المدون المغربي يونس الديدي يكتب عن اليمن : النموذج العالمي في المقاومة غير قابل للردع الصهيوني
في خضم المآسي والاضطرابات التي يعيشها العالم العربي، يظل الشعب اليمني مثالًا للصمود والتضحية، متمسكًا بمبادئه الراسخة، ومعتزًا بقيمه الأصيلة التي جعلت منه رمزًا للنضال من أجل الحرية والكرامة. هذا الشعب، الذي أنهكته الحروب والصراعات، أثبت مرة أخرى أنه لا يزال حاضرًا بقوة في ساحات الدفاع عن القضايا العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
اليمن وفلسطين: التزام أخلاقي راسخ
لا يمكن فصل الموقف اليمني الداعم لفلسطين عن منظومة القيم التي شكلت تاريخ هذا البلد. منذ القدم، كان اليمنيون نصيرين للمظلوم، داعمين لكل من يقف في وجه الطغيان. وما يحدث اليوم من تحركات يمنية لدعم غزة ليس إلا امتدادًا لهذه الروح التاريخية.
الشعب اليمني، رغم معاناته الطويلة من آثار الحروب والحصار، لم يتخل عن واجبه تجاه فلسطين. فبينما تسعى بعض الأنظمة الإقليمية إلى التطبيع مع الاحتلال الصهيوني، اختار اليمنيون طريق الكرامة والمقاومة، مؤكدين أن مساندة الفلسطينيين ليست مجرد موقف سياسي، بل واجب أخلاقي وديني لا يمكن التنازل عنه.
إسرائيل: استراتيجية الهيمنة تواجه الروح اليمنية
تعتمد إسرائيل منذ إنشائها على استراتيجية “فرّق تسد” لزرع الانقسامات في المنطقة العربية، مستهدفة بذلك تشرذم الشعوب وانشغالها بمشاكلها الداخلية. إلا أن الشعب اليمني شكّل تحديًا لهذه الاستراتيجية؛ فقد أظهرت السنوات الأخيرة أن اليمنيين يمتلكون مناعة مكتسبة ضد الحروب وضغوط القوى العظمى.
الحروب التي خاضها اليمن، سواء ضد التحالفات الإقليمية أو ضد التدخلات الدولية، أكسبته قدرة استثنائية على الصمود. فبينما توقع البعض أن هذه الصراعات ستنهك هذا الشعب، حدث العكس تمامًا؛ إذ أصبحت اليمن قوة معنوية تُمثل نموذجًا للمقاومة والثبات في وجه العدوان.
إسرائيل، التي تراهن على ضعف المنطقة، لا تفهم أن اليمنيين يحملون في وجدانهم قناعة راسخة بأن دعم فلسطين جزء من هويتهم الوطنية والدينية. وهذه القناعة تجعلهم عصيين على الردع، مهما بلغت قوة التهديدات.
القيم اليمنية: نموذج عالمي في المقاومة
القيم التي تحكم مواقف الشعب اليمني تجاه القضية الفلسطينية هي قيم إنسانية شاملة: نصرة المظلوم، رفض الهيمنة، والإيمان بحق الشعوب في تقرير مصيرها. هذه القيم ليست وليدة اللحظة، بل متجذرة في تاريخ اليمنيين، الذين لطالما دافعوا عن قضايا الحق في كل زمان ومكان.
الموقف اليمني الداعم لغزة يُعد رسالة للعالم بأن المنطقة العربية ليست كما يريدها الاحتلال الإسرائيلي؛ منطقة أنانية غارقة في صراعاتها. بل هي منطقة تحمل شعوبها روحًا ثورية، قادرة على التضامن في أصعب الظروف.
تحدي الهيمنة: اليمن وأميركا نموذجًا
لم يكن التحدي الذي أبداه اليمن محصورًا في مواجهة إسرائيل، بل امتد ليشمل القوى الكبرى التي تدعم الاحتلال. الولايات المتحدة، التي قادت حملات عسكرية وسياسية ضد اليمن، لم تستطع كسر إرادة هذا الشعب. فكيف يمكن لإسرائيل، التي تعتمد على الدعم الأميركي، أن تردع شعبًا واجه سيدتها الكبرى بثبات لا مثيل له؟
اليمن، الذي واجه الحصار والقصف والمجاعة، لا يزال صامدًا، ويُظهر للعالم أن العدوان مهما بلغ من شراسة، لا يستطيع هزيمة شعوب تؤمن بعدالة قضاياها.
اليمن وفلسطين: معركة مشتركة ضد الظلم
ما يجمع بين الشعبين الفلسطيني واليمني هو شعور مشترك بالظلم التاريخي الذي تعرضا له. الفلسطينيون يواجهون آلة الاحتلال الإسرائيلي، واليمنيون يواجهون عدوانًا متعدد الأطراف يسعى لتركيعهم. إلا أن كِلا الشعبين أثبتا أن الصمود والمقاومة يمكن أن يهزما أعتى القوى.
الشعب اليمني، بمواقفه المبدئية تجاه غزة، يُعيد تعريف مفهوم التضامن العربي. إنه تضامن يتجاوز الشعارات ليصل إلى مرحلة الفعل الحقيقي، حيث يُسهم اليمنيون بقدر ما يستطيعون لدعم الفلسطينيين، رغم معاناتهم الخاصة.
رسالة اليمن إلى العالم
في مواجهة العدوان، يبعث الشعب اليمني برسالة واضحة إلى العالم: العدالة ليست خيارًا، بل واجب. وما يقوم به اليمنيون لدعم غزة هو تذكير للمجتمع الدولي بأن الشرق الأوسط ليس مجرد منطقة صراعات، بل موطن شعوب تناضل من أجل الكرامة والحرية.
اليمن السعيد، رغم جراحه، يظل رمزًا للصمود والمقاومة. قيمه النبيلة وشجاعة شعبه تجعل منه قوة أخلاقية في وجه العدوان. وبينما تسعى إسرائيل لتطبيع الظلم، يُذكّر اليمن العالم بأن الكرامة لا تُشترى، وأن الشعوب الحرة لا تخضع مهما بلغت التحديات.
ختامًا
اليمن، بشعبه وقيمه، يثبت مرة أخرى أنه غير قابل للردع. موقفه من القضية الفلسطينية هو امتداد لتاريخه النضالي، ورسالة للعالم بأن المقاومة لا تزال ممكنة، وأن الشعوب المظلومة قادرة على تحدي الظلم والانتصار للحق. هكذا يظل اليمن السعيد نموذجًا حيًا للكرامة التي لا تُقهر، وللمقاومة التي لا تُردع.
يونس الديدي
مدون، مغربي، أستاذ لغة عربية