجي، في العاصمة السعودية الرياض، وهو يشمل مركز قيادة لوحدات “درع الجزيرة”، إلى جانب مركز للقيادة البحرية المشتركة، وآخر للدفاع الجوي المشترك، وهذا الأخير يمكن في حال تفعيله أن يعمل على تنسيق التعاون بين قيادات الدفاع الجوي لدول المجلس، بحيث يجري تبادل المعلومات الرادارية بشأن التهديدات الجوية بشكل آني، وكذا تنسيق عمليات الاعتراض والاستهداف، بحيث يتمّ سدّ العجز في قدرات أيّ دولة تتعرّض لتهديدات تفوق قدراتها.
أما في ما يتعلق بمنظومات الدفاع الجوي الجديدة، فقد سبق للمملكة العربية السعودية التفاوض مع موسكو على شراء منظومات الدفاع الجوي “أس-400″، التي تعدّ خياراً مثالياً ورخيصاً في الوقت نفسه للتعامل مع التهديدات الجوية المختلفة، حيث يغطي رادار هذه المنظومة دائرة قطرها 600 كيلومتر، ويستطيع رصد 300 هدف جوي في آن واحد، مع الإغلاق على 36 هدفاً منها. زاوية إطلاق الصواريخ في هذه المنظومة تعدّ من أهم مميزاتها، حيث يتم إطلاق الصواريخ عمودياً بزاوية قائمة، ما يتيح اعتراض جميع المقذوفات الجوية على الزوايا كافة، على ارتفاعات تصل إلى 27 كيلومتراً. المفاوضات حول هذه المنظومة لم تصل إلى نتيجة واضحة حتى الآن، وخاصة في ظل رغبة الرياض في عدم استفزاز الولايات المتحدة الأميركية بهذه الخطوة، ولا سيّما بعد أن وافقت واشنطن مؤخراً على تزويد المملكة العربية السعودية بمنظومات حديثة لإدارة النيران لمنظومات “ثاد” التي تمتلكها المملكة، ضمن صفقة تصل قيمتها إلى 23 مليون دولار، ما سيتيح للمملكة تفعيل استخدامها قتالياً لهذه المنظومات.
الإمارات، من جانبها، وقّعت الشهر الماضي عقداً مع كوريا الجنوبية، لشراء منظومة “MDSM” للدفاع الجوي المتوسط المدى، بقيمة 3.5 مليارات دولار، وتعدّ هذه المنظومة أحد الخيارات المتاحة للتعامل مع الطائرات من دون طيار والصواريخ المعادية، حيث تستطيع اعتراض الأجسام الطائرة على ارتفاعات تصل إلى 20 كيلومتراً، ومدى يصل إلى 40 كيلومتراً، وتحلّق صواريخ هذه المنظومة بسرعات عالية تبلغ خمسة أضعاف سرعة الصوت، ما يتيح لها مواكبة المقذوفات الجوية فوق الصوتية. كذلك تبحث أبو ظبي في إمكان شراء منظومات أخرى مماثلة، مثل نظام الدفاع الجوي “فالكون” القصير والمتوسط المدى، الذي تنتجه بشكل مشترك شركة “لوكهيد مارتن” الأميركية و”ساب” السويدية و”ديهل ديفينس” الألمانية.
الولايات المتحدة من جانبها كانت أكثر إيجابية مع الإمارات في ما يتعلق بهذا الملف، حيث زارها مؤخراً الجنرال فرانك ماكنزي، قائد القيادة المركزية الأميركية، وأعلن أن بلاده ستقوم بمساعدة الإمارات على تعويض مخزوناتها من الصواريخ الاعتراضية، الخاصة بمنظومتي “ثاد” و”باتريوت”، وكذلك ستقدّم لها دعماً رادارياً عبر نشر مدمرة الصواريخ الموجّهة “يو إس إس كول”، وسرب من مقاتلات “إف-22″، على أن تعمل تلك الأخيرة على رصد التهديدات الجوية الآتية عبر راداراتها المتقدمة.
ختاماً نستطيع القول، إنه بمعزل عن صحة محاولات الإمارات التعاقد على شراء منظومات “القبة الحديدية”، يمكن أن نعتبر الضربات الصاروخية الأخيرة على أبو ظبي بمنزلة تحذير شديد اللهجة لدول الخليج بشكل عام، من عدم نجاعة استراتيجيتها الدفاعية في ما يتعلق بمواجهة التهديدات الجوية المستحدثة. ففي عام 1991، كانت صواريخ “سكود” هي التهديد الصاروخي الأوحد الذي من الممكن أن يتسبّب في أضرار نوعية لهذه الدول، لكن حالياً باتت هذه الصواريخ هي التهديد الأقل نوعية، وأصبحت الطائرات من دون طيّار والصواريخ الجوّالة الرخيصة الثمن مكلفة، سواء أصابت أهدافها أم تمَّ اعتراضها بصواريخ باهظة الثمن، وهو ما ينقل استراتيجيات الدفاع الجوي في المنطقة والعالم إلى مستوى جديد يفرض إيجاد حلول للتعامل مع هذا الواقع.