المحاضرة الرمضانية الخامسة عشرة للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 1441هـ 08-05-2020
أُعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة والأخوات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
وتقبَّل الله منَّا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال.
اللهم اهدنا وتقبَّل منَّا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
نواصل الحديث عن موضوع الظلم، وفي المقابل عن المسؤولية على مجتمعنا المسلم في العمل على إقامة العدل والقيام بالقسط.
من أخطر المواقع التي عادةً ما يكون الظلم منها ظلماً كبيراً، وظلماً تتسع دائرته لتشمل أحياناً مجتمعاً معيناً، أو تكثر على كثيرٍ من الأفراد، هو موقع المسؤولية العامة، في الدولة، في أي مسؤوليةٍ من مواقع المسؤولية التي يتحمل الإنسان فيها مسؤوليةً تجاه الآخرين، وبأي مستوى، بأي مستوى: مستوى كبير، مستوى واسع، مستوى أقل، مستوى محدود، ولو في مجموعةٍ واحدة.
موقع المسؤولية هو من المواقع الخطرة والحسَّاسة التي تتطلب أن يكون الإنسان على درجةٍ عاليةٍ من الإيمان وتقوى الله -سبحانه وتعالى-، والاستشعار للرقابة الإلهية، والاستشعار للقاء الله -سبحانه وتعالى-، وأنه سيحاسب، وسيجازى، وسيسأل عما عمل في مسؤوليته تلك، والمسؤولية العامة لمجتمعنا المسلم بشكلٍ عام هي إقامة القسط، أن يكون مجتمعاً قائماً بالقسط قوًّاماً بالقسط، كما قال الله -سبحانه وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا}[النساء: من الآية135]، مسؤولية يتعاون فيها الذين آمنوا، وتعظم وتكبر هذه المسؤولية على الذين يتبوؤون مواقع المسؤولية العامة، كل من يتحمل مسؤوليةً معينة، في أي مجال من المجالات في موقع القرار، وموقع الإدارة، أو في مجال العمل الأمني، العمل العسكري، في القضاء، في الأعمال الاقتصادية، في المسؤوليات التعليمية… في مختلف المسؤوليات، وفي أي موقع من مواقع المسؤولية، بل كل ما كان موقع المسؤولية أكبر؛ كانت المسؤولية أمام الله -سبحانه وتعالى- أكبر وأعظم.
من المؤسف جدًّا أنَّ أمتنا الإسلامية عانت عبر تاريخها من الظلم ومن الجور وعلى يد حكوماتها المتعاقبة، على يد أمرائها وملوكها وقادتها عبر التاريخ، وكانت الحالات التي هي حالات مختلفة، انطلقت على أساس شريعة الله -سبحانه وتعالى- وتعليماته، ومنهج الإسلام في إقامة العدل، حالات استثنائية في التاريخ، أو في إطارٍ محدود، أو جغرافيا محدودة، أمَّا على المستوى العام، فتعاقبت الكثير من الدول الكبرى في العالم الإسلامي، أو الدول المتفرقة في كثيرٍ من أقطار العالم الإسلامي، ولم تنطلق من خلال رؤية الإسلام ومنهجه العظيم في إقامة العدل، وغابت هذه الرؤية وهذه المنهجية حتى عن المجتمع المسلم في كثيرٍ من الأقطار، وفي كثيرٍ من المراحل التاريخية المهمة؛ ولذلك ساهم هذا الأمر في تصور أو في ترويض المجتمع المسلم وترسيخ تصور سلبي إلى المسؤولية العامة، وغياب المنهجية الإسلامية الحقيقية التي على ضوئها تتمكن الأمة من إقامة القسط، ومن إقامة العدل في الحياة؛ لأن هناك منهجية للإسلام فيها مبادئ، فيها أسس، فيها قيم، فيها أخلاق، فيها تعليمات، هذه المنهجية إذا التزمت بها الأمة، إذا اعتمدت عليها الأمة، إذا قبلت بها الأمة، إذا تحركت على أساسها الأمة، إذا انطلقت من خلالها الأمة؛ تتمكن من إقامة العدل في الحياة إلى حدٍ كبير.
مع تعاقب الزمن تغيَّرت النظرة إلى المسؤولية العامة تغيراً كبيراً في الذهنية العامة، فأصبحت مغنماً، لدى تصور الكثير من الناس أنه يرغب ويتمنى أن يصل إلى موقع من مواقع المسؤولية، أو أن يتربع في منصبٍ معين، لماذا؟ ليحظى بالمال، ليحظى بالثروة، ليتمتع بالسلطة باعتبارها موقعاً للقوة، والسيطرة، والتغلب، والتحكم، وتنفيذ ما في النفس من رغبات وأهواء، أصبحت النظرة العامة إلى السلطة وإلى المنصب كمغنم، ومكسب شخصي، وموقع لتعزيز النفوذ أو تعزيز السيطرة للإنسان؛ لينفذ رغباته، وليكون في موقع القوة والقدرة والثروة، هذه النظرة السلبية جدًّا إلى المنصب، إلى المسؤولية، إلى مواقع المسؤولية في أي مستوى كان، هي رهيبة جدًّا، رهيبة وخطيرة للغاية، خطيرة للغاية، ولا بدَّ لأمتنا الإسلامية أن تسعى لفهم منهجية الإسلام في كيفية إقامة العدل في الحياة، وما تتطلبه هذه المسؤولية من مواصفات، من معايير، من أسس، من مبادئ، من قيم، وأن تنطلق على ضوئها لتصحح وضعيتها المؤسفة جدًّا، وضعية المسلمين اليوم مؤسفة جدًّا، ظلم في الداخل، ظلم انتشر إلى حدٍ كبير: ظلم في المجتمع، ظلم من الحكومات والأنظمة، وظلم من الخارج، ظلم كبير من أعداء الأمة الإسلامية، من الأمريكيين والإسرائيليين ومن معهم، فتتراكم حالة الظلم، وتتنوع المظلومية، حتى يكاد العدل أن يغيب من واقع الحياة، ويعيش الناس الشعور بالمأساة، والشعور بالألم، وكثرة المظالم التي تتكرر وتحدث من هنا أو هناك.
في الإسلام نتعلم أنَّ المسؤولية في أي مستوى كانت، من أدنى مستوى إلى أعلى مستوى، يعني: من وأنت مسؤول عن عمل في إطار مجموعة، أو في نطاق صغير، بل حتى في نطاق الأسرة، ولكن هذا سنتحدث عنه إن شاء الله لاحقاً، ما يتعلق بالوضع الأسري والمجتمعي وغير ذلك، في أي مستوى من مستويات المسؤولية تحملت مسؤولية، يجب أن تنطلق من منطلقك الإيماني كمؤمن، وأن ترسِّخ في نفسك وفي وجدانك أنَّ هذه المسؤولية هي كاسمها مسؤولية، عملٌ تحملت فيه مسؤوليةً أمام الله -سبحانه وتعالى-، وأنَّ الله سيحاسبك وسيجازيك، وأنه رقيبٌ عليك، وعلى أعمالك، وعلى تصرفاتك، وأنك تحملت التزاماً إضافياً في التزاماتك الإيمانية والدينية، فتتحرك لتؤدي هذا الالتزام الديني بما يرضي الله -سبحانه وتعالى-، وتحرص على هذا الأساس: أن تتجه إلى رضا الله -سبحانه وتعالى-، وأن يكون هو همك الأكبر، كيف تحصل على رضا الله، وكيف تقي نفسك في أدائك لهذه المسؤولية من سخط الله وغضبه وعذابه، وأن تدرك أنَّ الله -سبحانه وتعالى- لن يتساهل معك ويهملك، ويترك لك المجال تفعل ما تشاء وتريد؛ لأنك أصبحت تحمل ذلك الاسم، أو في ذلك الموقع من مواقع المسؤولية، أنت مدير، أنت مسؤول، أنت مشرف، أنت وزير، أنت رئيس، أنت… بأي مسمىً وبأي عنوان، أنت خاضعٌ لرقابة الله -سبحانه وتعالى-، وهو سيجازيك بما عملت، وأن ينطلق الإنسان المؤمن عندما يتحمل مسؤوليةً ما، أو يكون في موقع من مواقع المسؤولية، من المنطلقات الإيمانية، ويستفيد من كل النماذج التي قدَّمها القرآن الكريم.
القرآن الكريم قدَّم نماذج راقية جدًّا، من أرقى النماذج التي قدَّمها القرآن الكريم نبي الله سليمان -عليه السلام-، الذي كان على مستوى عظيم من التمكين الإلهي، الله مكَّنه تمكيناً عظيماً، هو سأل الله أن يعطيه ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده، والله أعطاه ملكاً عجيباً، ومكَّنه تمكيناً عجيباً، وقدَّم في سورة النمل دروساً مهمة عن نبي الله سليمان -عليه السلام-، كيف كانت روحيته الخاشعة لله الخاضعة لله!
البعض من الناس قد يشعر بالطغيان، قد يشعر بالزهو، بالعجب بالنفس، قد يستشعر في نفسه القدرة؛ لأنه أصبح في منصب معين، أو موقع من مواقع المسؤولية معين، أصبح يقال له: مدير أو مسؤول، أو يقال له: مشرف، أو يقال له: رئيس، أو يقال له… أي مسمى من هذه المسميات، ويرى نفسه محاطاً في إطار مسؤوليته بظروف معينة، فتكبر نفسه لديه أكثر وأكثر، تكبر وتكبر وتكبر، يشعر يوماً بعد يوم بالمزيد من الغرور، يعتبر نفسه صاحب الإنجازات، يعتبر نفسه أنه في الموقع المهم… وهكذا تعظم عنده حالة الغرور، وحالة الكبر، وحالة العجب، والآفات السلبية التي تدمِّر إيمان الإنسان، وحتى إنسانية الإنسان، فيصبح مع الوقت يعيش حالة الطغيان في نفسه، في مشاعره، في سلوكه، في طريقته في أداء المسؤولية، وهذه حالة خطيرة جدًّا.
نبي الله سليمان -عليه السلام- الذي مكَّنه الله تمكيناً عجيباً، وسخَّر له الجن والإنس والطير، وسخَّر له الرياح، ومكَّن له تمكيناً عجيباً، لم يسبق له ربما مثيل في تاريخ البشرية، كيف كان خاشعاً لله وخاضعاً لله، وكان كل همه أن يكسب رضا الله، وأن يعمل العمل الصالح، وكان يدرك أن كل ما هو فيه من تمكين، قيمته في أن يعمل فيه بالعمل الصالح، وأن يسعى لمرضاة الله -سبحانه وتعالى-، فلم يشعر بالغرور، لم يشعر بالكبر، لم يشعر بالعجب النفسي، لم يخرج عن حالة الخشوع والخضوع لله -سبحانه وتعالى-، وسعى إلى العمل لإقامة العدل على أرقى مستوى، لدرجةٍ ينبهر منها الإنسان غاية الانبهار.
يحكي القرآن الكريم قصته هو وجنوده، وهم يتحركون يقول الله -سبحانه وتعالى-: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ}[النمل: من الآية18]، واد فيه نمل، {قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}[النمل: 18-19]، هو وجنوده جنود بأعداد هائلة وكبيرة، وهم يتحركون، والله -سبحانه وتعالى- من عجيب تمكينه لنبيه سليمان -عليه السلام- أن يسمع هذا النمل، وأن يعرف لغة تخاطبه، هذا من التمكين العجيب الذي وصل إليه في ملكه، ومنحه الله -سبحانه وتعالى- إياه، تمكيناً عجيباً جدًّا، فسمع النملة، كانت هذه النملة تنادي بقية النمل للدخول إلى مساكنهم؛ حتى لا يحطمهم جيش سليمان -عليه السلام- بدون شعور، كان هذا هو الملفت: بدون انتباه، بدون تعمد، النملة- وهي النملة- كانت تأمن من نبي الله سليمان وجيشه أنه لا يمكن أن يتعمدوا ذلك النمل بالدهس عليه، وبالظلم له، فهم مطمئنون إلى عدله، حتى النمل اطمأنت إلى عدله وإلى عدل جيشه، وأنهم لن يتعمدوا تعمداً، قد يحصل أن يدهسوا على هذا النمل، لكن بدون تعمد، أمَّا وهم يشعرون لا يمكن، هذه العدالة العجيبة في ملك نبي الله سليمان -عليه السلام- التي كان فيها النمل يطمئن إلى أنه لا يمكن أن يظلم عمداً، وأن يستهدف عمداً، درسٌ مهمٌ جدًّا لعالمنا الإسلامي، لمجتمعنا الإسلامي، للذين آمنوا، عندما يتحركون لإقامة العدل في أي مجتمعٍ من المجتمعات الإسلامية، أن يروا هذه النماذج العظيمة جدًّا، العالية، التي لا مثيل لها في إقامة العدل.
في نفس الوقت يحكي الله -سبحانه وتعالى- قصته كيف تعامل مع الهدهد، {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ}[النمل: من الآية20]، يتفقد وهو يتابع للمسؤوليات، والقيام بالمسؤوليات، ومن يغيب عن عمله، عن دوره، كيف كان تعامله مع الهدهد؟ {أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}[النمل: 20-21]، كان تعامله حازماً في إطار أن يضبط المسؤوليات والأعمال والواجبات، وفي نفس الوقت لا يخرج عن دائرة العدل، لا يخرج عن دائرة العدل، ليس بالمتسرع، حتى عندما أتى الهدهد وحكى عليه قصة مملكة سبأ وتلك المرأة، {قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}[النمل: من الآية27]، يتحقق، يتبين، لا يستعجل باتخاذ الإجراءات، يحرص على أن تكون الإجراءات صحيحة، ومبنية على معلومات مؤكدة، ومعلومات صحيحة، نموذج عظيم، بقية الآيات في سورة النمل فيها دروس عجيبة جدًّا عن نبي الله سليمان -عليه السلام-.
قدَّم الله -جلَّ شأنه- نموذجاً آخر وهو ذو القرنين في سورة الكهف، مع التمكين العجيب له، وهو كذلك مكَّن الله له تمكيناً عجيباً، كيف كان تعامله، كيف كان اهتمامه بالناس، كيف كانت روحيته، كيف كانت قواعده في العمل: {قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا}[الكهف: 87-88]، قاعدة في التعامل مع الناس، اهتمام كبير بأمرهم، سعي لدفع الظلم عنهم، في قصة أولئك القوم، وما كانوا يعانونه من يأجوج ومأجوج، كيف عمل ردماً يحول بينهم وبين التمكن من الاقتحام إلى أولئك القوم وظلمهم، في نهاية المطاف وبعد إنجاز ذلك المشروع العملاق، مشروعاً عجيباً، ومشروعاً عملاقاً، كيف قال؟ هل قال: [هذا إنجازي، أنا رجلٌ عظيم، أنا كذا، أنا أنا أنا أنا…] ويفتح مجالاً للآخرين ليأتوا ليتحدثوا عنه على طول؟ أم أنه قال: {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي}، {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا}[الكهف: من الآية98]، حاول أن يشدهم إلى الله -سبحانه وتعالى-، وأن يقدِّم ما مكَّنه الله فيه، وما وفَّقه له بأنه نعمة من الله، وهذه هي الحقيقة.
وهكذا قدَّم القرآن الكريم نماذج راقية متعددة، وقدَّم التاريخ الإسلامي نماذج عظيمة في سيرة الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- ما يكفي ويفي في سعيه لإقامة العدل، في سلوكه، في سيرة الإمام علي -عليه السلام- وهو الذي قال: (والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها، على أن أعصي الله في نملةٍ أسلبها جلب شعيرةٍ ما فعلت)، هذه الدرجة العالية جدًّا من العدالة، هذه الدرجة العالية جدًّا من الإحساس بالمسؤولية، هو الذي قال وقد أشار إلى نعله، يعني: حذائه البالي، أشار إليه وقال: (إنَّ إمرتكم لا تساوي عندي هذا، إلَّا أن أحيي حقاً وأميت باطلاً)، ليس هناك أي نظرة شخصية، ولا حسابات شخصية، ولا مصالح شخصية، ولا مكاسب شخصية، ولا مقاصد شخصية من وراء تحمل المسؤولية، وتقلد المسؤولية، والعمل في إطار المسؤولية.
ولذلك عندما نعود إلى النماذج، إلى منهج الإسلام، إلى الآيات القرآنية، ما فيها أيضاً من تحذير ووعيد، الله -سبحانه وتعالى- حكى لنا في (سورة ص) قصة نبيه داوود -عليه السلام-، عندما اختبره الله اختباراً قد يكون من وجهة نظرنا اختباراً بسيطاً، وقد دخل عليه الخصمان وتشاجرا عنده، أحدهما يقول: أن معه تسعٌ وتسعون نعجة، والآخر قال: معه نعجة واحدة، وهو يشتكي من أن صاحب التسعة والتسعين نعجة طلب منه أن يضع نعجته عنده ليكفلها، ليقوم بكفالتها، يعني قال: لا تشغل نفسك، أنت ما معك إلا نعجة واحدة، ليس لديك إلا نعجة واحدة، ضعها مع غنمي وسأكفلها لك، وهنا استعجل في الجواب، {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ}، فماذا كانت النتيجة؟ أدرك- فيما بعد- أن هذا اختبار: {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ}[ص: 24-25]، ثم يأتي ذلك التحذير العجيب؛ ليكون درساً لكل المؤمنين، لكل الذين آمنوا، لكل الذين يتحملون المسؤولية، {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}[ص: الآية26]، تحذير شديد وهو نبي؛ ليستفيد منه كل الناس، ليعرف كل الذين يتحملون المسؤولية أن الموضوع خطير، إذا كان هذا التحذير قد صدر إلى نبيٍ من أنبياء الله، إن الله -سبحانه وتعالى- يحذره هذا التحذير الشديد؛ فليأخذوا العبرة، فليحذروا، فلينتبهوا.
فلذلك عندما يكون الإنسان في أي موقع من مواقع المسؤولية عليه أن يستحضر الدوافع الإيمانية، وأن يحرص على أن يكون خاضعاً لله، وأن يدرك أن التزاماته الإيمانية والدينية زادت أكثر من غيره، فهو في موقع الخطورة إن فرط، إن ظلم، إن تجاوز، إن طغى، والذين يمكنهم الله -سبحانه وتعالى- من عباده المستضعفين، وقد تحركوا ضد الظلم، ضد الطغيان، وسعوا إلى إقامة العدل، هم معنيون أيضاً أن يكونوا مدركين لخطورة الغفلة عن مسؤولياتهم، عن منطلقاتهم الإيمانية التي انطلقوا منها ابتداءً، وأن يكونوا مستحضرين لذلك على الدوام؛ لأن الغفلة حالة خطيرة على الإنسان.
البعض من الناس قد ينطلق في البداية ويكون في سعيه، في اهتمامه، في نيته، أن يسعى إلى إقامة الحق، إلى إقامة العدل، ولكنه عندما يصل إلى موقع من مواقع المسؤولية، في أي مجالٍ من المجالات، ثم يعيش تلك الظروف التي تأتي عادةً والإنسان في موقع المسؤولية، الناس يمدحونه، والبعض ينظرون إليه بإكبار، وهو يرى نفسه أنه أصبح في جو المسؤولية في وضعٍ مختلفٍ عمَّا كان عليه سابقاً، فيأتي الغرور، ويأتي الشيطان، ويأتي العجب، وتأتي الأطماع، وتأتي الأهواء النفسية، هذه حالة خطيرة جدًّا، نجد في القرآن الكريم تحذيراً عجيباً، يقول الله -سبحانه وتعالى- لنبيه محمد -صلوات الله عليه وعلى آله- ولكل المؤمنين: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[هود: الآية112]، الاستقامة وفق أوامر الله، وفق توجيهات الله -سبحانه وتعالى-، هي ما ينبغي أن يحرص عليه الإنسان المسلم في كل مسيرة حياته، وفي أي واقعٍ كان، وفي أي موقعٍ من مواقع المسؤولية كان، أن يتمسك بأوامر الله وتوجيهات الله، وأن يستشعر دائماً أنه عبدٌ لله، مأمورٌ، عليه أن يخضع لأوامر الله -سبحانه وتعالى-، إذا أصبح الشعور عنده أنه مجرد آمر يصدر الأوامر، فهذا الشعور قد يعزز في نفسه الطغيان، أنه أصبح صاحب قرار، وصاحب أوامر، فقط يأمر ويصدر الأوامر، ليس في موقع أن يتلقى الأوامر، في أي مسؤوليةٍ أنت أنت لا تزال عبداً لله -سبحانه وتعالى-، وعليك أن ترسخ في نفسك أنك مأمور، {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ}[الزمر: الآية11]، هذا ما كان يعلم به حتى رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ}، لا تزال عبداً لله ومأموراً، وعليك أن تخضع لأوامر الله -سبحانه وتعالى-، وأن تطبقها، وأن تلتزم بها، وأن ترسخ في نفسك أنك متلقٍ لتوجيهاته وتعليماته -سبحانه وتعالى-.
من أخطر الأشياء على الإطلاق إذا فقد هذا الشعور الإيماني: أنه مأمور، واستبدله بشعور أنه آمر، وأنه الذي فقط يصدر الأوامر ويقول ولا يتلقى شيئاً ولا يتقبل شيئاً، هو الشعور الذي ينشأ عنه الطغيان، وينتج عنه الطغيان، حالة خطيرة للغاية.
{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا}؛ لأنه بعد التمكين، بعد أن يكون الإنسان في موقع المسؤولية الكثير من الناس تحصل عندهم حالة الطغيان، يدخل هذا الاختبار، وهو اختبار مهم، واختبار كبير، واختبار خطير، فلا يسيطر على مشاعره، لا ينمّي إيمانه، لا يجعل من ذلك الموقع موقعاً لعبادة الله -سبحانه وتعالى-، يجسد فيه قيم الدين، قيم الإيمان، وينمّي في نفسه القيم الإيمانية؛ فتأتي عوامل ودوافع الطغيان، يرى نفسه متمكناً، والبعض إذا أحس نفسه بأنه متمكن طغى، كان عجزه مثلاً في مراحل ماضية، كانت ظروفه في مراحل ماضية تساعده على أن يبقى إنساناً عادياً، لكنه عندما تمكن، إما إمكانات مادية، أو إمكانات عسكرية، أو إمكانات أمنية… أو إمكانات بأي شكلٍ من الأشكال؛ حصل عنده الطغيان؛ فطغى وتجبر وتكبر، وتجاوز الحد، وخرج عن دائرة الانضباط والالتزام والامتثال لأوامر الله وتوجيهات الله -سبحانه وتعالى-.
البعض بمستوى أن يكون آمراً على مجموعة قد يحصل عنده الطغيان، قد يشعر في نفسه بالزهو والكبر والغرور؛ وحينها يصدر منه الظلم في معاملاته، في سلوكه، في تصرفاته، وكلما كبرت المسؤولية كان الموضوع أخطر وأخطر وأخطر، وكان الإنسان أكثر حاجةً إلى تعميق وترسيخ المشاعر الإيمانية، ومشاعر الخضوع لله، والامتثال لأوامر الله وتوجيهات الله -سبحانه وتعالى-، والحذر- في نفس الوقت- من البواعث النفسية، ومن الروح الانتقامية، من أخطر الأشياء على الإنسان والإنسان في موقع المسؤولية يكون في ظرف حساس، البعض يمدحونه، يمجدونه، يثنون عليه؛ البعض يستفزونه بالكلام الجارح والمسيء والإساءة إليه، فهو مستفَز من جهة، وهو من جهة أخرى يرى من يمجده، من يثني عليه، من يشجعه، من يعلي من شأنه… في هذه الأحوال الإنسان في حالات خطيرة جدًّا على المستوى النفسي، إذا لم يخضع نفسه لله -سبحانه وتعالى-، إذا لم يدرك أنه مسؤول عن كل تصرفاته وأعماله، فقد تتحرك البواعث النفسية، وتترسخ في نفسه الشخصنة، فيتمحور حول ذاته، يفكر في نفسه، والتمحور حول الذات من أخطر الآفات التي قد يعاني منها الإنسان، إما إنسان في موقع المسؤولية، أو إنسان يحظى بالشهرة، أو إنسان يعتبر نفسه أنه حقق إنجازات، عندما يتمحور حول ذاته، يبقى كل تفكيره حول نفسه، يستشعر أنه أصبح إنساناً مهماً، إنساناً عظيماً، إنساناً بمنزلةٍ عالية، وتمحوره حول ذاته يجعله يحسب كل الحسابات من هذا المنطلق، في علاقته مع الآخرين، حتى في أداءه للمسؤولية، حتى في أعماله، يركز على نفسه، المعيار هو نفسه، أقرب الناس إليه أكثرهم مديحاً له، وأكره الناس عنده أقولهم بمر الحق له، يأنف إذا نصح، يغضب إذا قيل له اتق الله، يستاء إذا أوصي بالحق، لا يتقبل أن يسمع نصيحةً من أحد، أو ملاحظةً من أحد، أو تنبيهاً من أحد، يعتبر نفسه في حالةٍ وموقعٍ لم يعد فيها بحاجة إلى أن ينصحه أحد، ولا أن يوصيه بالحق أحد، ولا أن يذكره أحد، فإذا قيل له {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ}[البقرة: من الآية206]، يعتبر لنفسه الصلاحيات المنفلتة: أن يتصرف كيفما يشاء ويريد، في حالة الغضب إذا غضب يعطي لنفسه الحق كيفما يشاء ويريد.
حالة التمحور حول الذات حالة من أخطر الحالات على الإنسان في إيمانه، وفي إنسانيته، وفي واقعه الطبيعي، الإنسان يخرج عن الوضع الطبيعي، يعيش نفسيةً حساسةً جدًّا، يأتي سوء الظن، تأتي الأوهام، يتحول كل تفكيره حول نفسه، حول نفسه، حول نفسه، والموضوع الأهم هو بنفسه في نفسه، كل شيءٍ يفكر فيها هي النفس، الموقع، هل الآخرون يحترمونني، هل هم يفعلون لي، أو أنهم يتآمرون عليَّ، أو أنهم يمكرون علىَّ… تصبح الذات المتضخمة، والذات التي تملأ فكره ونفسه هي الموضوع الأهم، هي الصنم الكبير، الصنم الكبير التي أصبحت كل اتجاهاته نحوها في هذه الحياة.
الحالة الإيمانية تجعل الإنسان يذوب في الله، يذوب في الله -سبحانه وتعالى-، ذهنيته دائماً منشدة إلى ما يرضي الله، إلى ما هو رضى لله -سبحانه وتعالى-، لا يعيش حالة الكبر، ولا حالة الغرور، ولا حالة العجب أبداً، همه العمل الصالح، همه أن يكون في عباد الله الصالحين، همه أن يكون مقبولاً عند الله -سبحانه وتعالى-، وأن يرضى الله عنه، هذه هي النفسية الإيمانية، هي المشاعر الإيمانية التي يجب أن يحافظ عليها الإنسان، وأن يحرص عليها الإنسان، وألَّا تذهب هذه المشاعر نتيجة أن الإنسان أصبح في موقع من مواقع المسؤولية.
وهذه المشاعر الإيمانية هي التي ستجعل الإنسان دائماً خاشعاً لله، ومتواضعاً أمام عباد الله، يقبل النصيحة، يتفاهم، يتعاون على البر والتقوى، يحذر من المزالق والآفات الشيطانية، يحذر من الظلم، يحذر من التجبر، يحذر من الطغيان، يخشع لله، ويخضع لله، يتذكر إذا ذُكِّر، ينيب إلى الله -سبحانه وتعالى- إذا استفز في حالة غضب، أو انفعال… أو أيٍ من حالات الاستفزاز، يعود إلى الله -سبحانه وتعالى-، ينضبط، ينتبه، يحافظ على الأمانة في الإمكانات المادية، في المال العام، في المال الذي قد يكون في إطار مسؤولية معينة، لا يخون الأمانة، الله -سبحانه وتعالى- قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[الأنفال: الآية27]، لا يخون الأمانة، يعيش جو الخوف من الله، والاستشعار للمسؤولية أمام الله -سبحانه وتعالى-، ويتحول أداؤه في موقع المسؤولية إلى عملٍ إيماني، إلى عملٍ صالح، إلى عملٍ ضمن التزاماته الإيمانية والدينية التي يتقرب بها إلى الله -سبحانه وتعالى-، ينشد إلى قول الله -سبحانه وتعالى-: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}[الحج: الآية41]، هنا كل ما كان الإنسان منشداً إلى هذه القيم، إلى هذه المبادئ، إلى هذه المعايير، مخلصاً لله -سبحانه وتعالى-، لا ينتظر من الآخرين ثناءً، ولا ينتظر من الآخرين جزاءً ولا شكوراً ولا مديحاً في قيامه بمسؤولياته، في أداءه لواجباته، في أعماله الصالحة، بل كل همه أن يحظى برضى الله، كلما جسد الإنسان تلك القيم الإيمانية العظيمة؛ كلما كان نموذجاً صالحاً في أداءه لمسؤولياته وواجباته.
هذا ما ينبغي التركيز عليه، وهذا ما ينبغي أن يكون الإنسان من خلال التركيز عليه بعيداً عن الظلم، بعيداً عن التكبر، بعيداً عن الغرور، إذا كنت في مسؤوليةٍ أمنية: مدير أمن، أو مدير على مستوى معين، أو أي مسؤولية، في الجانب العسكري، في أي مجالٍ من المجالات، في العمل الاقتصادي، في العمل القضائي… ابق دائماً خاضعاً لله وركز على مسؤوليتك، وركز على العدل، وركز على تقديم النموذج، واحذر من الخيانة، احذر من الابتزاز المالي للناس، من أخذ أموالهم بغير حق، خيانة كبيرة، وزر عظيم، يتحول موقعك في المسؤولية إذا كان موقعاً للطغيان أو التكبر أو التجبر على عباد الله، أو الخروج عن مبدأ الرحمة والعدل والإحسان والخير، يتحول ذلك إلى موقع لكسب الوزر، لكسب الإثم، لتحمل الأوزار الثقيلة من المظالم والجرائم، وتكون الحالة خطيرةً على الإنسان جدًّا.
الإنسان المؤمن مهما كان في أي موقع من مواقع المسؤولية لا يعيش حالة الغرور، حتى في سلوكياته، حتى في تعاملاته، حتى في تخاطبه مع الناس، يتخاطب بمسؤولية، يتخاطب باحترام، يتخاطب وهو يؤمن بكرامة الناس وكرامة المجتمع، لا يتساهل في إطلاق الإهانات وفي توجيه الكلمات القاسية بدون مبرر على الناس، ويحرص على التعامل بالعدل، والتعامل بمسؤولية، والتعامل بالتزام القيم الإيمانية، والتعامل بالرحمة، ويسعى إلى أن يستوعب مسؤوليته بشكلٍ جيد؛ ليؤديها كما يرضي الله -سبحانه وتعالى-، وليكون بعيداً عن تحمل الآثام والأوزار والذنوب العظيمة، الظلم ظلماتٌ يوم القيامة، الظلم حالة خطيرة جدًّا، الإنسان بالظلم يدخل نفسه في سخط الله، في غضب الله، إذا أصر على الظلم واستمر على الظلم يلعنه الله، {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}[هود: من الآية18]، ينطبق عليه كل ذلك الوعيد الإلهي الذي توعد الله به الظالمين، قد يكون الإنسان نتيجة غروره وكبره، وأنه أصبح في موقع مسؤولية، وأنه أصبح معجباً بنفسه، ومستهتراً ومحتقراً للآخرين، يستبسط ما يصدر منه من ظلم: إما بالكلام، أو الفعل، وقد يتساهل، وقد لا يبالى، لكن الله -سبحانه وتعالى- وهو على كل شيءٍ قدير، وهو الجبار العظيم، وهو العلي الكبير، فوقك، وأكبر منك، ويحصي عليك ما تعمل، وتلك التصرفات التي قد تكون تصرفت بها وهي ظالمة، تلك الإساءات التي وجهتها وهي ظالمة، تلك الإجراءات التي اتخذتها وهي ظالمة، ومستهتراً ومستهيناً بذلك؛ لأنك تستبسط ذلك الطرف أو ذلك الشخص، أو لأنك مغرورٌ أو متكبر، إن الله أحصاها عليك، وسيجازيك عليها، ولن تفلت من عقاب الله -سبحانه وتعالى-، إلا إذا أنت تخلصت من تلك المظلمة، هذا ما يجب أن يستشعره الإنسان دائماً، وما يجب أن يستشعره أكثر الذين كانوا مستضعفين في الأرض، ثم مُكِّنوا، ثم أتيح لهم فرصة أن يساهموا في خدمة المجتمع، أن يتحملوا المسؤوليات، أن يعملوا على إقامة القسط، فيتجهوا بكل جدٍ إلى تحمل هذه المسؤولية كما ينبغي وفقاً لمنهجية الإسلام، ووفقاً لهذه الأخلاق، وفقاً لهذه التعليمات الإلهية.
أخيراً، على كل الذين هم في كل موقعٍ من مواقع المسؤولية، في أي مستوى من مستويات المسؤولية أن يحذروا من التورط في الظلم، الظلم خطيرٌ على الإنسان، إذا وقعت في الظلم، وتحولت إلى إنسانٍ ظلوم مستهتراً مستهيناً، دخلت في كل ذلك الوعيد الإلهي والعياذ بالله، وعلى الجميع أن يتعاونوا، على المجتمع، على كل الذين في مواقع المسؤولية، أن يسعى الجميع إلى إقامة العدل وإقامة القسط في الحياة.
نكتفي بهذا المقدار…
ونسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفِّقنا وإيَّاكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.
والسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛