المشروع الوطني للمقاومة…”انصار الله” نموذجاً
الحقيقة/إيهاب شوقي – كاتب عربي مصري
ابتلي العقل العربي بأمراض فكرية ناتجة عن التبعية، وساعد في تفشيها ما أنتجه الغرب من دعايات ترسخ هذه التبعية وتقطع الطريق على الفكر التحرري ومفاهيم الاستقلال الوطني.
ومن مظاهر هذه الأمراض وأعراضها، ما نجده من إحالة أي مشروع إلى قوة عظمى دولية، أو قوة اقليمية، دون الرجوع لمخزون الاستقلال الوطني العربي والمشاريع التحررية لاستنتاج أن بعض هذه المشاريع هي مستقلة بالفعل وان تلاقيها وتحالفها مع قوى اقليمية أو انتمائها لمحاور، هو انتماء قيمي تتبعه تنسيقات سياسية او عسكرية لخدمة الهدف والقيمة، وليست السياسة هي الغاية بل هي الوسيلة.
نموذج لذلك، يمكن ذكر المقاومة اليمنية وتحديدا تجربة “انصار الله”، فهي تجربة تحرر وطني ترفض الهيمنة، وتعتمد المقاومة مشروعا وطنيا تنمويا، وتلاقت في غاياتها مع محور المقاومة، حيث وحدة الهدف، وتلاقت أيضا في هذه الغايات مع قوة اقليمية مثل ايران، ولكن هناك فاصل كبير بين التبعية وبين التلاقي والانتماء القيمي.
فالقرار السياسي هو يمني، وكذلك السواعد المقاومة والقائمة بالبناء هي يمنية، ولا شك وان هناك صداقة قائمة على العداء المشترك للاستكبار والمشروع الصهيو امريكي، ولا شك ان هناك تلاقيا قائما على التحرر الوطني والحفاظ على مركزية القضية الفلسطينية، ولا شك ايضا أن هناك تحالفا قائما على رفض الرجعية والتناقض مع الذيول للمشروع الاستعماري.
وكل ذلك لا يعني ان هناك تبعية، لأنه وببساطة شديدة، فإن المشروع الاستقلالي هو غير تابع من مسماه وقبل ذلك من مضمونه.
ولكن عقليات عربية لا تعرف مثل هذه المعاني، فتحيل التلاقي الى تبعية، والصداقة الى ارتهان، والتنسيق الى تآمر واختراق!
ولعل السر في هذا المرض هو سنوات طويلة من غياب المد التحرري، ووجود انظمة تابعة، رهنت بلادها لخدمة مصالح خارجية للحفاظ على العروش، مما سيد هذه الثقافة، ولعل أيضا الدعايات الاستعمارية والتي قامت على تفريق المجتمعات وتقسيمها وتفتيت وحداتها، كرست ثقافة طائفية وعرقية، مهدت الطريق لوصف كل مقاومة بأوصاف تشتت الاذهان عن جوهرها الحقيقي القائم على الاستقلال والتحرر، لتحولها الى أوصاف اخرى، اما طائفية، او عميلة أو ارهابية، وفقا لظروف كل مقاومة ووفقا لمقتضى الحال.
ويبدو أن هناك عاملا هاما ساعد على تفشي هذه الامراض يتعلق بغياب المشروع الوطني، وهذا الغياب اضفى وجاهة على الخلل الفكري المتعلق بإحالة المشروعات السياسية والفكرية لحالة من حالات التبعية.
عندما كان هناك مشروعا عربيا مقاوما، حاول الغرب وصفه بالتبعية للسوفيت، ولكن هيهات ان ينطلي هذا الوصف على الجماهير العربية التي قدمت التضحيات بنفسها وشاركت في المكتسبات، بينما علمت الجماهير مذاق التبعية جيدا، عندما انحسر المد التحرري وتحولت الانظمة الى التبعية لأمريكا، وهنا غابت المشروعات الوطنية الجامعة لتتحول الى مجرد بؤر للمقاومة يشكلها من قام بالقبض على جمر الاستقلال الوطني، وللأسف تحولت هذه البؤر الى اقليات داخل الدول، والمفارقة المحزنة هنا، انها اصبحت هي المتهمة بالتبعية!
اليوم ومع انتصارات محور المقاومة، وانتماء المقاومة اليمنية لهذا المحور، ووجود هذا الصمود والتحول من الدفاع الى الهجوم، وثبوت صحة خيار المقاومة، فإن المطلوب هو مراجعة عربية فكرية، تعيد للمقاومة حقها، وتعيد تقييم مشروعات المقاومة وفي قلبها مشروع “انصار الله” بنظرة مغايرة للنظرة المخلة والمعيبة التي فرضها الاستعمار وكرستها سنوات التبعية.
ويبدو ان للمقاومة مهام اخرى غير مواجهة العدوان ودحره ومهمة البناء والتنمية، الا وهي مهمة التوعية الجماهيرية وعلاج الامراض الفكرية والوجدانية التي تفشت في سنوات التبعية وغياب المشروع الوطني.
على المقاومة توضيح مشروعها الوطني والتعبير عن نفسها وشرح تحالفاتها وانتماءاتها، فلعل هناك بعض العذر للجماهير التي تم تغييبها وافساد فكرها وذوقها.