المواجهة الكبرى: لا رهان على الأنظمة
لا شك أن حجب مواقع الكترونية تابعة للمقاومة، يكشف عن الضعف الأميركي. فأميركا التي لا تحتمل حضور مواقع للمقاومة، قد أعلنت إفلاسها فكريًا وثقافيًا، وأعلنت الاستسلام في معركة الإعلام والفكر.
هذا الأميركي الذي يجامل حلفاءه بحجب مواقع (بعضها) دينية لا علاقة لها بالسياسة، قد أقر أن هذا هو أقصى ما يمكن تأديته تجاه هؤلاء التوابع، خاصة بعد سحب الأسلحة وبطاريات الصواريخ.
ومع هذا التراجع الأميركي أمام محور المقاومة، لا تزال الأنظمة مراهنة وتابعة وتتوقى الغضب الأميركي وتتمنى الرضا من أي رئيس أيا كان اسمه وسياسته، سواء كان ترامب أو بايدن أو ربما حتى أي سفير أميركي!
ومن هنا يمكننا القول إن الأمور والأوضاع في منطقتنا تبدو بانتظار حدث كبير كي تفقه بعض الأنظمة والقوى السياسية حقيقة التغيرات والمستجدات، والتي يظهر من ممارساتها أنها إما تعاند وتكابر وتصر على المضي في الشوط حتى نهايته، وإما لا تستوعب حقيقة الأمور وتتعامل بالقطعة مع الأحداث بأسلوب تكتيكي دون أدنى رؤية استراتيجية.
وقد يكون العناد والكبر الصهيوني مفهومًا، باعتبار الكيان في أزمة وجودية ويرى نفسه محاصرًا بداخل مقاوم لا يجدي الترهيب والقتل معه نفعًا في نسيان حقه التاريخي ومقدساته الثابتة، وخارج تعاظم به محور المقاومة وهو ما أبطل أسطورة التفوق التي اصطنعها العدو كرافعة للتمدد وضمانة للبقاء.
وهذا التعاظم لمحور المقاومة أبطل مفعول الخيانات الأسطورية التي لم يكن يتوقعها العدو نفسه، والمتمثلة في مشاركة أنظمة عربية للكيان في حصار المقاومة، ومده بالغطاء السياسي للتصفية، ودعمه اقتصاديًا والمشاركة في حرف الصراع وتشويهه لدى الجماهير العربية، وهو ما يتلاشى مع أي صاروخ للمقاومة، بل وأي حجر يقذف به طفل فلسطيني العدو!
أما غير المفهوم فهو العناد والكبر العربي والإصرار على عداء المقاومة رغم ما أثبتته من جدوى ومؤشرات للكفاءة والقدرة على تخليص الأمة من هذا السرطان الغاصب ومن إمكانية زوال الكيان بشواهد عملية.
والأكثر غرابة، هو الإصرار المريب على التحالف مع العدو وخدمة أجندته، والبقاء في الفلك الأميركي الذي تقود جميع المؤشرات لغروبه، واقتراب زوال نفوذه على الأقل في الشرق الأوسط.
ولا نجد تفسيرًا مقبولًا لهذه الحالة، سوى الارتباط العضوي بين هذه الأنظمة وأميركا من جهة، وتحالف استراتيجي يستوفي القاعدة الأكاديمية التي تفيد بأن هذه التحالفات تقوم على عدة أسس، أهمها:
1- وجود أعداء مشتركين.
2- تشابه في هيكلية الأوضاع الأمنية.
3- وجهات النظر العالمية.
وهنا نلقي الضوء على كلا الوجهين باختصار:
أولًا: الارتباط العضوي ينبع من شرعية الأنظمة ابتداء، حيث النشأة لأنظمة مثل أنظمة الخليج وعلى رأسها السعودية ككيان وظيفي تقوم بنيته الأمنية على الحماية الأميركية، واقتصاده على الدولار، وعروشه على تحقيق المصالح الجيو استراتيجية الأميركية في إطار الصراع الدولي.
وبشكل أو بآخر التحقت دول أخرى بهذا الارتباط بعد التخلي عن خيارات المواجهة والمقاومة، لتصبح بنيتها الأمنية والاقتصادية وعروشها أيضا مرتبطة عضويا بأميركا، وإن كانت تتمتع بهوامش أكبر للمناورة أو بقوى كامنة للتمرد.
ثانيا: التحالف الاستراتيجي بعوامله الثلاثة المشار إليها، وهو نابع في جانب كبير منه من الارتباط العضوي، حيث أصبحت المقاومة عدوا مشتركا، لأنها تواجه المشروع الاستعماري الحاضن لهذه الأنظمة، وتشكل خللا بالبنيات الاقتصادية التابعة والريعية وخللا اجتماعيا يتعلق بالطبقة الحاكمة ومكاسبها من التبعية وبالتالي سيطرتها على الحكم، ناهيك عن أعباء المواجهة وعدم امتلاك هذه الأنظمة الإرادة والشجاعة للمواجهة، وبالتالي فالعداء لمشروع المقاومة هو الخيار الأسهل والمفضل لهذه الأنظمة.
وعلى صعيد تشابه الهيكلية في الأوضاع الأمنية، فهذه الأنظمة تبنت المدرسة الأميركية الحقيقية وهي على عكس المعلن أنها ديمقراطية وساحة للحريات، فقد تبنت صيغا كارثية تضطهد المخالفين وتلاحقهم وتلصق بهم الجرائم تحت ستار القانون، ناهيك عن سيطرة النفوذ المالي على غرار “وول ستريت” والعسكري على غرار “مجمع الصناعة العسكري”، على القرار وهيكلة الأمن لخدمة ذوي النفوذ.
بينما وجهات النظر العالمية، فهي تابعة لوجهة النظر الأميركية، ولا تستطيع هذه الأنظمة بناء وجهة نظر مستقلة تتعارض مع أميركا، حتى لو تعارضت مع الأمن القومي لهذه الأنظمة!
والعلاقات الدولية وفقا للتعريف الأكاديمي، هي تفاعلات ثنائية الأوجه أو تفاعلات ذات نمطين النمط الأول هو نمط تعاوني والنمط الثاني هو نمط صراعي إلا أن النمط الصراعي هو النمط الذي يغلب على التفاعلات الدولية برغم محاولة الدول إخفاء أو التنكر لتلك الحقيقة، بل يمكن القول إن النمط التعاوني الذي قد تبدو فيه بعض الدول هو نمط موجه لخدمة صراع أو نمط صراعي آخر قد تديره الدولة أو تلك الدول مع دولة أو مجموعة دول أخرى.
هنا نحن اذًا بصدد مزيج من التبعية والتحالفات الاستراتيجية التي لن يجدي معها الحوار نفعًا، ويصعب الرهان على استيعابها أو توبتها أو تمردها على أميركا.
ويبدو أنها ربطت مصائرها بمصائر المشروع الصهيو – أميركي، وبانتظار المواجهة الكبرى، والتي ستكون بها هذه الدول في الجانب الأميركي و”الإسرائيلي”، إلا إذا تغيرت هذه الأنظمة تغيرات ثورية جذرية.
إيهاب شوقي – كاتب صحفي وباحث سياسي مصري