المحاضرة الرمضانية الثامنة عشرة للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 1443 هـ -2022م
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين والمجاهدين.
أيُّها الإخوة والأخوات
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
اللهم اهدنا، وتقبَّل منا، إنك أنت السميع العليم، وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم.
في سياق الحديث عن غزوة بدرٍ الكبرى، وعن يوم الفرقان، تحدثنا بالأمس كيف تزعَّمت قريشٌ الحرب ضد رسول الله “صلى الله عليه وعلى آله وسلم”، وضد الإسلام والمسلمين، امتداداً لنشاطها العدائي الذي استمر في كل المدة الزمنية التي أمضاها النبي “صلوات الله عليه وعلى آله وسلم” في مكة، منذ البعثة وحتى الهجرة.
ما بعد ذلك اتجهت قريشٌ لأن تتزعم الحرب أيضاً على المستوى العسكري ضد رسول الله والإسلام والمسلمين، مستغلةً نفوذها، وتحالفاتها، وتأثيرها الكبير في مختلف القبائل العربية، من خلال موقعها في مكة، وفي إدارة شؤون الحج، وفي السيطرة على الكعبة، والرمزية التي حظيت بها في الوسط العربي آنذاك نتيجةً لذلك، فهم كانوا يقدِّمون أنفسهم أنهم في موقع الرمزية الدينية، فَيُظهِرون الاهتمام بالحجاج، وبالكعبة، وبإدارة شؤون الحج، ويتباهون بذلك، ويفتخرون بذلك، وقال الله عنهم في القرآن الكريم: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ}[التوبة: الآية17]، قال عنهم عندما كانوا يستغلون سيطرتهم على مكة، وعلى الكعبة الحرام، ويقدِّمون أنفسهم بأنهم من لهم الولاية على مكة، ولهم الولاية على الكعبة، ولهم الولاية على إدارة شؤون الحج، قال عنهم: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ}[الأنفال: من الآية34]، فهم كانوا يستغلون سيطرتهم تلك، ويقدِّمونها وكأنها وَلَاية، وكأنها وسيلة لتعزيز نفوذهم واستغلالهم، فكل سياساتهم وأساليبهم وطريقتهم في إدارة شؤون الحج، في أمور الكعبة، في أمور مكة، كلها محكومةٌ بالاستغلال، وتحت سقف الاستغلال، الاستغلال السياسي، الاستغلال للنفوذ في الوسط العربي آنذاك، فاتجهوا من خلال ذلك كله في حربهم ضد رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، وضد الإسلام والمسلمين.
كان تحرُّك النبي “صلوات الله عليه وعلى آله”، وتحريكه معه للمستجيبين له من المسلمين، تحركاً نشطاً وفاعلاً، بقدر ما للمسألة من أهميتها الدينية، وبقدر أهميتها في الواقع، والله “سبحانه وتعالى” وجَّه الكثير في القرآن الكريم من التوجيهات التي تحث النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” للتحرك الفاعل، وبنشاطٍ كبير، فأتى في القرآن الكريم قوله “سبحانه وتعالى”: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ}[الأنفال: من الآية5]، خرج النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” بأمرٍ من الله “سبحانه وتعالى”، بتوجيهاتٍ من الله “جلَّ شأنه”، ولم يكن ذلك مجرد موقف شخصي، أو رأي شخصي، أو تقديرات للأمور بحسب النظرة الشخصية، المسألة هذه مسألةٌ إيمانية، فيها أوامر الله، فيها توجيهات الله “سبحانه وتعالى”، ولذلك انطلق- وهو بإيمانه العظيم- بكل جدية، بالرغم مما واجهه من التحديات المتنوعة:
فمن جهة كان الأعداء بإمكاناتهم العسكرية، والمادية، وعددهم، وعدتهم، وتأثيرهم في الساحة على المستوى العام.
ومن جهةٍ أخرى كانت حالة التخذيل والتثبيط، التي يقوم بها المنافقون والذين في قلوبهم مرض، في داخل المجتمع المسلم، في داخل الساحة الإسلامية، وهم يثبِّطون الناس عن أن يستجيبوا للرسول، وعن أن يتحرَّكوا معه في الجهاد، وهم يزرعون في قلوبهم اليأس، وهم يرجفون عليهم، ويعملون على إخافتهم، ويعملون على تشكيكهم في صحة الموقف، وحكى الله عنهم حتى فيما يتعلق بغزوة بدر، قال “جلَّ شأنه”: {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[الأنفال: الآية49].
وفي المقابل أيضاً إضافةً إلى ذلك، إضافةً إلى ما لدى الأعداء من إمكانيات، وإلى حالة التثبيط والتخذيل، موقف البعض من المؤمنين، من الذين حتى استجابوا، ولكن استجابوا مع حالةٍ من القلق، والاضطراب، والتردد، والجدال، {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ}[الأنفال: من الآية5]، فالذين انطلقوا، لكن وهم كارهون، وهم غير مقتنعين بالتحرك، ليس لأنه ليس حقاً، هو حقٌ واضح، {يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ}[الأنفال: من الآية6]، لكنها المخاوف التي طغت على تفكيرهم، وعلى قراراتهم، وعلى رؤيتهم للموضوع؛ فأثَّرت فيهم تأثيراً سلبياً كبيراً.
تحرَّك رسول الله، واستمر، كانت غزوة بدر هي فاتحة الاشتباك الشامل، ما قبلها كان هناك عدة سرايا، ومنذ الشهر السابع في السنة الأولى للهجرة النبوية بدأت حركة السرايا المجاهدة، السرايا العسكرية التي كان يبعثها النبي “صلوات الله عليه وعلى آله”، أول سريةٍ تحركت في الشهر السابع من السنة الأولى للهجرة النبوية: سرية حمزة بن عبد المطلب، واستمرت السرايا، واستمرت الغزوات، واستمر العمل الجاد في التصدي للأعداء، ومواجهة كل تلك الأخطار، بتحركٍ نشطٍ جداً من جانب النبي “صلوات الله عليه وعلى آله”، فلم يَخْلُ عامٌ من أعوام الهجرة النبوية من التحرك في السرايا العسكرية، والأنشطة العسكرية، والاهتمامات التي يتصدى بها لكل المخاطر التي كانت تحيط به في المجتمع العربي، ومن خارج المجتمع العربي أيضاً، فيما يتعلق بالروم وغيرهم.
ذلك التحرك النشط كان ترجمةً لتوجيهات الله “سبحانه وتعالى”، واستجابةً عمليةً لها، الله الذي يقول لنبيه “صلوات الله عليه وعلى آله”: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا}[النساء: الآية84]، كانت تأتي له تلك التوجيهات: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ}[الأنفال: من الآية65]، فيستمر في نشاطه، استعداداته، تجهيزاته، ثم في بعث السرايا المجاهدة، ثم في الغزوات الكبرى الرئيسية، كنشاطٍ بارزٍ كان هو من أبرز اهتمامات النبي، ومن أبرز أنشطته العملية، وفي جدول أعماله، في أعماله، في اهتماماته، كان هو من أهم أعماله التي أعطاها الجهد، أعطاها الوقت، أعطاها الاهتمام، تابعها ليلاً ونهاراً، نشط في متابعتها بشكلٍ مكثف.
ولذلك خلال الفترة الوجيزة من السنة الأولى للهجرة، إلى السنة الثامنة، كانت النقلات والمتغيرات كبيرة، وكانت المواقف في التصدي لمختلف الأعداء:
-
الحروب التي كانت مباشرةً مع العرب.
-
الحروب التي كانت في التصدي للمشركين من العرب، ومن تحالفوا معه من اليهود.
-
المواجهات والمعارك والحروب التي كانت في إطار التصدي لليهود وشرهم ومكرهم.
-
ثم الحرب الكبرى مع الروم، في غزوة مؤتة، وكذلك التحرك الكبير للتصدي لهم في غزوة تبوك.