المقاومة تنهي مشروع وأد القضية: فلسطين البوصلة
الحقيقة/إيهاب شوقي
بعد سنوات من الضباب المحيط بالقضية المركزية والركون الرسمي إلى وعود التسويات المفرطة، وحالة الإنهاك التي عانى منها الشعب الفلسطيني بفعل الحصار والخذلان، مضافا إلى ذلك انشغال الشعوب العربية والإسلامية بمصائبها وأزماتها الخاصة واستهدافها بالإرهاب والحصار، وتمكن أنظمة الحكم المفرطة من منابع ثقافتها ووجدانها ومحاولة تمرير أبجديات جديدة للصراع مخالفة للوجدان الشعبي.. شكلت الهبة الفلسطينية في كامل فلسطين المحتلة قيامة جديدة للقضية التي أريد لها التصفية على مستويات متعددة بين ما هو جغرافي وعملي، وما هو سياسي ووجداني.
وقد شكلت الانتفاضة المتناغمة بين القدس والضفة وغزة، إفشالًا لمخطط متناغم حاول تقسيم القضية جغرافيًا وخلق جزر منعزلة، لعلمه بمكانة القدس في القضية، فقام المخطط بخلق سلطة بعيدًا عن القدس، ثم تنازع على السلطة، بحيث يكون الصراع داخليًا لإفشال الوحدة وتشتيت الجهود من جهة، وترك القدس وحيدة من جهة أخرى.
وهنا كانت عبقرية هذه الانتفاضة، والتي أعلنت القدس بها أنها عصية على التهويد والابتلاع، وأثبتت الضفة بها أنها عصية على الفصل والاستسلام لمنطق السلطة وقيودها والتزاماتها بتنسيق أمني مع العدو وانفصالها وجدانيًا عن كامل فلسطين المحتلة، وأثبتت بها غزة أنها عصية على الحصار ومحاولات الشراء للتخلي عن المقاومة.
شكل هذا التناغم الفلسطيني المضاف إلى صمود محور المقاومة إبرازًا لتناقضات المعسكر الاستعماري وذيوله من المطبعين والمفرطين الذين ارتضوا وساعدوا على مخطط موهوم يسمى “صفقة القرن”!
هنا يمكن الاطمئنان الى القضية وحضورها والى مستقبلها وأن فلسطين تسير في طريقها السليم نحو الحرية، وأن زوال الكيان الصهيوني الحتمي بات قريبًا.
لكننا هنا بصدد الإطمئنان إلى الشعوب العربية واستعادتها لروحها المقاومة وعودة الزخم الطبيعي للقضية شعبيًا بعد سنوات من الخفوت.
قبل نحو عقد من الزمان كان هناك تنافس بين القوى السياسية على دعم القضية، وكان الموقف من القضية يشكل معيارًا للحكم على القوى السياسية وقواعدها الشعبية. وكان كذلك صراعٌ على توصيف القضية، بين أن تكون “فلسطين عربية” أم “فلسطين إسلامية”. ورغم أننا لا نرى مبررًا للخلاف الذي أهدر كثيرًا من التوحد، حيث يرى معسكر عربية فلسطين أن أسلمة القضية يخرج المسيحيين العرب، بينما يرى معسكر إسلاميتها أن عروبة القضية تخرج الدول الإسلامية غير العربية من معسكر الأنصار، إلا أن التنافس على التوصيف كان يعكس التزاما بالقضية.
ونحن ممن يرون ان التوصيف يجب أن يكون “فلسطين حرة من النهر الى البحر”، وهي قضية كل الأحرار عربا وغير عرب، ومسلمين وغير مسلمين، فهي قضية تحرر وطني ومناهضة للاستعمار.
وحاليًا لا نرى هذا التنافس وهذا الزخم ولا فعاليات شعبية واحتجاجات إلا في دول محور المقاومة، وبعض الفعاليات النادرة في دول أخرى لا زال فيها بقية باقية من القوى السياسية التي تقاوم الأفول والاندثار.
ربما خلقت الأوضاع السياسية بعد ما سمّي بـ”الربيع العربي” صراعات داخلية ونتجت عنها أوضاع عملت على تصفية القوى السياسية والتي كانت محفزا للتضامن الشعبي وإعلانه الانتماء ونصرة القضية، ولكن الأوضاع الثقافية والغزو الإعلامي الخليجي والغربي القائم على التفاهة والإسفاف من جهة، وتزييف التاريخ والتكفير من جهة أخرى، كان له أكبر الأثر على الشعوب.
وهناك عامل آخر مسكوت عنه، وهو أن كثيرًا من القوى السياسية تم شراء ذممها وولائها سواء من الأنظمة المحلية، أو من الأنظمة الخليجية التي لها نفوذ في كل داخل عربي. فأصبحنا نرى قوى تدعي أنها قومية وهي تلعن المقاومة وتضعها في صف واحد مع العدو الاسرائيلي، وقوى تدعي الليبرالية، لا تبدي تعاطفًا حتى مع المستضعفين في فلسطين، وقوى يسارية لا تعتبر المقاومة تحررًا وطنيًا، فقط لأنها ترفع رايات إسلامية، وهو تفكير جامد لا يفرق بين يمين ويسار في الإسلام وفقًا حتى للمنطلقات الماركسية!
والراصد لنبض الشعوب، سواء في مواقع التواصل أو على مستوى الشارع العربي، يرى أن هناك بوادر مبشرة لاستعادة الزخم الشعبي للمقاومة.
وهذا الزخم يزداد مع كل صمود وكل مقاومة وتضحيات، وهو أمر طبيعي، فكلما اشتعلت المقاومة، كلما استنهضت ضمير الشعوب ومقاومتها الكامنة، بينما الركون إلى التسويات ووعودها يستدعي خمولًا وإهمالًا من الشعوب.
هذه الانتفاضة المباركة جاءت في موعدها المناسب وفي توقيت قاتل، لتكشف زيف دعاوي المطبعين الذين ادعوا أن التطبيع لصالح الفلسطينيين بينما كشفت الأحداث صمتهم وعجزهم وتخاذلهم.
وجاءت لتفرز القوى السياسية التي ادعت طويلًا التزامها بالقضية، لتبين الحر من المأجور والمرتزق. وجاءت لتؤكد صحة خيار المقاومة وسلامة طريق محورها وأنصارها. والأهم أنها جاءت لتؤكد ان العدو الصهيوني أوهن من بيت العنكبوت حيث انكشف جبنه وتهافت قبته الحديدية وتآكل ردعه وتداعت جبهته أمام الانتفاضة..