المشروع القرآني للسيد حسين بدر الدين الحوثي رؤية شاملة لاستنهاض الأمة ومواجهة الاستكبار العالمي
المقدمة
ظهر المشروع القرآني للسيد حسين بدر الدين الحوثي كإجابة محورية لإعادة صياغة الهوية الإسلامية واستنهاض الأمة في مواجهة الهيمنة الاستعمارية، التي تقودها أمريكا ومن خلفها الصهيونية العالمية، هذا المشروع لم يكن مجرد طرح فكري أو دعوة نظرية، بل كان رؤية متكاملة استند إلى تعاليم القرآن الكريم ومن خلالها قدم الرؤى والحلول لاستنهاض الأمة للدفاع عن كرامتها وسيادتها، عبر التحرر من التبعية الثقافية والسياسية التي فُرضت عليها لعقود طويلة.
لقد تبنى الشهيد القائد رؤية قرآنية لم يكن هدفها فقط مواجهة الأعداء التقليديين للأمة، بل كان المشروع بمثابة دعوة لإعادة بناء الإنسان المسلم على أسس إيمانية صحيحة، قادرة على صون عزته وكرامته. فبإعلان “الصرخة” في وجه المستكبرين، وبإحياء الوعي القرآني بين صفوف الأمة، نجح السيد حسين في تحريك جموع المؤمنين نحو مواجهة أخطر تحديات العصر: الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية..
من خلال هذه السطور، نسلط الضوء على هذا المشروع الذي لا يزال يحمل في طياته الأمل والقدرة على تحفيز الأمة للوقوف في وجه الطغاة، مؤكدين أن معركة الاستقلال والتحرر لم تكن مجرد خيار، بل ضرورة وجودية لبقاء الأمة الإسلامية في صراعها مع قوى الاستكبار العالمي.
الجذور الفكرية للمشروع القرآني
انطلق السيد حسين بدر الدين الحوثي من فهم معمَّق للقرآن الكريم بوصفه منهج حياة، وليس مجرد نصٍّ للقراءة أو التبرك. أدرك أن الهيمنة الغربية ليست مجرد احتلال عسكري أو نفوذ اقتصادي، بل هي مشروع متكامل يستهدف الهوية الإسلامية من الداخل، عبر آليات التضليل الإعلامي، وتغييب الوعي، وفرض التبعية الثقافية. ومن هنا، تبنَّى الشهيد القائد رؤية قرآنية تعيد للأمة زخمها، معتمدًا على محورين أساسيين:
- التحرر من التبعية: عبر رفع شعار الصرخة في وجه المستكبرين، باعتباره إعلانًا صريحًا لمواجهة الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية. كما قال الشهيد القائد: “الشعار كان خطوة عملية لكسر حاجز الصمت، ومنع تكميم الأفواه، والانتقال بالناس من حالة الاستسلام إلى موقف فاعل“.
- إحياء الوعي القرآني: من خلال تقديم تفسيرات عملية للنصوص القرآنية، تجعلها أكثر ارتباطًا بالواقع، ما يساعد الأمة على التصدي لمشاريع الاستعمار الفكري والسياسي. وقد أكد السيد حسين الحوثي أن “القرآن الكريم يمثل أعظم مصدر تربوي لإصلاح الإنسان، فهو شفاء لما في الصدور“.
المشروع القرآني في مواجهة الاستكبار العالمي
انطلق السيد حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه” بالمشروع القرآني لمواجهة الهجمة الأمريكية الإسرائيلية اليهودية، وهو تحركٌ ينبع من رؤية قرآنية إيمانية تعكس الموقف الصحيح والرؤية الحكيمة، وكان الهدف الأساسي منه هو مصلحة الأمة وإنقاذها. تحركه كان موجهًا بشكل واضح ضد أعداء الأمة، ومع ذلك، حرص في خطواته العملية على أن:
- لا يوفر أي مبرر للأعداء، سواء كان الأمريكيين أو عملائهم.
- يجعل خطواته العملية تكشف زيف شعاراتهم التي كانوا يرفعونها مثل: “الحرية” و”الديمقراطية”، حيث كان يشمل في ذلك حرية التعبير والكلمة وحقوق الإنسان، وغيرها من العناوين التي يتشدق بها الأعداء.
كما كانت تلك الخطوات العملية هادفة بشكل رئيسي:
- لحماية المجتمع من الاختراق، لأن الأعداء كانوا يسعون لاكتساب ولاء المجتمع، ليكون مستعدًا للقبول بهم، ولسيطرتهم، ولبرامجهم التي تستهدف الأمة بشتى الطرق.
- أن تكون هذه الخطوات مبسطة، سهلة التنفيذ، ومفتوحة للجميع.
وقد تجسد ذلك في الشعار الذي رفعه، حيث فضح الأمريكيين وعملاءهم، وكشف زيف شعارات “حرية التعبير” التي لم يتحملوا أن تُرفع في وجههم. مع أن “الحرية” كانت من العناوين التي يروجها الأمريكيون لخداع الشعوب الإسلامية والعربية، فقد سقطت تلك الشعارات أمام خمس كلمات فقط، كان لها تأثير قوي في فضح الأكاذيب التي كانوا يروجونها.
فضحت كذلك خطوة المقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية، وكذلك العمل التوعوي لنشر الثقافة القرآنية، وكانت هذه الخطوات كلها مكفولة قانونيًا ودستوريًا، مما لا يبرر مواجهتها بأشكال الاعتداءات المختلفة.
كانت هذه الخطوات بمثابة فضح للأمريكيين ومن وراءهم، بما في ذلك اللوبي اليهودي الصهيوني الذي يديرهم، فضحت أيضًا عملاءهم، وفي نفس الوقت، كانت حماية للمجتمع من تأثيرهم، إذ جعلت المجتمع في حالة من المعاداة لهم، ورفعته في حالة من اليقظة والانتباه تجاه مؤامراتهم.
لقد كانت هذه الخطوات وسيلة لتحصين الأمة، وإبعادها عن الولاء للأعداء، وضمان عدم خضوعها لهم. الأعداء كانوا يطمحون إلى أن تكون الأمة الإسلامية خاضعة لهم تمامًا، حتى لو كان ذلك على حساب دينها وقيمها ومبادئها، فكان هذا المشروع القرآني بمثابة رد فعل قوي على محاولاتهم لتقويض هذه القيم.
لقد ترك الشعار وهذه الخطوات أثرًا ملموسًا على الجميع الذين انطلقوا في هذا المسار، حيث أصبحوا متميزين في وعيهم وانتباههم، وجادين في مواجهة الهيمنة الأمريكية. كانوا في حالة من الجرأة والمواجهة، بعيدين عن الجمود والاستسلام، فكانت تلك الخطوات بمثابة تحرر لهم من حالة الخوف واليأس والعجز، وكذلك من الأطماع والأهواء التي قد تدفع البعض نحو الولاء للأعداء.
لم يكن المشروع القرآني الذي أطلقه الشهيد القائد مجرد دعوة نظرية، بل كان مشروعًا عمليًا أثار قلق القوى الغربية وحلفائها في المنطقة. فقد تبنَّى آليات واضحة للتصدي لهيمنة الاستكبار العالمي، أبرزها:
- كسر حاجز الصمت: من خلال الشعار الذي أطلقه (الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام)، والذي لم يكن مجرد هتاف، بل أداة تحريضية تهدف إلى خلق حالة وعي ثوري. يقول الشهيد القائد: “ عندما نردد هذا الشعار، وعندما يقول البعض ما قيمة مثل هذا الشعار؟. نقول له :هذا الشعار لا بد منه في تحقيق النصر في هذه المعركة على الأقل، لا بد منه في تحقيق النصر في هذه المعركة معركة أن يسبقنا الأمريكيون إلى أفكارنا وإلى أفكار أبناء هذا الشعب، وإلى أفكار أبناء المسلمين وبين أن نسبقهم نحن. ““.
- المقاطعة الاقتصادية: عبر الدعوة إلى مقاطعة المنتجات الأمريكية والإسرائيلية، باعتبار ذلك سلاحًا مؤثرًا في الحرب الاقتصادية الدائرة بين الأمة وأعدائها. وقد ذكر السيد عبد الملك الحوثي أن المقاطعة كانت “خطوة عملية لمواجهة النفوذ الاقتصادي للأعداء ومنع تمويلهم للحروب ضد الأمة“.
- كشف المؤامرات: حيث ركَّز على تحليل السياسات الغربية تجاه المنطقة، وفضح المشاريع الاستعمارية التي تستهدف تفكيك الأمة وإضعافها. وأوضح الشهيد القائد أن “الأمريكيين والبريطانيين يتحركون وفق خطط استراتيجية بعيدة المدى للسيطرة على الشعوب الإسلامية“.
الاستهداف الأمريكي للمشروع القرآني عبر السلطة العميلة
في ظل إشراف أمريكي مباشر، كانت الخطوات التي استهدفت المشروع القرآني واضحة وقاسية، حيث كانت البداية مع الاعتقالات، التي شملت محافظة صعدة، بدءاً من جامع الإمام الهادي “عليه السلام” وأماكن أخرى، بما في ذلك الجامع الكبير، واستمرت تلك الاعتقالات حتى بداية الحرب الأولى. كانت الاعتقالات أداة رئيسية لمواجهة هذا المشروع، حيث استُهدف المنتمون إليه والمتفاعلون معه، في إطار موقف قرآني متحرك.
إلى جانب الاعتقالات التعسفية، تعرض الأفراد إلى الفصل من وظائفهم، فضلاً عن حرب إعلامية دعائية شرسة، حيث تم إغلاق بعض المدارس التي فشلوا في إسكات صوتها، وتم تشويه الحقائق عبر الدعايات الكاذبة والافتراءات البشعة. ورغم أن السجون امتلأت بمن أطلق عليهم “المكبرين”، الذين كانوا يهتفون بالشعار ويناضلون في إطار هذا المشروع، فإنهم فشلوا في منع انتشار هذا الصوت، حتى وصل إلى مناطق ومحافظات أخرى.
وفي ظل هذا الفشل، قرروا التصعيد عبر العدوان العسكري، حيث استهدفت القوات العسكرية الشهيد القائد في منزله في منطقة مران بمحافظة صعدة. شنوا حملة عسكرية ضخمة، مستهدفين مران والمناطق المجاورة، إضافة إلى مناطق أخرى مثل نشور في همدان، وخلوان عامر، وغيرها من الأماكن التي شهدت تحركاً واسعاً ضمن هذا المشروع القرآني. ورغم أن الشهيد القائد “رضوان الله عليه” لم يكن يمتلك جيشاً منظماً أو إمكانيات عسكرية متوفرة، كانت الهجمات العسكرية تركز على استهداف المدنيين، المنازل، والمساجد، والمدارس، وليس جيشاً أو ميليشيات كما حاول العدو تصويره.
كانت الهجمات تندلع باستخدام مختلف أنواع الأسلحة، من الطيران الحربي والمروحي، إلى الأسلحة البرية مثل الدبابات والصواريخ، وتم تدمير كامل للمناطق المستهدفة، حيث كانت القوات تفرض حصاراً تاماً، مانعةً وصول الطعام والدواء إلى السكان في مران. ورغم استشهاد القائد وعدد من الشهداء، ظن العدو أنهم قد قضوا على المشروع القرآني، ولكن هذا المشروع استمر في التوسع والنمو.
بعد الحرب الأولى، تلتها حروب أخرى، أبرزها الحرب الثانية التي استهدفت فقيه القرآن، السيد بدر الدين بن أمير الدين الحوثي “رضوان الله عليه”، نظراً لدوره الكبير وتأثيره في نشر هذا المشروع القرآني. ورغم محاولات العدو اغتياله، بما في ذلك استهدافه في منطقة نشور، إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل.
واستمر العدوان الأمريكي السعودي لستة حروب متواصلة، تحت إشراف أمريكي ودعم إقليمي معلن، مع تعتيم إعلامي وتزييف للحقائق. وكانت هذه الحروب تحمل طابعاً إجرامياً، ما شهدته البلاد خلال التسع سنوات من العدوان، من جرائم قتل للأطفال والنساء، وتدمير للمنازل والمساجد، وحصار قاتل. ما تزال مشاهد الفيديو شاهدة على تلك الجرائم التي ارتُكبت في حق شعبنا خلال تلك الحروب، والتي أودت بحياة العديد من الأبرياء، تاركةً خلفها معاناة كبيرة تضاف إلى سجل الجرائم الأمريكية في المنطقة.
المشروع القرآني: عظمته وأصالته ومنطلقاته ونجاحاته الواضحة
على الرغم من التحديات الهائلة والحروب المستمرة التي استهدفت المشروع القرآني، بما في ذلك القتل، والتدمير، والتعذيب، والاضطهاد، والسجن، والتشويه الإعلامي، والدعايات الكاذبة، تبقى المفارقات العجيبة التي تدل على عظمة المشروع القرآني. فكلما حورب، ازداد قوة وتمكينًا، وظهر ذلك جليًا في النقلات الواضحة بين الحروب، خاصةً بين الحرب الثالثة والسادسة وما تلاها من انتصارات عظيمة. كما اتضحت الحقائق التي حاول أعداء المشروع إخفاءها من خلال الدعاية الكاذبة والتشويه الإعلامي، فكل حرب كانت تحمل في طياتها نجاحات جديدة وتحقيقًا مستمرًا للتمكين الإلهي، مما يجسد مصداق الآية الكريمة: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِالنَّصْرِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال: 26].
من يزور المناطق التي شهدت أحداثًا كبيرة مثل مران وضحيان وبني معاذ وهمدان وسفيان، سيدرك حجم التحديات التي واجهها أبناء المشروع القرآني. ورغم الظروف الصعبة والفقر، وتحت ضغط الحصار، استمر المشروع في التقدم. وكان تحركه نابعًا من أصالة الانتماء اليمني للإيمان، لا تحركًا لخدمة أجندات خارجية أو مصالح سياسية، بل تحركًا مشروعًا يستند إلى القرآن الكريم وتعاليم الله سبحانه وتعالى.
كان المشروع القرآني يهدف إلى الدفاع عن الأمة ضد الهجمة الكبيرة التي تستهدفها من قبل أعداء الإسلام. وكان واضحًا في تحديد من هم الأعداء: أمريكا وإسرائيل، اليهود والنصارى، واللوبي اليهودي، مع التأكيد على أن هذا المشروع لم يكن موجهًا ضد أبناء الأمة، بل ضد المعتدين الحقيقيين.
علاوة على ذلك، كان المشروع القرآني يرتكز على القيم الإسلامية النبيلة ويعمل على تبني قضايا الأمة الكبرى، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. ورغم التشويه الإعلامي والحملات الدعائية التي شنت ضده، أثبت المشروع القرآني نجاحه بفضل الله وبتأييد من الشعب، وبقي مشروعًا أصيلًا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بهوية الشعب اليمني وأصالته، ويعكس موقفه الراسخ في مواجهة أعدائه.
كما أن هذا المشروع ليس دخيلًا على الشعب اليمني، بل هو امتداد لهويته الإيمانية والثقافية. وأبناء الشعب اليمني قد تبنوا هذا المشروع بشكل فعال، مستشعرين مسؤوليتهم تجاه قضايا الأمة الكبرى، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، مؤكدين بذلك أن هذا المشروع هو تحرك حقيقي، نابع من الواقع، ويعمل على بناء الأمة في جميع المجالات، من الوعي الثقافي والسياسي إلى الجانب العسكري، ليكون الشعب في مستوى التحديات التي يواجهها أعداؤه.
واقع الأمة: بين خيار المشروع القرآني والخيارات الأخرى
حين نتأمل مسار الأمة منذ البداية وحتى اليوم، نلاحظ أن الشهيد القائد “رضوان الله عليه” بدأ مشروعه العظيم الذي لم يستمر أكثر من ثلاث سنوات بسبب استعجال الأعداء في تحركهم لمواجهته. فقد عملوا جاهدين على إنهاء هذا المشروع من خلال استهدافه ومحاولة قتله، رغم أن المشروع كان في مراحله الأولى. ثم تلا ذلك الحروب الشرسة والتصعيد الأمريكي الذي كان يحرّكهم، في محاولة جادة لإنهاء هذا الصوت الذي بدأ يصدح بالحق. ولكن، على الرغم من محاولاتهم، نجح المشروع القرآني واستمر حتى اليوم.
أما عندما نتأمل في الخيارات الأخرى التي كانت موجودة في مواجهتنا، نرى أن المشروع القرآني له أهمية كبيرة ونجاح عظيم. الأعداء، مثل الأمريكيين، الإسرائيليين، والبريطانيين، وهم الأذرع القوية للشر والظلم والطغيان، يتحركون عبر مشاريع استراتيجية شاملة. هؤلاء يلتزمون بأجندة طويلة الأمد تهدف إلى تدمير الأمة الإسلامية واستبعادها عن دينها، بينما يواصلون استهداف المجتمعات الإسلامية بشكل مستمر.
اللوبي اليهودي، الذي يحمل راية الشيطان ويعمل وفق أجندة شيطانية، لا يرى أمامه عائقًا حقيقيًا إلا الإسلام. إنه يخشى عودة الأمة إلى دينها، إلى القرآن الكريم، وإلى هدي الله. إذا عادت الأمة إلى دينها الصحيح، ستكتسب قوة إيمانية وفعالية في مواجهة الظلم والطغيان. ومن هنا، يسعى هذا اللوبي إلى تدمير الأمة في مختلف جوانبها الفكرية والثقافية والسياسية، حتى تتمكن من التحكم الكامل فيها.
إن تحرك الأعداء ليس مجرد ردود أفعال عابرة على أحداث آنية، بل هو خطة استراتيجية مدروسة تهدف إلى جعل العالم الإسلامي في حالة من الضعف والشتات، يفتقد القدرة على الفعل والتأثير. هذا الواقع المحزن، الذي يرى فيه الأمة بمختلف قوتها وضعفها يتفرج عليها وهي تعجز عن التصدي للعدو، هو ما يسعى له الأعداء. وهم ينجحون في زرع الخوف في قلوب الزعماء وفي جيوش الأمة، مما يؤدي إلى تعطيل أي تحرك عملي حقيقي.
وليس غريبًا أن نرى مشروعًا قرآنيًا مثل المشروع الذي بدأه الشهيد القائد “رضوان الله عليه” يتجه نحو تغيير هذا الواقع. المشروع القرآني يمثل استراتيجية مستمرة وعملية لتقوية الأمة وتحصينها ضد المؤامرات. فقد قدم الشهيد القائد العديد من المحاضرات والكلمات التي فحصت وخططت لكشف المؤامرات المعادية، وكذلك قدم الحلول التي من شأنها أن ترفع الأمة وتعيدها إلى مكانتها.
إذن، القضية ليست مجرد مواجهة لحظية مع الأعداء، بل هي مشروع مستمر لبناء أمة قوية وواعية تستطيع مواجهة التحديات والمخططات الموجهة ضدها.
موقف الشعبي اليمني تجاه غزة من تجليات نجاح وفاعلية المشروع القرآني
موقف الشعب اليمني تجاه غزة يُعد تجسيدًا لنجاح وفاعلية المشروع القرآني. ففي الوقت الذي يشهد فيه العالم بأسره على همجية العدوان الإسرائيلي على غزة، نجد أن الفارق كبير بين موقف شعبنا العزيز ومواقف أخرى حول العالم. فعلى الرغم من أن أمتنا الإسلامية تمتلك جيوشًا كبيرة، إمكانات هائلة من الأسلحة والعتاد، إلا أن الموقف العملي لا يتناسب مع هذه القدرات.
شعبنا، رغم معاناته من العدوان والحصار المستمر منذ تسع سنوات، كان له موقفٌ مشرف، تحرك تحركًا شاملاً وعميقًا. فشعبنا لا يرهب التهديدات الأمريكية، بينما نجد أن العديد من البلدان والأنظمة قد خافت من أمريكا ورضخت لتهديداتها، حتى لم تستطع أن تتخذ مواقف شجاعة تُليق بمسؤولياتها تجاه المأساة في فلسطين.
ما يميز شعبنا هو الوعي العميق والإيمان الراسخ الذي يجعله يقف بثبات ويأبى أن يتفرج على مآسي الفلسطينيين. هذه الروح الإيمانية والإنسانية هي التي دفعته للتضامن مع غزة ومواصلة التفاعل مع الأحداث، ورفض المواقف الضعيفة التي تتبناها بعض الأنظمة العربية.
الفارق الكبير الذي نراه اليوم يُثبت نجاح المشروع القرآني الذي كان هدفه الأول ترسيخ الثقة بالله والاعتزاز به، حيث يرى شعبنا أن أمريكا ليست سوى “قشة” في وجه إيمانهم وقوتهم. ثقافتنا القرآنية هي التي جعلت شعبنا يواجه أمريكا وإسرائيل وبريطانيا بثقة كبيرة في نصر الله، وهي التي أمدت رجال ونساء هذا الشعب بالقدرة على التضحية والدفاع عن القيم التي تؤمن بها.
إن الشعب اليمني اليوم ينطلق من إيمان راسخ وعزيمة لا تلين، يدرك تمامًا أن معركته مقدسة وأن الله سيؤيده بالنصر. وأي تضحيات قد تُبذل من أجل هذه القضية هي في سبيل الله، إيمانًا بوعده في النصر، فموقفنا اليوم يثبت مرة أخرى نجاح المشروع القرآني في بناء أمة قادرة على مواجهة التحديات والشرور التي تمثلها القوى الاستعمارية.
في ظل المشروع القرآني، تحقق للشعب اليمني الحرية الحقيقية وتحرر من الهيمنة الأمريكية
على مر العقود الماضية، كان السفراء الأمريكيون يتنقلون في صنعاء ويتحكمون في شؤون البلاد، بداية من الرئيس الذي غالبًا ما كان يرضخ لضغوطهم، وصولًا إلى مرحلة أعلن فيها رسمياً عن الوصاية على بلدنا. لكن بفضل هذا المشروع القرآني، أصبحنا أحرارًا. لا وصاية أمريكية علينا، ولا هيمنة، ولا تدخل في قراراتنا ومواقفنا. نحن نجسد الحرية بكل ما تعنيه الكلمة، حرية نابعة من عبوديتنا لله، وتحررنا التام من هيمنة أمريكا التي كانت تتدخل في شؤوننا.
انظر إلى واقع العديد من الدول الإسلامية اليوم، هل هم أحرار أمام هيمنة أمريكا؟ هل هم في منأى عن تدخلاتها؟ الحقيقة أن وضعنا مختلف تمامًا، فنحن أحرار أمام أمريكا وإسرائيل وبريطانيا، وهناك فرق كبير جدًا بيننا وبينهم.
في البداية، كانت “الصرخة” في وجه المستكبرين مجرد صوت يُقمع في السجون، وكان من يهتف بها يتعرض للتعذيب أو حتى الموت. لكن اليوم، أصبحت هذه الصرخة تُسمع في مختلف أنحاء العالم، في ميادين الشرف، وفي ساحات القتال، ومن خلال الأسلحة المتطورة التي يمتلكها شعبنا، كالصواريخ الباليستية والمجنحة، والطائرات المسيَّرة. هذه الصرخة تُهتف الآن على دبابات الإبرامز الأمريكية وفي ميدان المواجهة، ومع كل انتصار يحققه شعبنا.
وبذلك، تحقق هذا المشروع القرآني حقيقة حريتنا، وأدى إلى تحررنا الكامل من التبعية لأمريكا، وحقق لنا استقلالنا السياسي والثقافي والفكري. نحن لا نخضع لأعدائنا، بل نقاومهم بقوة، وهو ما يميزنا اليوم عن كثير من الشعوب الأخرى.
ماذا لو كانت الخيارات الأخرى هي السائدة في البلد؟
لنفكر في الوضع لو كانت الخيارات الأخرى هي التي سادت في بلدنا. لو كان خيار السكوت والاستسلام هو السائد، هل كان لنا أن نرى ذلك الموقف اليمني العظيم تجاه ما حدث في غزة؟ هل كنا سنخرج في الساحات ونسمع العالم صوتنا ورفضنا للعدوان الصهيوني؟، أم كنا سنتبنى الموقف الصامت مثل بعض الدول التي لم نسمع لها صوتًا في هذه القضية، وكأنها غير موجودة؟
هذا لم يكن ليحدث لولا الله سبحانه وتعالى والمشروع القرآني والثقافة الإيمانية التي سادت شعبنا، والقيادة الربانية بدءا بالشهيد القائد (رضوان الله عليه) ثم أخيه السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي (حفظه الله) فبفضل هذا المشروع، أصبحنا نتحرك بشكل فعال، ونعبر عن موقفنا بكل وضوح، دون أن نخضع أو نتراجع.
لننظر إلى واقع البحر الأحمر ومضيق باب المندب، لأول مرة شهد العالم هذا التحرك العسكري اليمني المميز، الذي جعل الأعداء يهربون من المواجهة وبالذات الأمريكيون والبريطانيون رغم عدوانهم على بلدنا لصالح اللوبي اليهودي الصهيوني.
لو كانت خيارات العمالة والخيانة هي السائدة، لم يكن ليكن لنا هذا الموقف المشرِّف، ولا التحرك الشجاع، ولا المظاهرات التي رأيناها في ميادين اليمن وساحاتها بل كان الأمر سيكون عكس ذلك تمامًا، وكان الأمريكيون يعملون بلا أي عوائق لفرض سيطرتهم على هذا البلد. لكن هذا المشروع القرآني أفشل مخططاتهم.
لقد ساند اليمنيون الشعب الفلسطيني بفاعلية، وتحركوا ضد الثلاثي الشرير (أمريكا، إسرائيل، بريطانيا) بكل قوة وثبات، مستمدين قوتهم من ثقافتهم الإيمانية، وقدموا الشهداء، وكانوا شركاء في الانتصارات، التي تحققت على يد المقاومة الفلسطينية.
في الختام، يبقى المشروع القرآني الذي أسسه الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) منارة تهتدي بها الأمة في مسيرتها نحو التحرر والكرامة. لقد استطاع هذا المشروع أن يشكل قوة فكرية وروحية عظيمة في مواجهة قوى الاستكبار، وهو يمثل اليوم جزءاً من نضال مستمر من أجل إحياء القيم القرآنية في واقع الأمة، ورغم التضحيات الجسيمة التي قدّمها الشهيد، فإن فكره وأثره باتا خارج حدود اليمن وبات الكثير من أبناء الأمة يرون في هذا المشروع الأمل والمخرج. إن استشهاده لم يكن نهاية لمسيرته بل بداية لمرحلة جديدة من الوعي والتضحية، ما يعزز من رسوخ مشروعه الذي سيظل حياً في ضمير الأمة، حافزاً لها لمواصلة الدفاع عن قيمها ومبادئها في مواجهة كل التحديات.