المحاضرة الرمضانية السابعة للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي قائد الثورة الشعبية (النص الكامل)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين، اللهم صلِ على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين وعن سائر عبادك الصالحين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وتقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال إنه سميع الدعاء، قبل أن نواصل حديثنا في سياق المواضيع الثقافية والتربوية وفي سياق الحديث عن الموضوع الأخير الذي هو خطر الشيطان وما يتصل بذلك، لنا في بداية هذا الحديث، تعليقان موجزان، أولهما عن اجتماع الأمس اجتماع العاشر من شهر رمضان المبارك، اجتماع حكماء وعقلاء ووجهات اليمن، الاجتماع الذي أكد من جديد وحدة الصف الداخلي وحدة الكلمة ضد العدوان الأجنبي تماسك الجبهة الداخلية لشعبنا اليمني المسلم العزيز في مواجهة هذا الخطر وهذا التحدي الذي يعاني منه هذا البلد.
بحمد الله كان الاجتماع اجتماعاً موفقاً وحاشداً وكبيراً وتداعى إليه وحضر فيه أغلب رجال هذا البلد وأغلب عقلاءه وحكمائه وقياداته، من مختلف المكونات السياسية والاجتماعية ومن العلماء ومن الأكاديميين ومن مختلف أطياف هذا الشعب، هذا الحضور الحاشد الكبير الواسع بهذا المستوى، الذي عبّر عن جميع المكونات الحرة في هذا البلد، هو حضور مهم له رسالته الكبيرة وله دلالته المهمة.
حينما نسمع في بعض الأوقات عن بعض الأصوات النشاز في هذا البلد، عن بعض الأصوات الشيطانية التي يمكن أن نقول عنها أنها شيطانية، أصوات الفرقة والأصوات التخريبية، أصوات الكراهية أصوات البغضاء، أصوات العداوة، الأصوات المعبرة عن الحقد، المعبرة عن الغباء، وأحياناً المعبرة عن الخيانة والعمالة، التي تسعى بكل جهد لشت الصف الداخلي، وشت الشمل، والتفريق بين أبناء البلد الواحد الذين يحملون الهم الواحد ويواجهون الخطر الواحد، لنرى أنه هذا صوت نشاز صوتُ لا يعبر عن إرادة هذا الشعب، ولا يعبر عن القيادات الفاعلة في هذا الشعب، وعن التوجهات الفاعلة والحاضرة في الساحة في هذا البلد، وأن الذي يعبر عن حقيقة التوجه لدى الجميع في هذا البلد لدى جميع المكونات الحرة لدى جميع الشخصيات الفاعلة والقيادات الفاعلة في هذا البلد، هو ماعبر عنه الجميع بالأمس من تضامن وتآخي واجتماع للكلمة وتوحدٍ بكل ماتعنيه الكلمة في الموقف ضد هذا العدوان الغاشم الظالم.
نحن سعداء حقيقةً عندما نرى كل هذا التفاعل من كل المكونات وهذا هو الذي يعبر حقيقة عن أخلاقيات هذا الشعب عن إيمانه عن وعيه ويدل بوضوح على أنه لا يمكن لأحد أن يستغبي هذا الشعب، وأن يستغفل أبناء هذا البلد، يعني لسنا في هذا البلد كقوى حرة وكيانات فاعلة، لسنا سذجاً ولا أغبياء ولا ألعوبةً بيد العدو حتى يفرقنا بكل بساطة، أو يشغلنا عن همنا المهم، وعن شغلنا الشاغل وعن مسؤولياتنا الحقيقية وعن أولوياتنا الملحة، بأشياء تافهة وبأساليب تافهة أو عن طريق بعض العملاء والخونة المندسين بين الصفوف الذين يعملون عمل الشيطان بالتفرقة وإثارة النزاعات والكراهية والبغضاء والعداوة، إن شاء الله بعد هذا الاجتماع تستمر الجهود داخل كل المكونات وبين أوساط كل الفئات للحفاظ على مخرجات هذا الاجتماع وحتى كما قلنا ماقبل الاجتماع حتى يكون هناك مسارات عمل، يشترك فيها الجميع، يتعاون فيها الجميع تعزز على الدوام من هذه الوحدة ومن هذه الروابط، وتحافظ على هذا الجو من الإخاء والتعاون، ثم تعالج ضمنياً الكثير من الإشكالات والكثير من العوائق في الواقع العملي وتساعد على إنضاج الآراء والأفكار اللازمة لمواجهة التحديات التي نعاني منها.
ثانياً كان هناك فيما استجد الخطوة الواضحة المعروفة للسعودية والإمارات والبحرين ومعهما بعض الدول تجاه قطر، وهذا الانشقاق للصف في الموقف الخليجي والتوجه الخليجي لدى بعض دول الخليج لم يكن مفاجئاً يعني سبقه توتر إعلامي واضح وحملات دعائية متبادلة، من أهم ما يدل عليه ما طرأ في الموقف بالأمس، من أهم ما يدل عليه هو أن النظام السعودي يسعى بكل ما أوتى من قوة إلى أن يكون هو عمود الخيمة في المنطقة، وشرطي أمريكا في الصف العربي، وأن يصادر على كل الأنظمة الأخرى في الصف العربي على كل الزعماء الآخرين على كل القادة الآخرين أي قرار، أن يصادر عليهم حق اتخاذ القرار، أو أن يخالفوه ولو بمستوى بسيط في أي توجه، أن ينفرد هو بالزعامة على الأمة العربية ولكن ليكون زعيماً حقيقياً له مشروعه الذي يفترض أن يكون مشروعاً للأمة العربية بكلها أو للمسلمين أجمع لا، أنما ليكون هو شرطي لأمريكا وتحت الزعامة الأمريكية وتحت القيادة الأمريكية وليسّير الأمة ضمن الأجندة الأمريكية.
القطري اليوم هو بين أحد خيارين إما أن يذعن بالكامل ويخضع بالكامل للزعامة السعودية لزعامة النظام السعودي وبإذلال وخنوع مطلق أو أن يتماسك ويستفيد من طبيعة التناقضات القائمة في المنطقة فيحافظ له على توجهاته وعلى قراراته وعلى إرادته ضمن أي خيارات يرى لنفسه أن يسير فيها أو يتحرك فيها يعني هو بين حالة من حالتين ستتضح مآلاتها هذه الأحداث والتوجهات لربما الأسابيع أو الأيام القادمة، الدلالة المهمة بالنسبة لنا أن النظام السعودي مشكلته دائما مع الآخرين مشكلة استحواذ وسيطرة بغض النظر عن طبيعة توجهات الآخرين أو خياراتهم أو قراراتهم قد يلتقي معها قد يختلف معها قد تكون أحياناً في نفس السياق والتوجه لكنه يريد أن يخضعها له بالمطلق.
ونأتي لموضوعنا الرئيسي كنا تحدثنا في المحاضرات الماضية وعلى مدى عدد منها في عدة محاضرات منها عن خطر الشيطان كموضوع مهم جداً تحدث عنه القرآن الكريم كثيراً، وله أهميته بالنسبة لنا كبشر لعلاقته الكبيرة بواقعنا ولتأثيراته السلبية والخطيرة في حياتنا وفي حياتنا في الدنيا ومستقبلنا في الآخرة.
آخر ماتحدثنا عنه في المحاضرة الماضية هو عن التشكيلات الشيطانية تحدثنا عن الأنشطة الشيطانية الواسعة وهذه الأنشطة لم تعد أنشطةً فردية أو تحركاً فردياً، إبليس يشتغل لوحده ويتعب لوحده ويتحرك لوحده في الوسط البشري الذي يتكون اليوم حتى من مليارات، لا، أنشطة الشيطان أنشطة واسعة، وتحت عناوين كثيرة ومتعددة، تحدثنا عن هذه التفاصيل، وبالتالي أصبح له كما قال القران الكريم ذرية، قبيل، حزب، كذلك أتباع جنود يعني تشكيلات كثيرة يتحرك ضمنها، وأصبح يتحرك في كل الاتجاهات، له على المستوى التثقيفي، وعلى المستوى الإغوائي، صوته المعبر عنه صوته الذي يخدمه، صوته الذي يعمل لصالحه، له على مستوى التشكيلات العسكرية، حضوره العسكري، الشيطان حاضر على المستوى العسكري على شكل كبير من خلال جنوده، من خلال الجبهات العسكرية، التي تشتغل لصالحه فيما تمارسه من ظلم من طغيان من جبروت من عدوان ، وفيما تسعى إلى تحقيقه من أهداف شيطانية هي لمصلحة الشيطان ضمن الأجندة الشيطانية وضمن المخططات الشيطانية.
قرأنا في المحاضرة الماضية قوله لإبليس” واستفزز من استطعت منهم بصوتك، وأجلب عليهم بخيلك ورجلك، وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا” فإذا الشيطان له صوته، قد يكون هذا الصوت أغنية ماجنة مفسدة، قد يكون هذا الصوت محاضرة سياسية مغوية، تحاول أن تلبس على الناس وأن تصنع قناعات مغلوطة لدى الرأي العام، قد يكون هذا الصوت أحيانا محاضرة باسم إنها محاضرة دينية، فيها افتراء الكذب على الله سبحانه وتعالى، فيها كذلك التضليل تحت عناوين دينية، وصنع مفاهيم محسوبة على الدين وليست من الدين في شيء، فيها أحيانا تحريم ما أحل الله، وفيها في بعض الحالات الأخرى تحليل ما حرم الله وتحت العنوان الديني، قد يكون هذا الصوت أحيانا معبرا كذلك عن أحداث أو عن وقائع أو عن مواقف ولكن بطريقة خاطئة، فيها ظلم فيها تلبيس للحقائق، فيها مخادعة للناس، فيها دفع للناس، نحو موقف باطل ، نحو موقف خاطئ، فالصوت الشيطاني صوت إغوائي، وتضليلي، بأي لغة كان، بأي عنوان كان، تحت أي غطاء كان، مادام يظل أو يغوي أو يفسد، مادامت نتيجته نتيجة في هذا الاتجاه فهو صوت شيطاني كما قلنا، بوق نفخ فيه الشيطان، كذلك النشاط العسكري في كثير من الحالات كم في هذه الدنيا من وقائع وأحداث كانت ظالمة تحركت فيها جيوش، تحركت فيها قوى عسكرية، أو مواقف عسكرية، وكانت ظالمة، ظلما لأمة من الأمم، أو لشعب من الشعوب، أو لقوم من الأقوام، أعتدي عليهم بغير حق، ظلموا بغير وجه حق، قتل منهم وضحي منهم بالكثير الكثير بغير وجه حق، هذه الأحداث والوقائع الظالمة التي لا شرعية لها لاحق فيها، والتي هي لممارسة ظلم أو لإخضاع قوم لطاغوت أو مستكبر أو ظالم أو بأي من الأشكال هذه هي في نهاية المطاف أنشطة شيطانية، عمليات عسكرية شيطانية، أو هي هادفة إلى إسكات صوت حق أو هادفة إلى الصد عن سبيل الله، والحيلولة بين البشر وبين التمسك بتعليمات الله، وتوجيهات الله بما فيها من قيم، فيما فيها من أخلاق، فيما فيها من مبادئ، فيما فيها من تعليمات، تقوم بها حياتهم بالعدل وبالحق وبالقسط، فيسعى هذا الشغل إلى الصد عن ذلك، في مواجهة كل عمل خيري صادق، مصلح نافع كذلك، هذا حصل كثير وكثير في تأريخ البشرية.
الشيطان يواجه كل دعوة حق وخير وصادقة في هذه الأرض بين أوساط البشرية، يواجها عن طريق أتباعه عن طريق المستجيبين له، عن طريق من يتمكن من إغوائهم، لمنعها حتى عسكرياً، يصد عنها، يواجهها إعلاميا، ثقافيا، اجتماعيا، فكريا، سياسيا، ولكن حتى عسكريا، كل حركات الهداية في واقع البشرية، وعلى رأسها وفي طليعتها الأنبياء، وخاتمهم هو محمد بن عبدالله صلوات الله عليه وعلى آله وسلم، ما قبله من رسل وأنبياء تحركوا في أوساط البشر لهداية البشر لتزكية البشر لإصلاح واقع البشر لهداية العباد إلى ربهم الله سبحانه وتعالى لهدايتهم إلى صراط العزيز الحميد وإلى الصراط المستقيم، من الذي وقف ضد هؤلاء الأنبياء؟ من الذي عاداهم؟ من الذي سعى إلى صد البشرية عن الاستجابة لهم وحتى عن الإصغاء لهم والاستماع لهم أحيانا.
الشيطان أصبح معه كثير من الشياطين، الذين تحركوا معه لأن حالة الإغواء للإنسان، وحالة الإغواء داخل، داخل الجن أنفسهم، وحالة التضليل قد تصل مثلا بالبعض من الذين تأثروا بالشيطان تمكن من إغواءهم تمكن من إضلالهم، إلى مستويات متفاوتة منها مستوى يتجرد فيها الإنسان مثلا من كل عناصر الخير يموت فيه الضمير، تنعدم فيه كل حالات الخير، يتعطل، يخرب كما الجهاز الذي يخرب تماما، يتعطل عن كل حالات الخير ومعاني الخير، في وجدانه وفي إحساسه وفي أعماقه ويكمن فيه الشر حالة الغواية، حالة الضلال، حالة الفساد، حتى تصبح هي الحالة التي تحكمه في داخله، تحكم وجدانه، تحكم مشاعره، تسيطر على تفكيره، وتسيطر على توجهاته في الحياة.
إذا وصل الإنسان في توجهه، في تفكيره، في مشاعره، في اهتماماته، إلى درجة فقد فيها عنصر الخير من داخله فحينها وصل إلى شيطان إلى مرتبة شيطان إلى درجة شيطان لأنه حينها الشيطان لم يعد بحاجه إلى أن ينشغل به، ليغويه أو ليدفعه نحو الفساد أو ليؤثر عليه، لا خلاص، أصبح جاهز، لم يعد عنده اهتمامات جيدة ولا إيجابية ولا صالحة، أصبح قراره وتوجه الأساس، نحو الشر نحو الفساد نحو الطغيان، هذه الحالة من الغواية وهذا المستوى من الانحراف يصبح فيها الإنسان والعياذ بالله شيطان من الشياطين، من شياطين الأنس إن كان إنسيا أو من شياطين الجن إن كان جنيا، وحينها يصبح هو من يتحرك في الآخرين، ماعاد يحتاج الشيطان إلى أن ينشغل به ليغويه أو ليؤثر فيه، أصبح هو عنصر شر في هذه الحياة عنصر إضلال في هذه الحياة عنصر إفساد في هذه الحياة واتجه هو إلى العمل على إغواء الآخرين، على إضلال الآخرين على التأثير سلبا على الآخرين، أصبح حينها شيطانا من الشياطين.
هذا معنى أن تتحول إلى شيطان، أن تتحول في هذه الحياة إلى عنصر مفسد أو مضل تعمل أنت لإغواء الآخرين أو لتضليل الآخرين وإضلالهم، أو لإفسادهم فأصبحت حينها عنصرا شيطانيا، عنصرا شيطانيا، ولذلك أكد القرآن هذه الحقيقة وهي من أهم الحقائق التي يجب أن نعيها لأن البعض من الناس قد يكون لدى الكثير من المجتمعات يحظى باحترام كبير، شخصية فاعلة، مؤثرة، ويتبعه الكثير من الناس، ويسمعه الكثير من الناس، ويتفاعل معه الكثير من الناس، كلمته مسموعة، ورأيه محط ثقة الكثير من الآخرين بدون أي تدقيق فيه ولا مراجعة له، فيؤثر في الكثير من الناس، ينظرون إليه حتى نظرة محترمة مع أنه قد أصبح في واقعه شيطانا من الشياطين ولو أنه إنسان، إنسان شيطان هذه حقيقة أكد عليها القرآن الكريم نأتي للحديث عنها قال الله في كتابه الكريم ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا) من هم أعداء الأنبياء الذين يعملون للتصدي للأنبياء في دعوة الأنبياء وحركة الأنبياء وعمل الأنبياء في هداية البشر وإصلاح البشر وإنقاذ البشر؟.
شياطين الأنس والجن، هكذا يقول الله سبحانه وتعالى شياطين الأنس، بعض الناس لا يفهم لا يستوعب أن هناك شياطين من الأنس يا أخي الله هو الذي يخبرنا بذلك الله، هو الذي يقول لنا ذلك شياطين الأنس، افهم افهم يا أيها الإنسان هناك شياطين إنس، إنسان قد يكون رئيسا، قد يكون زعيما، قد يكون مثقفا، قد يكون أكاديميا، قد يكون شخصية محترمة، زعيما سياسيا، قد يكون قائدا عسكريا، قد يكون بأي صفة من الصفات، بين أوساط البشر، تراه إنسانا وقد تنظر إليه على أنه محترم يمجده الكثير، يعظمه الكثير، وهو في حقيقة الحال شيطان، شياطين الأنس والجن وهناك أيضا شياطين من الجن، كذلك يلعبون هذا الدور الإغوائي والتضليلي في أوساط البشر هذا النشاط التخريبي لتخريب الناس تخريب حياة الناس وإفساد الناس وإفساد حياة الناس، يلعبون هذا الدور السلبي، شياطين الأنس والجن، هؤلاء الشياطين من الأنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا يعني يتبادلون فيما بينهم الكثير من الأفكار الشيطانية والقناعات والوساوس الشيطانية، هي عملية يمكن أن نطلق عليها في المصطلحات العسكرية الدعم المتبادل، يعني هناك من شياطين الأنس من يستفيد من شياطين الجن يوسوسون له بفكرة معينة، فكرة شيطانية تطبيقها في واقع الحياة وراءه شر، وراءه فساد، وراءه ضلال، وراءه خراب، فكرة معينة، يعني هم يتبادلون العملية التفكيرية هذه صناعة أفكار قناعات، توجهات، يبنى عليها مواقف، يبنى عليها سياسات، يبنى عليها تصرفات، يبنى عليها أعمال وأعمال كبيرة.
يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا يوحي بعضهم إلى بعض هذه الأفكار أو تلك الأفكار الشيطانية وتزين حتى تلقى لها القابلية لها بين أوساط المجتمع بين أوساط الناس وتطبع بطابع مصلحي أحيانا، أو طابع ديني أحيانا أخرى، أو أي طابع، تلبس بقماش مزين بغطاء مزين، بوجه تجميلي، عملية تجميلية تدهن بها تغطى بها، حتى تلقى رواجا وقابلية بين أوساط الناس، فتلقى كثيرا من المتفاعلين معها والمستجيبين لها والمرتاحين لها التي قد يعتبرونها فكرة ممتازة أو رؤية جميلة، أو يعتبرونها عبارة عن مشروع عملي مهم للغاية، أو مصلحة شخصية، أو جماعية مؤكدة، أو أيا كان وهنا هناك أيضا من شياطين الجن من قد يستفيد من بعض شياطين الأنس لأن الإنسان.. الإنسان منحه الله سبحانه وتعالى مدارك وقدرات وطاقات مهمة على المستوى الإدراكي، على المستوى التفكيري، على مستوى الإبداع الفكري، الخيال الواسع، التفكير الواسع، القدرة على الإنتاج، إنتاج الأفكار والتخطيط العملي عند الإنسان مجال واسع ولربما البعض من شياطين الأنس يتفوق على الكثير من شياطين الجن فيصبح بعض شياطين الأنس أستاذا مهما يستفيد منه الكثير من شياطين الجن ويتلقون منه الكثير من الرؤى والخطط العملية لكي يشتغلون على أساسها ومن خلالها مع مجتمعات أخرى، مجتمعات بشرية، مثلا قد يستفيدون من بعض شياطين الأنس في قارة آسيا بعض الأفكار والخطط العملية وخصوصا أن الإنسان أعرف بواقعه الإنساني وأكثر قربا في تفكيره بالطابع البشري ومن الواقع البشري فيتحرك البعض منهم يستفيد أو في قارة أخرى يستفاد من شيطان من شياطين الأنس أصبح أستاذا للكثير من شياطين الجن، يتلقون منه ويسمعون منه ويتأملون في خططه العملية وتصرفاته ما يستفيدون منه في شغلهم الشيطاني مع جن آخرين أو أنس آخرين.
الآية القرآنية عندما يقول الله سبحانه وتعالى ( يوحي بعضهم إلى بعض) وهنا في هذه الآية بدأ بالأنس شياطين الأنس والجن ربما لأن دورهم مثلا أوضح في التصدي للأنبياء وحركة الأنبياء ودعوة الأنبياء سواءً أيام حياة الأنبياء ووجودهم المباشر بين أوساط البشر، أو ما بعد رحيل الأنبياء في مواجهة دعوتهم، لأنه يمكن اليوم لبعض شياطين الأنس أن يكون عدوا لرسول الله محمد صلوات الله عليه وعلى آله، وخصما لأنه ما هي مشكلتك مع رسول الله محمد؟ ما هي مشكلتك التي كنت ستواجهه من أجلها وأثناء حضوره المباشر وحياته المباشرة بين أوساطنا كبشر؟ دعوته رسالته مبادئه قيمه رسول الله محمد هو خصم للظلم والظالمين، أنت كظالم بالتأكيد ستكون خصما لرسول لله وسيكون خصما لك هو عدو للمجرمين وأنت كمجرم بالتأكيد ستكون في الطرف الآخر الذي هو على خصومة مؤكدة وصراع مؤكد ونزاع مؤكد مع رسول الله محمد صلوات الله عليه وعلى آله.
فإذًا الآية تقول (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا) أعداء الأنبياء، أعداء الرسالة الإلهية، أعداء الإنسانية، أعداء البشرية، هم الذين لا يريدون للبشر أن يصلحوا ولا أن تصلح حياتهم أن يهتدوا، ولا أن تستقر أوضاعهم، لا يريدون أن يتحقق في واقع البشرية العدل والخير والزكاء والصلاح والطهر والشرف والفضل والارتقاء الإنساني، وأن يتحقق للإنسان كماله في هذه الحياة واستقراره في هذه الحياة وفق منهج الله الصالح النافع الذي تعمر به الحياة وتصلح عليه الحياة وتستقر به الحياة، لا يريدون ذلك عندهم سعي دؤوب للحيلولة دون ذلك، فالشياطين من الأنس بكل أشكالهم من الزعماء والعلماء والعقلاء والقادة بكل مستوياتهم، شياطين الأنس والجن يتبادلون فيما بينهم الأراء والخبرات الأفكار يصنعونها ويقدمونها إلى المجتمعات قولا مزخرفا يدخلون فيه بعض ما يغش السذج البسطاء فيغويهم ويؤثر فيهم، يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول زخرف القول، القول المنمق المزخرف الذي ليس هو في حقيقته قولا جميلا إنما جُمل، ليس في جوهره ومضمونه الفعلي والحقيقي مفيدا ونافعا وصحيحا وسليما، لا وفيه آفات، فيه سلبيات، فيه مضار على الناس، فيه ما يضل الناس، فيه ما يحرف الحقائق، ولكنه يغطى ما فيه أو تُغطى ما فيه من مساوئ ويغطى على ما فيه من مضار بعملية تجميل، عملية زخرفة كالمكياج الذي قد يغطي وجها قبيحا، (يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا)، في عملية غرور، عملية مخادعة، (ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون، ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون)، بناء على ذلك يصبح للشيطان تشكيلاته الواسعة، معه شياطين أولا، شياطين يعني ينشطون وقد أصبحوا هم مصادر إضلال وإغواء وتضليل وإفساد وتخريب، ثم معه الأتباع يعني من مستوى آخر، يعني دون مستوى الشياطين، أولئك الأعداد الهائلة من المخدوعين، من الذين تمكن هو وشياطينه ومساعدوه ومعاونوه من شياطين الإنس والجن، من الإيقاع بهم، الإغواء لهم، التضليل لهم والسير بهم في طريق الشيطان وهم أعداد هائلة وأعداد كبيرة، ندخل إلى النصوص القرآنية التي تتحدث عن هذا، الله سبحانه وتعالى يقول: (ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون)، ويتحدث في عدة آيات عنهم إلى أن يقول في آخرها: (استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون)، تحدث هنا عن المنافقين، المنافقون هم فئة تنتمي إلى الإسلام، يعني يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، قال في آية أخرى عنهم: (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون)، منافقين، المنافقون فئة واسعة تنتمي للإسلام، دوافعها النفاقية مختلفة، البعض منها دافعة الجبن، البعض منها دافعه البخل والطمع والحرص الجشع دافعه مادي، البعض منها لا، عنده ارتياب، عنده شك في القناعة الدينية والإيمانية، عنده شك في وعد الله بالنصر لعباده المؤمنين والمستضعفين، يعني عنده حالة ارتياب وشك، البعض منها له اعتبارات أخرى تحدث عنها القرآن الكريم كثيرا في سورة التوبة وفي سورة المائدة وفي سورة النساء وفي سورة البقرة حديث واسع، لا يتسع المجال هنا، إن شاء الله إذا أسعفتنا الظروف وأمكنتنا الفرصة إن شاء الله نتحدث عن النفاق والمنافقين في حديث مفرد عن هذا. المنافقون هم فئة استغواها الشيطان، واختلالها في الولاء، تولوا قوما، هذه مشكلة المنافقين، مشكلة في ولائهم، أصبح ولاؤهم لأعداء الأمة الإسلامية، يوالون أعداء الأمة المتآمرين على الأمة، المحاربين للأمة المستهدفين للأمة، في دينها وفي هويتها وفي عزتها وفي أرضها وعرضها واستقلالها، أعداء الأمة واضحين، أعداء واضحون ومعروفون، كانوا فيما مضى أقوام معروفين واليوم أقوام معروفين، مثلا إسرائيل عدو صريح وواضح للأمة، اليهود الصهاينة أعداء واضحون للأمة، لا يمكن أبدا أن يقول الإنسان عنهم أصدقاء إلا إذا افترى وكذب، أمريكا أيضا اليوم عدو صريح وواضح للأمة، عدو مستكبر ومستعمر وانتهازي ويسعى بكل جهده إلى تركيع الأمة وإخضاع الأمة والهيمنة على الأمة إلى آخره.
حالة الاختلال هذه كان فيها ولاء لليهود، تولوا قوما غضب الله عليهم، هم اليهود، غضب الله عليهم، ما هم منكم ولا منهم، فلا هم كانوا مع المؤمنين من المؤمنين، في صف المؤمنين ولا أنهم في أصلهم يهود، لا أصلهم مسلم ويصلي وعنده مساجد وإلى آخره، ولكن عنده انحراف في الولاء، كيف وصلوا إلى هذا الانحراف الخطير في ولائهم؟ انحراف يمثل خيانة، خيانة للأمة، لأن الذي يوالي أعداء أمته يعتبر في جميع الأعراف خائنا، من يوالي العدو الذي يستهدف أمته وشعبه في كل شيء يعتبر خائنا بلا شك، الله قال: (استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله)، هؤلاء غفلوا عن الله، ولو ذكروه باللسان، لكن بالجنان بالفؤاد، بالقلب بالمشاعر، في أعماقهم ليس هناك حضور لله في عظمته في قوته في قدرته، في وعده الصادق، لا، غفلة عن الله، العدو في أنفسهم أكبر من الله، ووعيده أكبر من وعد الله ووعيده، ولذلك هم خافوا من العدو أكثر ورأوا في العدو أنه الأكبر في الساحة الأكثر حضورا في الساحة، الأقوى في الساحة، وأنه لا خيار لهم إلا الخيانة، وأن يدخلوا ضمن أجندته وإلا فقدوا كل شيء، هكذا هي نظرة المنافقين، فأنساهم ذكر الله، لم يحسبوا حساب الله، لا في قوة الله، لا في قدرة الله، ولا في وعده ولا في وعيده، ورأوا العدو كبيرا، فحسبوا حساب أن يدخلوا ضمن أجندته ليسلموا، تسلم لهم دنياهم، تسلم لهم مصالحهم الوهمية، مناصبهم إن كانوا في مواقع، المناصب، فحسبوا هذا الحساب وغفلوا عن الله سبحانه وتعالى، (فأنساهم ذكر الله، أولئك حزب الشيطان) أصبحوا بذلك حزبا للشيطان، كيف تتحول من حزب الشيطان؟ اختلال الولاء، أكبر مشكلة لدى الكثير من البشر التي بها حسبوا من حزب الشيطان هي المعية، مع من أنت في هذه الحياة؟ هذا الذي يحدد انتماءك الحزبي، هناك في هذا العالم، في هذا العالم بكله، هناك فقط حزبان رئيسيان، تدخل ضمنهما كل التشكيلات في هذا العالم، واحد منهما اسمه حزب الشيطان، بغض النظر عن التفاصيل عن كل التشكيلات الداخلة والمنضوية تحته، قد يكون تحت هذا الحزب مسميات كثيرة، مسميات حزبية، مسميات مذهبية، وتكتلات ذات عناوين سياسية ذات عناوين اقتصادية، ذات عناوين كثيرة، لكن إطارها الأعلى، إطارها الأكبر، إطارها الأوسع حزب الشيطان، هذا الحزب يشمل كل منهم مع الشيطان، المعية، بين قوسين، بين هلالين بين معكوفين، المعية، مع من أنت في هذه الحياة، الطريق الذي تسلكه، الأعمال والتصرفات والتوجهات حددت مع من أنت، إذا كانت أعمالك تصرفاتك توجهاتك في هذه الحياة، مسارك في هذه الحياة هو مسار الله، طريق الله، صراط الله، تعليمات الله، وتوجيهات الله، أوامر الله، تعبد نفسك لله، تتجه هذا الاتجاه أنت في هذا الموقف، أنت في النهج الذي طليعته وعلى رأسه الأنبياء وورثة الأنبياء من المصلحين والهداة فأنت هنا من حزب الله، أما إذا تصرفاتك وأعمالك وتوجهاتك في هذه الحياة في طريق الشيطان ومع أولياء الشيطان فأنت هنا مع الشيطان، وبالتالي تصبح من حزبه، (أولئك حزب الشيطان)، الذين حصل عندهم هذا الانحراف في ولائهم فتولوا قوما غضب الله عليهم كان ولائهم لليهود أعداء الإسلام بهذا الله.. يعني هذه ليست مناكفات وليست مواقف من أي طرف.. نحن نتحدث حديثا عاما.. نسأل الله أن يوفقنا وأن يهدينا لأن نكون في طريقه ومن حزبه وألا نكون من حزب الشيطان وأن يجيرنا.. يعني لا نقصد هنا مناكفات مع أي طرف نتحدث حديثا عاما وكل منا عليه أن ينتبه لنفسه.
الذين تولوا اليهود بأن كانوا معهم في أجندتهم بأن تآمروا معهم ضمن خططهم هؤلاء سماهم من؟ الله.. الله سماهم حزب الشيطان “أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون”.. مصيرهم كلهم الخسران مع أن حساباتهم كلها اعتمدت حساب المصلحة هذه مشكلتهم، يعني ركزوا على المصالح بغباء، وبحسابات خاطئة، فكان اتجاههم الخسران وليس المصالح، فإذًا كل الذين مع الشيطان في تصرفاتهم وأعمالهم ومواقفهم هؤلاء عندهم اختلال في الولاء أصبحوا من حزبه.. الله يقول في آية أخرى “إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون” ويقول في آية أخرى” أفتتخذونه وذريته أولياء”.. المشكلة هنا يعني تصبح إما أن تكون متوليا لله في تصرفاتك ومواقفك.. التصرف العمل، الالتزام في هذه الحياة فيما تفعل، وفيما تترك، وفي الموقف أيضا إما مع الله وإما مع الشيطان.. يقول “فقاتلوا أولياء الشيطان”.. في النهاية تصبح المفاصلة مفاصلة ومقاطعة ومباينة لأن هناك أجندة متعارضة، هناك مسارات متباينة في هذه الحياة، توجهات متضادة في هذه الحياة، التوجهات الشيطانية في التصرفات والمواقف والسياسات والأعمال متضادة متباينة متناقضة مع التوجهات التي على رأسها الأنبياء والمصلحون في هذه الحياة، وبالتالي تصل المسألة إلى الصراع العسكري، لأن الشيطان في النهاية يحرك من معه، يحركهم في مواقف عدائية، مواقف عدوانية، مواقف ظالمة، يقتلون يعتدون يسفكون الدماء بغير حق يتحركون ضد الآخرين ويحاولون أن يقهروهم وأن يستعبدوهم بسطوة وجبروت القوة العسكرية، فالذي يحصل “فقاتلوا أولياء الشيطان” الطرف الآخر سترى نفسك مضطرا إلى أن تقاتلهم وألا تخضع لهم حتى ولو قاتلوك “فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا” مهما كانت تشكيلاته وقواه في هذه الأرض من الإنس والجن لكن في النهاية هي تشكيلات ضعيفة وكيده ضعيف، ويبقى لنا إن شاء الله محاضرة واحدة لاستكمال هذه المواضيع، هذا الموضوع بالذات، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه عنا، أن يوفقنا لأن نكون من حزبه، ومع أولياءه وضد الشيطان، وضد حزب الشيطان ومن خصوم الشيطان ومن خصوم أولياء الشيطان وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال إنه سميع الدعاء..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.