رغم التباينات الظاهرة في السياسة والمصالح بين روسيا والغرب، وعلى رأسه أمريكا، عندما نقرأ-بتأنٍّ وتعمق- الصورة كاملةً والعلاقاتِ الدقيقةَ بين أجزائها، يتبدى ما يشبه التواطؤ غير المعلن والاتفاق الضمني بين الروسي والأمريكي.. الروسي يسهل للأمريكي وتابعَيه “الإسرائيلي” والتركي احتلال أجزاء من سوريا، وسرقة نفطها وقمحها.. والأمريكي يتغاضى عن الروسي في قضم أجزاء من أوكرانيا وقبلها جورجيا.. فثمة ما يقول لنا: لا تصدقوا “العنتريات” الإعلامية والتصريحات اللفظية بين الدب والفيل؛ وما تسمى “عقوبات” أمريكية هي فكاهة سوداء! على طريقة اللاعبين الكبار في سياسة الخداع والهيمنة، وهي ذر للرماد في العيون.. لم نر الروسي يطلق رصاصة واحدة على الأمريكي غيرةً على “حليفه” في سوريا، ولن يفعل.. وكذلك الأمريكي في أوكرانيا.. النظام الروسي والنظام الأمريكي، ينامان، كلاهما، تحت سقف عالمي عالٍ غير مرئي، لكنه متحكم ومؤثر وضابط لحركة السياسات والتوجهات الفاعلة في المسرح الدولي، لصالح أطراف بعينها وعلى حساب الغالب الأعم من دول وشعوب وسكان هذا الكوكب.. ويتمثل في ما يمكن تسميتها “حكومة الظل” العالمية، التي يسيطر عليها المحفل الماسوني اليهودي الصهيوني الأكبر، الذي يتحكم بمعظم أنظمة الغرب وأمريكا، والدولِ الدائرة في هذا الفلك الاستئثاري الاستكباري الهيمني الأناني…! وما عائلة “روتشيلد” اليهودية و”روكفلر”، وغيرهما من حيتان القرش المتحكمة في رئة العالم الاقتصادية والنقدية، وثرواتِ وخيرات الشعوب المنهوبة والمقتولة بمختلف أشكال القتل.. عن سياق حديثنا ببعيد…؟! طبعا، بالعودة إلى رابط هذا السياق الموضوعي، يمكن سماع أصوات “عاتبة” تنعي على الروسي أنه تساهل أو تماشى كثيرا مع جموح النزعة العدوانية الأمريكية والغربية وأدواتها في قضايا كثيرة ووقف-بدافع المصلحة-مع الظُّلام والمعتدين في مظلوميات تحاكي في وضوحها الذي لا لبس فيه عينَ الشمس في رابعة النهار؛ والعدوان على الشعب اليمني مثال فاقع هنا.. وكانت عاقبة ذلك التمالؤ المتواطئ مع المعتدين أن وصلت نار غطرسة رؤوسهم وكبارهم ونزعتهم الهيمنية إلى الثوب الروسي نفسه، ووجد بوتين أن مخاطر التوسع الأمريكي الأطلسي تطرق أبواب بلاده عبر مدخل الجار الأوكراني.. والواقع أن تلك الأصوات تملك الحق في أن ترتفع، وبنبرة أشد، حين ترى ما يضعها أمام ما هو أكثر من التساهل، بل حتى التشارك في المواقف الروسية مع عدوانية السياسة الأمريكية وتوابعها وأدواتها عبر العالم.. بما يجعل الوصف المناسب هو “التطابق”، بل المنافسة في السعي للأسبقية بين تلك المواقف.. وهنا يسعفنا المثل أيضا، وهو الموقف الداعم لـ”إسرائيل”، الذي يوحد بين الروسي والأمريكي إلى أقصى الحدود.. ولا يجد الروسي بأسا-مع ذلك- في دعواه العتيدة بصداقة الفلسطينيين والعرب، وهي في مجملها وحصيلتها “لفظية” شبه محضة!، قياسا بما يحصل عليه الإسرائيلي منه، وهو دعم غير مشروط وسخي في كل المجالات.. في الخلاصة، ومع الإقرار بالاختلاف في مستوى العدوانية والأنانية والسجل الاستعماري ودرجة النهم الطامع في مقدرات الشعوب المستضعفة وحقوقها.. بين الروسي والأمريكي، إلا أن الصيغة الواقعية للعلاقة بينهما تعبر عن نفسها عمليا، وبكل جرأة ووضوح، في العلاقة بين شفرتي المقص، فهما، في الشكل، متضادتا الحركة والاتجاه.. إلا أن فعلهما واحد هو القطع والقص! والقادم من الأيام كفيل بكشف المزيد.. فنحن في زمن كشف الحقائق، كما عرَّفه واستشرفه -باكرا- الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي- رضوان الله عليه.