المحامي الفلسطيني علي أبو حبله يكتب : “قوّة الردع”.. العبارة التي شطبتها اليمن من قاموس “إسرائيل”

 “قوّة الردع”..

العبارة التي شطبتها المقاومة من قاموس “إسرائيل”

بقلم: علي أبو حبله – محامي فلسطيني

عندما قرّرت القيادة اليمنية توسيع رقعة الصّراع مع الكيان الإسرائيلي دعمًا وإسنادًا لغزّة وأرسلت مسيّرة لضرب أهداف في عمق يافا (تل أبيب) وهي منطقة محصّنة أمنيًا كانت تدرك ردّ فعل حكومة الاحتلال مع الأخذ بعين الاعتبار لتغيير موازين القوى في المنطقة لصالح محور المقاومة.

إنّ قرار توسيع رقعة الصّراع مع الكيان الإسرائيلي ليتعدّى البحار واعتراض السّفن المتوجّهة للكيان الإسرائيلي، وضرب العمق الإستراتيجي للكيان الإسرائيلي “تل أبيب” خضع لحسابات دقيقة في صنعاء، وربّما بالتّشاور مع حلفائها في المنطقة، وعليه فإنّ كافّة الاحتمالات والتّداعيات كانت حاضرة لدى القيادة العسكرية اليمنية، وتمّ وضع الخطط للتّعامل معها، وكان يفترض أنّ القيادة اليمنية وضعت في حساباتها كافّة الاحتمالات للرّد “الإسرائيلي”.

حسابات البيدر ليست كحسابات الدّفتر

ما أقدمت عليه قوّات الاحتلال وتحديدًا الطّائرات الحربية “الإسرائيلية” في استهداف ميناء الحديدة وخزّانات النّفط ومحطّات توليد الكهرباء كان خطأ إستراتيجيًا، لأنّ طبيعة الأهداف التي استهدفت مدنية وهو ما فتح الباب واسعًا أمام القيادة اليمنية لاستهداف المنشآت المدنية في داخل الكيان الإسرائيلي وهو بلا شكّ سيكون ضمن إستراتيجية إعادة خلط الأوراق وضمن حسابات لم تحسب حساباتها القيادة “الإسرائيلية” حين قامت طائراتها بعملية استعراضية وضرب خزّانات نفطية ومحطّة كهرباء في مدينة الحديدة، ضمن حسابات وتقديرات خاطئة بضرب  أهداف مدنية بهدف زيادة  الضّغط على صنعاء ما سيدفعها إلى التّراجع عن عملياتها، لكن حسابات البيدر ليست كحسابات الدّفتر لأنّ صنعاء ومعها محور المقاومة لهم حساباتهم ورؤيتهم في كيفية إدارة الصّراع مع “إسرائيل”.

الضّربة العسكرية التي أقدمت عليها “تل أبيب” والتي تأتي بعد تسعة أشهر من تلقّي الضّربات اليمنية كانت محاولة لاستعادة الرّدع، وهو ما قاله صراحة رئيس الكيان “الإسرائيلي” “هيرتسوغ” عندما اعتبر أنّ الهجوم “الإسرائيلي” هو استعادة للرّدع ورسالة للشّرق الأوسط كلّه، وأطلقت القيادة العسكرية على قصف الحديدة اليد الطّولى، وأنّ القيادة العسكرية سعت إلى توظيف العملية العسكرية لاستعادة ثقة “الإسرائيليين” بقدرة منظومتهم العسكرية على الرّد وتصريحات غالانت وزير الحرب كانت تصبّ في هذا الاتّجاه وأنّ هدف نتنياهو من هذا العدوان على اليمن توظيفه لخدمة رحلته لواشنطن للتّحريض على إيران باعتبارها القوّة الإقليمية الدّاعمة للحوثيين في اليمن وحزب الله، ولدعم الكيان الإسرائيلي بتوسعة الحرب وتأمين الغطاء والدّعم الأمريكي لخططه في توسيع رقعة الحرب وليؤكّد لحلفائه أنّ “إسرائيل” لا زالت تملك قوّة الرّدع وقدرتها بالرّد على مسيرة اليمن.

حرب إقليمية من البوّابة اليمنية

وبرأي المحلّلين فإنّ حسابات وتقديرات حكومة نتنياهو خاطئة وأنّ عملية الاستعراض لقصف أهداف مدنية في العمق اليمني ورفع سقف الأهداف من جرّاء هذا العدوان من شأنه أن تنزلق المنطقة لحرب إقليمية لا قدرة لـ “إسرائيل” وحلفائها عليها في ظلّ الموقف الصّلب لليمن ومعه محور المقاومة لأسباب منها:

  • أنّ محور المقاومة لن يسمح لـ “إسرائيل” باستعادة قوّة الرّدع ولا حتّى استعادة توازن الرّدع وأنّ إعلان صنعاء على الرّد، -وهو ما جاء في نصّ البيان العسكري للنّاطق العسكري اليمني- متوعّدًا بأهداف حيوية ومكرّرًا أنّ منطقة “تل أبيب” غير آمنة ما يعني مواصلة استهدافها.

  • هناك خشية حقيقة من انزلاق المنطقة لحرب إقليمية من البوّابة اليمنية، وهو أمر يفهم من خلال عدّة بيانات صدرت من قوى وفصائل محور المقاومة أبرزها بيان حزب الله الذي رأى أنّ للحماقة “الإسرائيلية” تأثيرها على المنطقة.

  • أنّ وحدة السّاحات تتعزّز يومًا بعد يوم وبات من الصّعب تفكيكها، وأنّ حسابات “الإسرائيليين” خاطئة إن هي اعتقدت انخراط قوى أخرى إلى جانب “إسرائيل” وأنّها باتت جزءًا من منظومة الشّرق الأوسط الأمنية هو تقدير خاطئ لإدراك الأنظمة المتحالفة مع أمريكا الخطر الذي يتهدّدها حال توسيع الحرب.

  • أنّ قوّة الرّدع “الإسرائيلي” أصيبت في مقتل وهي تغرق في وحل غزّة وتلقى ضربات موجعة من الجنوب اللّبناني ومن قوى وفصائل عراقية ومن اليمن، ومن الصّعب ترميمها عبر غارتين في ساحل الحديدة.

خشية أمريكية من تداعيات توسع الصّراع

لقد دخلت المنطقة برمّتها مرحلة جديدة من الصّراع تتّضح صورتها ومعالمها على ضوء الرّد اليمني وردود محور المقاومة وشكل الرّد “الإسرائيلي” والأمريكي والغربي الدّاعم لـ “إسرائيل”، وحتّى تتّضح عملية الرّد اليمني فإنّ المنطقة برمّتها تعيش مرحلة مخاض جديد وتكوين جديد، وهناك خشية أمريكية من تداعيات توسع الصّراع وفقدان أمريكا لمصالحها وحلفائها ووجودها في المنطقة، وبات الجميع يعيش مرحلة الانتظار ومرحلة استعجال إتمام صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النّار في غزّة، خشية فلتان الأمور وعدم القدرة على السّيطرة إذا توسّعت الحرب، خاصّة وأنّ كافّة الأطراف تدرك ذلك، وبات من الخطأ السّياسي والإستراتيجي الاستهانة بالقدرات العسكرية للحوثيين، وتُعدُّ الصّواريخ الباليستية هي أقوى الأسلحة التي بحوزتهم حيث تستطيع الوصول إلى مواقع في العمق “الإسرائيلي”.

وبينما يتحفّظ حزب الله في لبنان حاليًا بأن يدخل في مواجهة شاملة ضدّ “إسرائيل” لحسابات داخلية وإقليمية، فإنّ الحوثيين أكثر جرأة، فهم يدركون جيّدًا قدرات “إسرائيل”، وأنّ أقصى ما تستطيع تنفيذه هو استهداف جوّي لأهداف مدنية مؤثّرة في الاقتصاد اليمني، وهو ما لن يحدّ من القوّة العسكرية الحوثية الرّئيسة، وخبروا ذلك في حربهم مع السّعودية وحلفائها والتي استمرت لتسع سنوات.

إضافة إلى ما سبق، فقد أثبتت عقيدة الرّدع العسكري “الإسرائيلية” فشلها مرارًا في الأشهر الأخيرة، فهي لم تحمِها من هجمات حركة حماس في مطلع أكتوبر الماضي، التي استخدمت فيها تقنيات بدائية، ولم تنجح في ردع الطّيران الحوثي أو وقف مسيرته الأخيرة أن تصيب قلب “إسرائيل” في مقتل. ولعلّ هذه العقيدة قد عفا عليها الزّمن، فقد فشلت في تحقيق الأمن للشّعب “الإسرائيلي”، ما دام الشّعب الفلسطيني لا ينال الحدّ الأدنى من حقوقه الإنسانية.

تعتقد “إسرائيل” وأميركا أنّ مشهد النّيران المشتعلة في الحديدة كفيل بردع الحوثيين وإخافتهم، ولكن حساباتهما خاطئة، فلا يبدو أنّ الحوثيين سيتوقّفون عن مهاجمة الأهداف “الإسرائيلية” في البحر الأحمر، أو داخل الكيان الإسرائيلي؛ إدراكًا منهم أنّ الحرب في غزّة لن تطول كثيرًا، وأنّ مواصلة الهجمات الحوثية في البحر ستشكّل نصرًا كبيرًا لهم ولمحور المقاومة في ظلّ موقف عربي وإسلامي يكاد لا يذكر.

قد يعجبك ايضا