المعزوفة الأمريكية لحقوق الإنسان وتاريخها الأسود في السجون
تقرير ـ جميل الحاج
تستمر الولايات المتحدة الأمريكية في حربها ضد اليمن مع تصاعد العمليات العسكرية المساندة لغزة، تارة بالضغط على دول العدوان لعدم المصالحة مع صنعاء وفرض العقوبات التي لن تأثر على الموقف اليمني المساند، وهذه المرة كانت من خلال ما تسميه فرض عقوبات على لجنة شؤون الأسرى ورئيسها عبد القادر المرتضى.
وتحت مبررات مكشوفة وزائفة، ساقت واشنطن عدداً من المبررات الكيدية، مدعية أن اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى متورطة في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وأنها تسهم في تأجيج العنف بالبلاد، وهي تقارير تتطابق تماماً مع ادعاءات بعض المرتزقة المحسوبين على الإصلاح، ما يدل على أنها خرجت من مطبخ واحد.
ويأتي هذا التصعيد الأمريكي في ظل تصاعد العمليات اليمنية المساندة لغزة ضد العدو الإسرائيلي، والصمت العربي والإسلامي المطبق تجاه ما يحدث من جرائم إبادة جماعية بحق المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، وكذلك العجز العسكري الأمريكي في ثني اليمن عن هذه المساندة.
وتسوق أمريكا هذه الادعاءات، متناسية الانتهاكات في السجون الإسرائيلية بحق المعتقلين الفلسطينيين والإبادة الجماعية التي ترتكب في غزة، والانتهاكات الأمريكية في سجونها المحلية والخارجية وخير دليل على زيف الديموقراطية وحقوق الإنسان الأمريكي سجن جوانتانامو في خليج كوبا وسجن أبو غريب في العراق.
الاتهامات في سياق سياسي
ونظرًا للسجل الأمريكي الحافل بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في العديد من دول العالم، وعلى رأسها فلسطين والعراق وأفغانستان.. المتمثلة في التعذيب في السجون والمعتقلات الإسرائيلية.. وانتهاكات أمريكا في سجون العراق ومنها سجن أبو غريب وسجن غوانتنامو.
وفي تعليق أولي على هذه الخطوة أكد رئيس اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى عبد القادر المرتضى أن الاتهامات التي وجهتها الخزانة الأمريكية يوم الأثنين إليه وإلى اللجنة باطلة ولا أساس لها من الصحة.
وقال المرتضى في منشور له على منصة “إكس” يوم الثلاثاء، إن “كافة الأسرى والمعتقلين في اليمن يحظون بكامل الرعاية الإنسانية، ويتم زيارتهم بشكل دوري من قبل الصليب الأحمر الدولي”، مشيراً إلى أن “الاتهامات الأمريكية تأتي في سياق سياسي بحت، وترتبط بموقف اليمن الداعم للقضية الفلسطينية”.
وشدد المرتضى على أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست في موقع مؤهل لإصدار مثل هذه الاتهامات، نظرًا لسجلها الحافل بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في العديد من دول العالم، وعلى رأسها فلسطين والعراق وأفغانستان، مؤكداً على أن هذه الاتهامات لن تثني اللجنة عن مواصلة جهودها في متابعة ملف الأسرى والمعتقلين وإنجازه عبر الأمم المتحدة والوساطات المحلية.
إبعاد الملف الإنساني
وعلى مدى أكثر من عامين تطالب السلطات الرسمية بصنعاء تحالف العدوان الأمريكي السعودي بإبعاد الملف الإنساني عن الملفات السياسية والعسكرية، باعتبار الأسرى كقضية إنسانية، كما دعت أكثر من مرة إلى إطلاق سراح جميع الأسرى على قاعدة “الكل مقابل الكل” غير أن هذه المطالبات تصطدم دائماً بالتعنت من قبل التحالف أو المرتزقة أو من يمثلهم.
وتعمل الولايات المتحدة الأمريكية على عرقلة أي تفاهم للوصول إلى حل في اليمن، لا سيما في ظل المساندة اليمنية لغزة والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، وهو ما أثار حفيظة واشنطن، ودفعها لعرقلة التفاهم ومنع التوقيع على خارطة الطريق.
مبادرات متكررة من طرف وأحد
وباعتبار ملف الأسرى ملف أنساني، عرضت صنعاء أكثر من مرة مبادرة الأفراج الكل مقابل الكل بمعني الأفراج عن أسرى الجيش واللجان الشعبية لدى قوى العدوان مقابل أفراج صنعاء عن أسرى المرتزقة.. وحول الجولة الأخيرة من المفاوضات في مسقط أوضح رئيس اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى أنه من بعد الجولة الأخيرة في مسقط قدمت لنا الأمم المتحدة عدد من المقترحات العملية لتنفيذ اتفاق مسقط الذي يشمل محمد قحطان ووافقنا عليها لكن طرف حزب الإصلاح في مأرب رفض كل هذه المقترحات.
وقال المرتضى قمنا خلال الأسبوع الماضي بأرسال عدد من الوسطاء المحليين إلى مأرب في محاولة لإيجاد حل للملف من أي جهة، وتقدم هؤلاء الوسطاء بعدة مقترحات وافقنا عليها جميعاً، إلا أنها قوبلت بالرفض أيضاً من قبل نفس الطرف رغم أنها كلها تشمل محمد قحطان.
وأكد عبدالقادر المرتضي أن الطرف الآخر يستخدم هذا الملف للابتزاز فقط، وأن موضوع محمد قحطان مجرد شماعة لتبرير تنصلهم وعرقلتهم لأي نجاح في هذا الملف الإنساني.
وقد عملت اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى في صنعاء على تنفيذ المئات من عمليات التبادل مع الطرف الأخر، عبر الأمم المتحدة وعبر وساطات محلية، وكان من أبرز العوائق أمام عقد المزيد من عمليات التبادل التدخل الأمريكي والإماراتي والسعودي في اتخاذ القرار.
وبدوافع إنسانية ومبادرة لحسن النية أعلنت صنعاء قبل أشهر عن تنفيذ مبادرة إنسانية من طرف واحد تقضي بالإفراج عن 112 من أسرى الطرف الآخر بتوجيهات السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي.
أمريكا وشعارات حقوق الإنسان
إن قصة الديمقراطية الأمريكية واحترام حقوق الإنسان وما إلى ذلك من شعارات رنانة جعلت منها أمريكا هالة تحيط بها. هالة من الزيف وادعاءات الزور التي لا تمت إلى الواقع بصلة.
فمجددا تعود لتتكشف تفاصيل جديدة عن زيف الصورة التي رسمتها الأخيرة لنفسها حول أنها حامية الحريات وناشرة الديمقراطيات وأكبرها في العالم.
وأكدت تصريحات متعددة أمام مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، على واقع السجون الأمريكية فهذه بعض الحقائق التي تشير إلى زيف ادعاءات أمريكا. فأمريكا تحوي في سجونها ما يقارب ربع سجناء العالم، أي حوالي 2.5 مليون شخص.. كما يقضي حوالي 13 مليون أمريكي سنويا جانبا من حياتهم في نظام الاحتجاز الأمريكي الذي يشمل سجون الولايات، السجون المحلية، سجون الأمريكيين الأصليين، سجون الأحداث، السجون العسكرية، مراكز الاعتقال الأمريكية في الخارج ومراكز الاحتجاز التي تديرها سلطات الهجرة والجمارك. وهذه الأرقام تُعد مرعبة ويعزو البعض السبب في ارتفاع هذه الأرقام إلى المؤسسات والشركات الأمنية الخاصة التي تدير جزءاً كبيراً من السجون الأمريكية والتي من مصلحتها رفع أعداد المعتقلين.
في حين قال خبراء عينتهم الأمم المتحدة إنهم وجدوا الممارسات في السجون الأمريكية ترقى إلى “إهانة كرامة الإنسان”. ودعا الخبراء إلى إجراء إصلاحات ضخمة في منظومة العدالة الجنائية الأمريكية للتصدي لما وصفوه بـ” العنصرية الممنهجة”.
أمريكا في أبو غريب وغوانتانامو
لم يكن أبو غريب في بغداد هو السجن الوحيد الذي شهد تعرّض العراقيين لفظائع وانتهاكات على أيدي الجنود الأمريكيين، وإنما اكتسب أبو غريب شُهرته مما تسرّب من صور دعّمت شهادات معتقلين سابقين في ذلك السجن.
فبعد الغزو الأمريكي للعراق اعتقل الجيش الأمريكي الآلاف من الرجال والنساء والأطفال في العراق في العام 2003، وقدّر ضباط في المخابرات العسكرية أن نسبةً تتراوح بين 70 إلى 90 في المئة من هؤلاء المعتقلين كانوا قد أُخذوا بالخطأ، بحسب تقرير للجنة الدولية للصليب الأحمر.
وقد عكست تلك الصور المسربّة من سجن أبو غريب ما يحدث في مراكز الاعتقال الأمريكية، وكيف أن أساليب الاستجواب الوحشية التي اتُبعت في معتقل غوانتانامو قد انتقلت إلى كل من أفغانستان والعراق.
بعد انقضاء عامين على فضيحة سجن “أبو غريب”، تبين الدراسات مدى تفشي الانتهاكات بحق المحتجزين في العراق وأفغانستان وغوانتانامو، كما تبين أن الولايات المتحدة لم تقم إلا بخطوات محدودة للتحقيق مع العناصر المتورطين ومعاقبتهم.
ولتعرف على معتقل خليج غوانتانامو هو سجن عسكري خاضع لإدارة الجيش الأميركي داخل قاعدة خليج غوانتانامو البحرية على ساحل كوبا. وقد تم احتجاز 779 شخصاً هناك منذ يناير 2002 عندما افتتح السجن العسكري لأول مرة بعد هجمات الـ11 من سبتمبر 2001، وبعد سنة واحدة تم نقل 740 معتقلاً إلى سجون أخرى وترك 30 شخصاً هناك، توفي تسعة منهم أثناء الاحتجاز.
وذكر قول معتقل في جوانتانامو تحول إلى شاهد متعاون مع الحكومة إن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية استخدمت أساليب من الاعتداءات الجنسية وأشكال التعذيب الأخرى أكثر مما ورد في تقرير لمجلس الشيوخ الأمريكي مؤخرا.
وتحتل الولايات المتحدة الأمريكية المركز الأول عالميا من حيث عدد سكانها الذين يقضون فترات في السجون والمعتقلات.
التعذيب في السجون الإسرائيلية
واذا ما القينا نظرة على الانتهاكات التي يرتكبها الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الكيان من جرائم وتعذيب واعتداءات جنسية وقتل تحت التعذيب، نجد أمريكا في موقع المتفرج تارة وتارة في موقف المشارك، ولا تتحدث أو تلمح إلى انتهاكات حقوق الإنسان التي يقوم بها الكيان ضد المعتقلين الفلسطينيين، ناهيك عن مشاركتها في حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة.
أنشأت الكيان الصهيوني منذ بداية احتلالها فلسطين عام 1948 عشرات السجون ومراكز التحقيق والتوقيف، التي يشرف على كثير منها الجيش، وبلغ عدد الفلسطينيين الذين احتجزوا في السجون الإسرائيلية منذ العام 1967 أكثر من مليون شخص، بما في ذلك عشرات الآلاف من الأطفال، في ظل ظروف لاإنسانية، مع تعريضهم للقتل والتعذيب والتحقير.
ووفق تقارير المنظمات الدولية وجمعيات حقوق الإنسان ترتكب إدارات السجون الإسرائيلية انتهاكات صارخة، تشمل أعمال عنف شديدة وتعسفية متكررة، واعتداءات جنسية، ويخضع المحتجزون للإذلال والإهانة وتُحظر عليهم ممارسة عباداتهم.
وتعمل إدارات السجون الإسرائيلية على حرمان المعتقلين الفلسطينيين من النوم والطعام والشراب والعلاج، كما قد تعيق زيارة المنظمات الدولية والحقوقية لبعض السجون، وتمنع ذوي المعتقلين من زيارتهم أو التواصل معهم لفترات قد تستمر طويلا في بعض الأحيان.