المعادلة الجديدة التي فرضها اليمنيون، من خلال وقفتهم الجريئة مع فلسطين: كيف استطاع اليمن بناء المصيدة للأميركيين والصهاينة في البحر الأحمر
منذ بدء اتفاقيات التطبيع بين الكيان العبري والدول العربية كان ملفتًا ترتيب اختيار الدول لتوقيع هذه الاتفاقيات، ابتداءً من الإمارات والبحرين وصولًا إلى المغرب ثم السودان؛ حتى كاد المرء يجزم أن الصهاينة والأميركيين من خلفهم قد أحكموا إغلاق جميع المنافذ المفتوحة على البحرين الأحمر والمتوسط مع توجّه السعودية للتطبيع. إلا أن الحسابات التي حسبها الصهاينة ومشغلوهم الأميركيون لم تكن على قدر مظاهر القوة والجبروت الذي ادعوه، إذ إن اليمن، وحتى خلال الحرب عليه، أثبت قدرته على الوصول إلى سفن أعدائه وتعطيلها، وتعطيل جهود الصهاينة للوصول إلى السيطرة الكاملة على الممرات المائية من مضيق طارق بن زياد إلى قناة السويس إلى مضيق باب المندب وصولًا إلى مضيق هرمز، وحسابات الحقل لم تنطبق على حسابات البيدر، بسبب ما أظهره اليمنيون من شجاعة وإيمان فاق كل التوقعات “الغربية” وتوقعات العرب المستغربين.
لم يكن اليمن تاريخيًا إلا مقبرة للغزاة، مهما كانت طائفتهم ودينهم وجنسياتهم، ولذلك لم يكن مستغربًا وبعد صراع سنوات مع عدوان التحالف العربي أن يخرج اليمن منتصرًا، وأن تكون يده هي العليا. الكلام لا يتعلق بالعواطف وشحذ الهمم، الكلام مرتبط بالتاريخ والواقع، وما أفرزته السنون الماضية من مقاومة شرسة قادها اليمنيون كي لا تصبح بلادهم ممرًا لأعداء الأمة العربية، وإن كان منهم العرب المستغربين، أو أعداء الأحرار في منطقتنا، ولا حتى أعداء فلسطين بالتأكيد.
من هذا المنطلق؛ يمكن قراءة كيف استطاع اليمن بناء المصيدة للأميركيين والصهاينة في البحر الأحمر، ودعمًا لفلسطين خلال معركة “طوفان الأقصى”. وهذا ما تحدث عنه وبكل جرأة الأحرار السيد عبد الملك الحوثي، دور اليمن في المرحلة القادمة في دعم فلسطين ومحور مقاوم بأمه وأبيه، حين قال إن العيون مفتوحة في البحر الأحمر.
من منطلق ما تحدث فيه السيد الحوثي، في يوم الشهيد اليمني في 14-11-2023، كانت هناك ملامح محددة لما سيقوم به اليمن في المرحلة القادمة من أجل الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في مقاومته للاحتلال. تحدث بداية عن الدافع الأول الذي يجعل اليمن ملتزمًا بفلسطين، ليس فقط بصفته واجبًا إسلاميًا، وإنّما كونه مسؤولية إنسانية وأخلاقية وقومية. ووضع العرب أمام مسؤولياتهم، والذين يقع على عاتقهم قبل غيرهم، بل: “وأكثر من غيرهم”، دعم الفلسطينيين. وبالتأكيد لام الحكومات العربية لعدم التحرك على المستوى المطلوب، وأشار بالإصبع إلى أنها لا تمتلك الإرادة للتحرك بمستوى المسؤولية، والوقوف إلى جانب المظلوم. هذا الكلام كان المقدمة ليعلن الوقوف إلى جانب “أبناء شعبنا الفلسطيني”. على المستوى الشعبي والرسمي، فأعلن أن العيون مفتوحة لرصد أي سفينة “إسرائيلية”، فالعدو يعتمد في حركته في البحر الأحمر على التهريب والتمويه، وهذا دليل على خوفه.
لم يطل الوقت، لنشهد منذ أيام أسر سفينة صهيونية في البحر الأحمر، سفينة تجارية لمالك صهيوني ثري، وهكذا يلسع الكيان، من “الجنب الذي يوجع أكثر”، جنبه المالي والإقتصادي. التهديد اليمني لم ولن يبقى حصريًا على السفن التجارية الصهيونية، بل سبقه قبل ذلك ومنذ 19 تشرين الأول/ أكتوبر، هجوم صاروخي يمني على سفينة حربية تابعة للبحرية الأميركية، والتي كانت تبحر بالقرب من اليمن. وقد أكد ذلك مسؤول أميركي لرويتزر. احتجاز اليمنيين للسفن وإطلاق الصواريخ على السفينة الأميركية وغيرها في الحقيقة، ليس إلا رسالة ابتدائية تقول مبدئيًا للصهاينة والأميركيين بأن دعم اليمن لفلسطين ومقاومتها ليس مجرد خطابات بل هو خبر مقرون بالفعل.
لقد أثبت اليمن ومجاهدوه ذلك باستهداف خليج إيلات في فلسطين بصواريخ بالستية يمنية قبل ذلك، الأمر الذي أدى إلى نزوح مستوطني الصهاينة إلى فنادق “تل ابيب” ومراكز الإيواء التي أنشأها الصهاينة لمستوطنيهم. ولم تعد إيلات شاطئًا سياحيًا يستجمّ الصهاينة فيه، أو مركزًا سياحيًا يطل على البحر الأحمر، والأكثر من ذلك لم يعد مكانًا آمنًا تمرّ منه قناة بن غوريون المأمولة باتجاه ميناء عسقلان على شاطئ المتوسط، وحيث سينتهي ممر الوهم، “ممر بايدن”.
المعادلة الجديدة التي فرضها اليمنيون، من خلال وقفتهم الجريئة مع فلسطين، ستكبّد الكيان خسائر بملايين الدولارات، والتي لن تظهر نتائجها في وقت قصير، من خلال المبالغ المتراكمة التي ستطالَب بها السفن التي تحمل البضائع إلى الكيان بسبب الدوران عبر المحيط الأطلسي باتجاه مضيق جبل طارق، وخصوصًا تلك البضائع القادمة من اليابان أو أي من دول شرق آسيا التي تتعامل مع الكيان. كما أن مضيق هرمز اليوم، ما يزال تحت سيادة إيران ما سيؤدي إلى ارتخاء القبضة الصهيو- أميركية على ممرات البحر الأحمر المهمة، وخاصة تلك التي تتحكّم بتجارة البترول والغاز، ما سينعكس ارتياحًا بالنسبة إلى الصين لجهة تهديد السيطرة الأميركية على تجارة النفط القادم إليها من دول الخليج.
سيخدم موقف اليمن مصر وقناة السويس المهددة بخطر التوقف عن العمل بحال حُفرت قناة بن غوريون، وبالتالي استطاع الصهاينة إمساك خط التجارة عبر البحر الأحمر على حساب الدول العربية الواقعة على شاطئيه. لقد أوقف اليمن بإرادة أحراره الصلبة مشاريع ومخططات ستنجلي حقائقها حتمًا خلال السنين القادمة.
لنكن على ثقة، بأنّ الصهاينة والأميركيين كانوا مستعدين للذهاب في مخطط “الدولة اليهودية”، حتى ولو كلف ذلك ارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين جميعهم. وإن عنى ذلك وضع الشباب والأطفال والشابات جميعًا في بركسات للاعتقال. وهذا ليس بجديد عليهم. فالمشاريع الأهم بالنسبة إلى هؤلاء هي المشاريع الإقتصادية الكبرى التي ستأتي بأرباح أكبر لصالح الشركات العالمية الرأسمالية العابرة للقارات. ونحن نعيش زمن حكم هذه الشركات بمختلف جنسياتها.
وهذه الشركات، كما الشركات البريطانية التي ذهبت باتجاه العالم الجديد وأفنت سكانه الأصليين وسرقت أراضيهم الخصبة والمليئة بالمعادن والثروات الباطنية وحكمت العالم الجديد حين بات يعرف باسم الأميركيتين، هي الشركات نفسها التي تدير المستعمرة الصهيونية في فلسطين، ولكن عبر شذاذ آفاق يشبهون أولئك الأوروبيين المحكومين بالمؤبد والإعدام، والذين استجلبوا من السجون الأوروبية للعمل عبيدًا في بناء المستعمرات الجديدة، فصهاينة فلسطين جاؤوا من سجون الغيتوهات الأوروبية، والتي ما تزال حيّة في ذاكرتهم.
اليمن، اليوم، يعيد إحكام السيطرة على أهم ممر يصل جنوب الأرض بشمالها، ويقع على أهم خطوط التجارة العالمية، ويضع مصالح الشركات الاحتكارية بيد مجموعة من الرجال الرجال الذين لم تغرهم عبر السنين العروض الأميركية وعروض الرفاهية والسلطة الفارغة من القرار السيادي، والتي وقعت أسيرة لها العديد من الأنظمة.
لهذا؛ فإنّ التهديدات لليمن بعودة الحرب، والتي تحدث عنها السيد الحوئي إن لم يكفوا عن قصف الصهاينة هي جدية.. ولكن الأكثر جدية اليوم أن الدول التي ستعاود الحرب بالوكالة على اليمن، هي دول ذهبت باتجاه آخر لا يمكنها العودة عنه، وذلك ضمن الخطط والاتفاقيات التي ذهبت باتجاهها نحو الصين وإيران ومنظمة شنغهاي، وإذا ما أرادت الولايات المتحدة اليوم محاربة اليمنيين جديًا؛ فعليها الحضور بشكل شخصي، وفي هذا كلام كثير.
موقع العهد / عبير بسّام